السيادي.. إفراغ للمُحتوى وعظم للمسؤولية!!

تقرير: مريم أبشر

أمس الأول سَطّرَ السُّودانيون بأحرفٍ مدادها الدماء والدموع، سفراً مُختلفاً في تاريخهم الحديث، بإعلان دخول السودان مرحلة جديدة طوت عبرها مسيرة باذخة من النضال والكفاح من أجل الحرية والسلام والعدالة، حيث وقّع المجلس العسكري الانتقالي السوداني وقِوى إعلان الحرية والتغيير مايسترو التغيير، بالقاعة الرئاسية في قاعة الصّدَاقة المُطِلّة على شارع النيل، بصفةٍ نهائيةٍ على الوثيقة الدستورية والإعلان السِّياسي للفترة الانتقالية خلال الاحتفائية التي حَمَلت فرح السُّودان، مِمّا يُمهِّد الطريق للانتقال نحو الدولة المدنية وسط حُضُورٍ إقليمي ودولي وإعلامي كثيفٍ يكشف حجم أهمية الحَدَث المُتفرِّد في السلمية والإصرار على المُضي حتى تكتمل أهداف الثورة.

ضربة البداية

وَحَسَم قادة الحرية والتغيير الخميس الماضي أمر تَعيين المسؤول التنفيذي الأول في حكومة الفترة الانتقالية، وذلك بتوافقهم جميعاً على اختيار المسؤول في الأمم المتحدة الدكتور عبد الله حمدوك، الخبير الاقتصادي العالمي المعروف، رئيساً للوزراء، وهي خطوة تطبيقيّة عملية للبداية الحَقيقيّة للحكومة المدنية، وبعد مُشاورات كثيفة وتقليب بين الخيارات المطروحة لترجيح كفة الكفاءة القائمة على التوازنات الدقيقية لخصوصة الظرف والزمان والمهمة الصعبة، حسمت قِوى الحرية والتغيير بالأمس عُضوية ممثلها الخمسة في المجلس السيادي، حيث اعتمدت بشكلٍ نهائي الأستاذة عائشة موسى بعد اعتذار (الدكتورة فدوى)، بجانب الدكتور صديق تاور وحسن شيخ إدريس وطه عثمان ومحمد الفكي سليمان أعضاءً لها في المجلس السيادي، في ذات الوقت الذي اعتمد فيه المجلس العسكري ذات عُضويته القديمة أعضاءً له في المجلس الذي سيصبح وفقاً لأحد أعضائه أوتوماتيكياً مَحلُولاً بعد التّوافُق على قوائم التّرشيح للسِّيادي، وشملت القائمة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان والفريق أول ركن محمد حمدان دقلو وياسر العطا وكباشي، فيما تم قبول اعتذار الفريق أول ركن صلاح عبد الخالق وترقية الفريق إبراهيم جابر إلى فريق أول واعتماده عضواً خامساً للمجلس العسكري الانتقالي خَلَفَاً له.

ومعلوم أنّ المجلس العسكري الانتقالي تولى السلطة منذ إلاطاحة بالنظام السابق في أبريل، وسيتم استبداله بالمجلس السيادي وفقاً لمصفوفة الجداول المُتّفق على تنفيذها لمؤسسات الفترة الانتقالية منذ الأمس، ويتوقع أن يؤدي أعضاؤه القَسَم اليوم.. وكما هو معلوم فإن المجلس السيادي مُكوّن من 5 عسكريين و6 مدنيين وسيرأسه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لمدة 21 شهراً، والفريق أول ركن محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائباً له، ثم تنتقل الرئاسة بعد 18 شهراً إلى شخصية مدنية تنتهي بانتخابات حُرّة ونزيهة تُحقِّق تطلُّعات الشعب.

وقال الفريق أول ركن كباشي إبراهيم عضو رئيس اللجنة السياسية بالمجلس السياسي، إنّ القوى السودانية تجاوزت مُعظم المشاكل، والثقة عادت بين المجلس العسكري وقِوى الحرية والتغيير للعبور بالمرحلة إلى بر الأمان.

العُبُور بأمان

مصدرٌ رفيعٌ بالمجلس العسكري كشف لـ(الصيحة) أمس عن اجتماعات تشاورية انتظمت بين قيادات المجلس العسكري وقِوى التغيير لاعتماد المرشحين للمجلس السيادي، وقال إن العزيمة والإصرار ماضية بروح الفريق بين الشريكين للعبور بالفترة الانتقالية الى بَر الأمان، وأكد أنّ الأجواء مهيأة لتخطي كل الصعب، عازياً تأخُّر الإعلان لاختيار العناصر القوية وذات الكفاءة لتنفيذ المُهمة، وقطع بأنّ الشريكين سيلتزمان بالجدول المتُّفق عليه لتنفيذ مؤسّسات الفترة الانتقالية.

هذه مطلوبات المجلس…

المستشار عبد النبي شاهين مُمثل المعهد الأمريكي لمكافحة الفساد في أفريقيا والناشط بمنظمة الشفافية الدولية الموجود حالياً بالبلاد، يرى أنّ أبرز أولويات مجلس السِّيادة القَادم وضع قواعد الحُكومة المَدنية استجابةً لتطلُّعات شباب ثورة ديسمبر، وأَضَافَ في إفادة لـ(الصيحة) أنّ على العَسكريين (ولا أحدٌ يزايد على وطنيتهم) أن يعلموا أنّ المدنية هي الطريق الصحيح لبناء سُودان المُستقبل الذي يجب أن يُحقِّق قفزةً كبيرةً في طريق التّطوُّر والحداثة حتى يلحق بالدول التي كانت خلف السودان وأصبحت الآن أمامنا، وزاد: على المجلس أيضاً أن يُسارع في وضع آليات فعّالة لتفكيك بنية النظام السابق، وأن يعمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة بطريقة تعبر عن المرحلة التي مَهَرَها الشباب والكنداكات بدمائهم الطَاهرة، وعليه كذلك العمل على مُحاربة الفساد المالي، والإداري والعَمل على استعادة الأموال التي هرّبها النظام الى الخارج، فَضْلاً عن استعادة الأصول والأموال الخَاصّة بالنظام المخلوع في الداخل، ولفت إلى الاعتداء الذي جَرَى على المال العام والعقارات والأراضي من قِبل بعض منسوبي النظام، ودعا شاهين لمراجعة عقود المشاريع الزراعية التي مُنحت لبعض دول الخليج في الشمالية ونهر النيل ومدى استفادة الشعب السوداني منها، وكشف شاهين عن مُبادرات أطلقها سُودانيون بالخارج تَهدف لتحقيق القفزة المَطلوبة في الاقتصاد والتنمية بالبلاد (سُودان نيكست جنريشن) والتي أسّستها الناشطة السودانية سالي العطا وتضم خِيرَة الخُبراء السُّودانيين، وقال انّ المُبادرة فريدة وتعمل على وضع خارطة طريق للحكومة المدنية القادمة.

حُرّاس الثورة

يُعتبر تنفيذ مصفوفة التوقيتات الخَاصّة بتكوين مُؤسّسات الفترة الانتقالية وفق ما أعلنته قِوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري عقب التّوقيع بالأحرف الأولى على الوثيقة الدستورية، اعتبره مُراقبون التزاماً أخلاقياً لا يُمكن النكوص أو التّراجُع عنه بسُهُولةٍ، لجهة أنّ المصداقية والحرص على تنفيذ ما اُتّفق عليه ووضع الاتفاق على أرض الواقع يمثل المحك الحقيقي لمصداقية الأطراف وحرصها على تنفيذ مَطلوبات الثورة.
ويعتقد الدكتور والمحلل السِّياسي عبده مختار أنّ الطرفين على علمٍ تامٍ بأنّ هناك التزاماً أخلاقياً، وأنّ الوقت مُهمٌ جداً لإنجاز التكليفات، وأنه لا يُمكن لأيٍّ من الطرفين أن يتجاوز ما اُتّفق عليه، لجهة أنّ الاتّفاق مشهودٌ دولياً ومحروس شعبياً، وأضاف مختار لـ(الصيحة) أنّ إصرار الشعب السودان وعزيمته التي تَفَجّرت خلال الحراك عازمة على الوصول بالثورة إلى مُنتهاها، وزاد بتأكيده على أنه مهما كانت الظروف فإنّ لا يجرؤ أيٌّ من الطرفين للانقضاض على الاتفاق، وعزا التأخير الذي صاحب إعلان عُضوية المجلس السيادي لتقليب الخيارات المطروحة وترجيج كفّة الشّخصيّات ذات الكفاءة المطلوبة للمرحلة، وقال إنه مُتفائلٌ بأنّ الحكومة المُرتقبة للفترة الانتقالية ستضع نصب أعينها التّضحيات الجِسَام ودماء الشهداء التي سَالَت في سبيل أن تَتَحقّق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى