علي مهدي يكتب: صاحب السمو الشيخ حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة يفتتح مهرجان الموندراما الدولي بمُشاركة واسعة وعروضٍ مُتنوِّعةٍ

18 فبراير 2023

 

الكونغرس العالمي للهيئة الدولية للمسرح في ضيافة الفجيرة ولأوّل مرّة في العالم العربي

نجتمع من أجل الإنسانية والفنون الأدائيّة الراشدة في فجيرة النور

عُدت يا سادتي ذاك النهار، والشمس فيكِ يا (باريس) حلوة. نعم، هو التعبير الأقرب لمعاني الجمال في لحظتي الآسرة يومها، وامتدت معي لسنوات عمري، تدفعني بكل الفرح لأعود أمشي فيها مدن المعمورة باتساعها، أحمل حلمي كله، وبعض أحلامي الأصغر، تتحقق لي وعندي، بفضل تلك اللحظة، أقف أمام الباب الأشهر فيها مدينتي الأحب، والمبنى الأحدث في الحي القديم، يقف شاهداً على أنها (باريس) مدينة النور، وسيدة المعارف والثقافة والعلوم. والمنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تفتح لي أبوابها تلك الظهيرة، لأنها كانت في خاطري دومًا، وعمري في المبتدأ منه أول انشغالاتي بها فنون الأداء، وقد دخلت بعدها مرارًا وتكرارًا من ذات الباب، وكلها بأسبابها ودواعيها المغايرة أحياناً ومرات، لكنها وقفتي تلك الأولى هي الأهم، والتي تستعيدها اللحظة من ذاكرة تظل حاضرةً، تحتضن البدايات الأهم، بحسنها ولحظتها الفريدة، ولأنها تكررت بعدها استدعي اللحظة لتناسب مطلع الأيام التي تسبق المؤتمر العام للهيئة الدولية للمسرح (ITI)، والفجيرة الأجمل تستضيف حدثها الثقافي الإبداعي الأكبر مهرجانها الدولي (الموندراما)، ليمشي مع الحدث الأكبر، وهي المرة الأولى التي تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة، نيابة عنها أوساط الثقافة والسياسة العربية والمنطقة، هكذا ملتقى عالمي، بمعنى أنه ينفتح على ثقافات الدنيا بلا حواجز مصنوعة، أو أنها نتاج فعل السياسة لا السياسات.

وأعود إلى مبتدأ الوقت القديم المتجدد، يوم ووقفت تلك الظهيرة في الشارع الفسيح، كان قبل بناء خط المترو يمر من وسط المدينة، وهنا يخرج ليكون خارج الأرض، بني على جسر طويل من الحديد، يشبه جسر النيلين الأبيض والأزرق، حديد بذات ألوانها القديمة، محايد لا فيه انحياز، إلا للبحر تحته، نقول على النيل (بحر) فقلنا بحر أبيض وبحر أزرق. والمترو بعدها وتحت الجسر الحديدي القديم صار صديقي، فندقي القديم الجديد على الجانب الآخر لا شارع مُفضٍ للأحياء الجديدة القديمة في (باريس). أخرج منه كل صباح، أمشي خطوات أقل، وأكون في مكتبي في المبنى الآخر (لليونسكو)، هو ذات المكان الذي وقفت فيه أول مرة في الربع الأخير من سبعينات القرن الماضي، خمسة عقود لا تنقص ولا تزيد إلا قليلاً، هي عمر تلك الزيارة الأولى ومنها وبعدها مشيت في دروب الفنون. يومها حملت رسالة السودان وطلب الانضمام للهيئة الدولية للمسرح (iti) (يونسكو)، والآخر للمجلس الدولي للموسيقى (IMC) ، رسائل كتبت بعناية بلغة الشعر والأدب والمسرح، رحمة الله على شاعرنا الراحل الدكتور محمد عبد الحي المدير العام لمصلحة الثقافة، يوم كانت تجلس على شارع الجامعة، مبنى أنيق تتقدمه حديقة غنّاء، يغني فيها بعض البلابل وطيور الجنة بألوانها العذبة، والشعر من عنده لغة واتجاهات، أضحت بعدها مدرسة يميزها حُسن الاختيار لمواضيع القصيدة، و(العودة الى سنار) كانت جزءاً من تجربتي المغايرة، يوم خلعت لباس مسرح عرفته لسنوات (هو وهي والمسمار)، وكوّنت من بعض الصور الغنية فيها الفرجة المؤسسة (سلمان الزغراد سيد سنار) ، لأعود بها مرة أخرى بعد عقود لتعرض داخل قاعة المبنى الكبير (لليونسكو)، يومها فرحت بمشاركة النجمة العالمية (صوفيا لورين)، وكانت الأحدث بين سفراء (اليونسكو) ورقصت مع الأحباب.

ذاك النهار وفي زيارتي الأولى تلك، تركت أوراقي هناك، وقبل السودان عضواً كامل العضوية فيها الهيئة الدولية للمسرح (ITI)، التي نحتفي بها الأسبوع القادم وهي تعقد مؤتمرها السادس والثلاثين، ولأول مرة في العالم العربي، وفي الفجيرة تلتقي فنون العالم، ويصادف ذاك التفكير الذكي وهو جزء من خطة ثقافية شاملة للدولة وأمارة الفجيرة، وعلاقات دولية مدروسة بعناية، تربط الثقافة والفنون العربية بالعالم، وتنطلق منها فجيرة النور وهي تحتفي بمهرجانها الدولي (للموندراما)، وانظر لها فرص الفنون الإقليمية والدولية عندما تتوفّر لها كل إمكانات الرعاية الشاملة لتجعل الحوار مُتّصلاً وممكناً.

يجتمع الأيام القادمات أكثر من تسعين ممثلاً لمركز قطري من مختلف أنحاء العالم، وممثلين للمجالس الإقليمية يشاركون في الحدث الأكبر لفنون الأداء (المؤتمر العام – الكونغرس). وقد حالت الجائحة العالمية وقتها من انعقاده في موعده، بعد المؤتمر الخامس والثلاثين، وقد استضافت مدينة (سيقوافيا إسبانيا) قبل سنوات، وحتى الأنشطة والبرامج غابت ببعدها الدولي، وإن كان لقاء مدينة (أكرا – غانا) الأخير الفرص الأجمل، وقبلها اجتماع المجلس التنفيذي بعد سنوات من الغياب أتاحت ووفرت الفجيرة فرص لقاء مثمر. والمؤتمر العام تظاهرة ثقافية عالمية كبرى، يلتقي فيها صناع المسرح من كل أنحاء العالم، ويضم أنشطة إبداعية وعلمية لها ما بعدها، خاصةً وأنّ الهيئة الدولية للمسرح تعمل عبر اللجان المتخصصة والمشاريع الدائمة، وتعقد في اطار المؤتمرات ورش متخصصة، وتنظم عروضاً فنية تمثل تنوع وتعدد الثقافات الأممية. وكان للسودان شرف استضافة أول اجتماع للمجلس التنفيذي يُعقد في أفريقيا قبل سنوات بحضور كبير، وزاروا المدينة التاريخية (البركل)، وعقدوا جانبًا من الاجتماعات هناك، ثم نظم مكتب السودان بالتعاون مع ادارة مهرجان البقعة الدولي للمسرح اول احتفال لليوم العالمي للمسرح يُقام في أفريقيا وخارج مبنى (اليونسكو)، ثم بعدها استضاف السودان احتفال العالم بيوم المسرح العالمي مرةً ثانيةً من خشبة المسرح القومي – أم درمان حدث عالمي آخر أتاح للعالم أن يتعرّف على رقي فنون الأداء السودانية.

يوم تطالع الدهليز تكون مقاعد المسرح الكبير في مدينة الفجيرة على اتساعها امتلأت بالجماهير، ثم قبلهم المشاركون في فعاليات المهرجان، وتستوعب هذه الدورة عروضاً متنوعة من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا وآسيا وعالمنا العربي، أكثر من خمسمائة فنان وفنانة وإعلامي ومراقب ومتابع، وصلوا وجلسوا لحفل الافتتاح الكبير.

والمسرح السوداني، (مسرح البقعة) حاضرٌ عبر العرض الفخم للدكتور سيد أحمد الكاتب والمخرج، موندراما (انتظار)، تجربة جديدة، ومُشاركة أحدث للممثلة المبدعة إسلام مبارك من شاشات السينما للمسرح الكبير في مدينة (دبي الفجيرة) صنع الصورة المشهدية (سينوغرافيا) المبدع الدكتور عادل الياس معني، وسجّل الأصوات الفنان الكبير الأستاذ الرشيد أحمد عيسى، والممثلة المبدعة أميرة أحمد إدريس. وساعد في الإخراج الفنانة الشابة ريان هاشم، ووقفت خلف كل هذا الإبداع تدير الإنتاج في صبر مع الإتقان، الدكتورة هند الريح مالك.

وفد السودان للمؤتمر العالمي برئاسة الدكتور فضل الله أحمد عبد الله والمبدعين الفنانة إخلاص نور الدين والفنانة أميرة أحمد إدريس والموسيقار عبد العزيز محمد (نوبة) يقدمون في واحدة من ليالي المؤتمر طرفاً من فرجة بين (سنار وعيذاب استذكاراً) لجهودهم في عرض مبادرة وتجربة (المسرح في مناطق النزاع)، والتي اُختيرت من بين عدد من التجارب العالمية كأفضل التجارب الإبداعية العالمية.

دهليزي من الفجيرة الجميلة ، أتابع برنامج الافتتاح ، وأمشي بين القاعات ، انظر في تفاصيل برامج (الكونغرس)، وأتمعّن في قيمة الفنون الجميلة، عندما تكون محل التقدير والاهتمام من قيادات الدولة المُدركة لقيم التعاون الدولي، وسعيها لتكون حاضرةً في الفضاءات العربية والأفريقية والدولية.

الفجيرة في حُسنها، وإن غبت عنها هي الأجمل.

أقعدوا عافية…

أكتب منها قبل لحظات الاحتفال والفرح بمهرجانها العالمي للموندراما.

نعم، ما أجمل المهرجانات، عندما تُعلِّي من قيم الإنسانية وحوار العقل.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى