مالك عقار إير يكتب : هل رفع الحظر واسم السّودان من قائمة الدّول الرّاعية للإرهاب هو الحل للوضع الاقتصادي الرّاهن؟

توطئة..

هل مشكلة اقتصاد السّودان هو وجود اسمه في قائمة الدّول الراعية للإرهاب أم العقوبات الأمريكية أم التطبيع مع إسرائيل؟  يمكن القول إن هذه هي فقط عناصر  elements  الوضع ولكن ليست المُسبّبات الرئيسية للوضع الاقتصادي في بلادنا؛ فعندما تم رفع العقوبات قامت الدنيا وقعدت ونظّر وتحدّث علماؤنا بلغة التفاؤل (ما لم يقله   Adam Smith   في الاقتصاد)، وكأن غداً ستنزل علينا الموارد من السماء (بقلها وقثائها  وفومها وعدسها وبصلها) مضى أكثر من عامين على ذلك ولم ير الشعب السوداني تلك المائدة،  لماذا؟

 (1)

يعلم صانعو القرار آنذاك أنهم يخدّرون الشعب؛ لكسب الوقت آملين بأن تملأ الملائكة خزائن البنوك والمؤسسات الاقتصادية (رب رب رب) حسب تعبيرهم وربما استهزاء بعقول الشعب السوداني . وهم يدركون بأن السماء لا تمطر ذهباً ولا هم بمكانة قوم موسى عليه السلام لتنزل عليهم المائدة.  ولم يفكروا بأن الإنتاج والإنتاجية وتنمية الموارد ورفع الصادر والوارد هو نتاج طبيعي للتخطيط الجيد والمدروس وفق المعطيات والإمكانيات المتاحة! الآن أسمع وأرى نفس الانفعال عندما قام ترامب برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وكأن الأمور سوف تسير على ما يرام.

إذا لم نستفد من تجربة رفع العقوبات،  المطلوب الاستفادة من رفع الاسم ويعقبه تخطيط اقتصادي جيد مستفيدين من الوضع،  عِلتنا الرئيسية تكمن في التخطيط  الاقتصادي وليست قائمة الإرهاب والعقوبات؛ التي هي فقط بمثابة سلخ لجسد الميت، والميت لا يهمه سلخه أو تركه في العراء فالأمر سيان عنده، طالما أنه خارج الحياة.

(2)

أقول إن المشكلة هي في علمائنا والقائمين على السياسة؛ لأنهم نسوا كلمة السر وإدارة الدولة بروح الفريق والتنسيق وعدم المشاكسة وكسب المعارك الحزبية الآنية كما هو بيّن أمام الشعب السوداني الآن، المشكلة الأخرى الفساد المستشري والولد الشاطر وعجز لجنة التمكين الإطاحة به.  الحل معرفة إمكانياتنا والتخطيط لها، وليس تخدير الشعب وسياسة ربط الأحزمة التي لها محدوديتها الزمنية، ولا البحث عن المنح التي في كثير من الأحيان تحكمها مصالح ومآلاتها وخيمة، أو الاستدانة وهي أسوأ  أنواع المعالجات الاقتصادية لأنها محكومة بقوانين ولوائح دولية تتغير وفق الزمان والمكان والعلاقات الدولية وعلاقات الأندية المالية والاقتصادية.

(3)

ليس رفع الاسم من قائمة الإرهاب أو رفع العقوبات كله إيجابي إنه سلاح ذو حدين،  فهو قد يتيح إمكانية لتهريب الأموال والذهب المكدس للخارج وتدمير ما تبقى من جزيئات الاقتصاد السوداني .

ـ تعدين الذهب باستعمال مادة السّيانيد وهي مادة سامة للإنسان والحيوان على السواء ومدمرة للطبيعة.

إن أي دولة مسؤولة وشعبها مسؤول غير انتهازي لا يمكن أن تسمح/ يسمح باستعمال هذه المادة التي تأثيرها لا يقل عن قنبلة  هيروشيما ونجازاكي، فلماذا الحكومة صامتة على هذا إلا إذا كان وراء ذلك شخصيات نافذة.

الثروة الحيوانية وقفل المسارات:

الشاهد أن التأثيرات الطبيعية ساهمت كثيراً في شح الموارد بالذات في القرن الأفريقي منذ بداية الثمانينات،  مما وسّع الصّراع الطبيعي على الموارد والنزاع الأزلي بين وجهين من أوجه الاقتصاد السوداني (الرعوي والزراعي)، وهذان الوجهان  هما العمود الفقري للاقتصاد السوداني،  لكن سوء التخطيط المتعمد أثّر سلبياً عليهما، التخطيط غير السليم للمشاريع الزراعية والتّغول على الأرض والحد من مسارات الرعاة التقليدية المتعارف عليها، هذا إذا لم تُزل نهائياً،  ونتيجة لذلك تضاءلت الثروة الحيوانية كثيراً في حزام التمازج.

هذا يقودني الى مشكلة قائمة تحتاج إلى حل وتحتاج إلى إعادة النظر في التخطيط الزراعي، وهي مشكلة  الرعاة العالقين. هنالك مجموعات رعوية مثل كنانة، رفاعة وغيرهما نتيجة لانفصال جنوب السودان اضطرو اضطراراً للرجوع إلى مناطقهم في سنار وبحر أبيض والنيل الأزرق، رفضت الدولة السودانية السماح لهم! لا أدري إذا كان هذا عقاباً ولأي ذنب واستقر بهم المقام على الحدود بين الشمال والجنوب والحكومة سمتهم بالعالقين.. (عالقين علي شنو؟) لابد للدولة أن تعطي حقوق مواطنيها في أي  مكان يتواجدون به وليس فقط سكان المدن والحضر،  أجد نفسي متضامناً مع هذه الفئة (مية المية) وأرى أن على الدولة الاهتمام بحقوقهم وأن تعالج مشكلتهم كسائر المواطنين السودانيين،  أقترح بأن تكوّن السلطة لجنة بمشاركتهم لحل مشكلتهم.

(4)

أما الزراعة نفسها فتواجه مشاكل سوء استعمال الأرض تخطيطاً أم حرثاً،  فالزراعة التقليدية اختفت بظهور التقنية والآلات، صاحَب هذا التحديث آفة تلوّث البيئة، والتقليل من  خصوبة الأرض باستعمال مواد كيميائية مضرة للإنسان والحيوان معاً، مثال الزراعة الصفرية قللت التكلفة، لكن لها سلبياتها التي  تشمل تأثيرات الحرث وضغط التربة، وخسارة في المادة العضوية، وانحلالًا في مكونات التربة المعدنية، وموت ميكروبات التربة والجسيمات الحية الأخرى كالجذريات الفطرية والمفصليات وديدان الأرض أو تعطيلها، وتآكل التربة. هذه المادة  متوفرة في (الدكاكين)  وهي مادة قاتلة كما ذكرت  للحشائس، وبنفس القدر مدمرة لصلاحية الأرض ممنوع استعمالها في بلدان كثيرة إلا بتوصية من متخصصين زراعيين في مواسم معينة وأزمنة متفاوتة،  الفدان كان ينتج حوالي عشرة إلى أحد عشر جوالاً الآن بالكاد  يصل إلى ثلاثة، وعندما تضاف هذه المادة ربما يزيد قليلاً لكن يكلف الدولة الملايين لإعادة صلاحية الأرض وخصوبتها. لابد لمؤسسات الاختصاص من مراجعة تلك الظاهرة ومصادرة تلك المادة من الدكاكين فوراً لوقاية الأجيال القادمة من السرطانات المبكرة.

 

جوبا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى