صلاح الدين عووضة يكتب: ليـــلى

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

ليـــلى

رمضان كريم..

ومسكينة ليلى هذه…فالكل يريد وصلها..

الشعراء…والمدَّاحون…والمغنون…والعاشقون…وشعرء الحقيبة في السودان..

فقلَّ أن يخلو مديحٌ نبوي من اسم ليلى..

وكمثال على ذلك (يا ليلى ليلك جنَّ)…أو (بعد الليل ما جن ناس ليلى جنَّي)..

كما قلَّ أن تخلو منه – كذلك – أغنية حقيبة..

وعلى سبيل المثال (يا ليلى هوي)….و(الليل ليل ليلي أنا يا ليلى)..

وقديماً قال الشاعر:

كلٌّ يدعي وصلاً بليلى…وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا

وكثيرون يدعون – الآن – وصلاً بليلى الديمقراطية من أحزاب بلادي..

وليلى لا تقر لهم بذاكا..

أو لا يقر لهم بذاك المنطق…ولا التاريخ…ولا الوقائع…ولا التجارب..

فحزب البعث – مثلاً – يدعي وصلاً بليلى..

مع أن هذا الحزب مرض حتى في وطنه الأم الذي مرضت به ليلى..

حتى في وطن ليلى التي قال فيها الشاعر:

يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ…فيا ليتني كنت الطبيب المداويا

بل هو في حكم الميت سريرياً..

وحتى حين كان في ذروة صحته – ونشاطه – لم يعشق ليلى هذه يوماً واحداً..

فمنذ متى كان حزب البعث – هناك – ديمقراطياً؟..

والفرع إنما يتبع الأصل…ولا يمكن أن يستقل عنه…أو يتطوَّر أكثر منه..

ثم هنالك فرع الحزب الناصري السوداني..

والناصرية ماتت حتى في بلدها – الأم – بعد موت أبيها عبد الناصر..

وفي حياة والدها هذا كانت تمقت ليلى..

كانت تكره الحرية…والديمقراطية…والحزبية…وصناديق الاقتراع..

فهل تنكَّر الفرع السوداني لأصله المصري؟..

هل صار الابن السوداني عاقاً لأبيه فآمن بما لم يكن يؤمن به قبلاً؟..

والأمر ذاته ينطبق على الحزب الشيوعي..

فكلمة شيوعية ما عادت تُردد – أو حتى تذُكر – في موطنها الروسي الأم..

أو في الدول التي تفتت عن الاتحاد السوفييتي..

كل الأثريات – العتيقة – هذه لم يعد لها وجودٌ الآن…إلا في بلادنا السودان..

بمعنى أنه قد أضحى لدينا متحفان..

المتحف القومي لحضاراتنا التاريخية…والمتحف السياسي لأحزابنا الأثرية..

والثاني هذا يمكنه أن يصبح وجهة سياحية..

فالسائح الذي يقصدنا من أجل تهارقا ندلُّه أيضاً على صدام…وناصر…ولينين..

ثم لن ينتهي عجبه عند الحد هذا..

فسوف يعجب أكثر حين يرى أن أحزاب الثلاثة هؤلاء تدعي وصلاً بليلى..

والعالم كله يعلم أن ليلى لا تقر لهم بذاكا..

فهم يريدون أن يحكموا باسم ليلى هذه…ولكن دونما التزام بأيٍّ من تبعاتها..

أن يحكموا خلسةً…كما فعلوها عقب الثورة..

ثم لا ذكر لمفوَّضية انتخابات…ولا صناديق اقتراع…ولا تعداد سكاني..

ولا حتى مجلس شعب يمكن أن يحاسبهم..

وأحد رموز ثورة ديسمبر هذه – دسيس مان – كان قد ذكر نحواً من ذلك..

قال كنا مشغولين باحتفالات نجاح (تسقط بس)..

وحين انتبهنا وجدنا أن الثورة قد سُرقت من وراء ظهورنا من تلقاء قلة..

بمعنى أن الثورة (سقطت بس)..

والقلة هذه هي أحزاب متحفنا السياسي..

وانضمت إليها أحزابٌ بلا تاريخ…ولا حاضر…ولا مستقبل..

والأهم من ذلكم : لا قواعد جماهيرية لها..

وانحصرت كل مؤهلاتها في (حرفنة) السرقة؛ سرقة الثورة..

وبعد بيان البرهان جن جنونها..

والآن تريد استعادة ما تراه (حقها) السليب..

أو ما تزعم أنه (حقٌّ) أصيلٌ لها…دون أن تبذل مقابله أي جهد..

يريد رجالها ليلى…دون أن يعشقوها بصدق..

يريدون من الجيش أن يسلِّمها لهم…كما فعل أول مرة بعد نجاح الثورة..

ثم يعود إلى ثكناته فوراً..

فقط يسلِّمهم السلطة ثم (يديهم عرض أكتافه)…فمهمته انتهت لحد هنا..

ثم يحتفلون بليلى…التي لا تقر لهم بذاكا..

ويسهرون الليالي – قبل التفرُّغ للتمكين…وتوزيع المناصب – وهم يغنون:

هو يا ليلى !.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى