د. عثمان البدري يكتب : لاستواء الجنيه السوداني ونهوضه.. حلول غير عبقرية (١ – ٤)

 

2فبراير 2023م

[email protected]

لا زال وضع الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية الأخرى القابلة للتحويل الحر يتفاعل تفاؤلاً وتشاؤماً صعوداً وهبوطاً، الأمر الذي أدى ويؤدي الى كثير من عدم الاستقرار في جل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

لقد تدنت قيمته مقابل الدولار حتى بلغت الستمائة  جنيه للدولار،  بعد ان كان في زمن مضى يعادل الثلاثة دولارات و أربعين سنتاً للجنيه، و جنيه و نصف استرليني و اثنتي عشرة ريالاً سعودياً و يشتري الجنيه ما يشتري من السلع و الخدمات. وكانت مقابلة الدكتور لويس عبده بخمسين قرشاً و لما وصلت الجنيه كانت المقابلة ومعها الدواء. وقد أخبرني الأستاذ كمال يعقوب رئيس مجلس إدارة شركة المطارات الولائية وكان سابقاً مديراً لمطار الخرطوم، أنه قد حضر إلى الخرطوم من ملكال بمائة وثمانين قرشاً في آخر زمن للسفرية FillUp.

واخبرني أيضاً الشيخ محمد علي هجو من ود الحداد انه في زمان سابق قد امتطى سودانير من الدمازين ليلحق بمباراة الهلال وفريق سانتوس البرازيلي الزائر عام ١٩٧٣ بقيادة لاعبه الأسطورة بيليه و الذي توفي في يناير ٢٠٢٣… اشترى التذكرة ذهاباً و عودة من الدمازين بأحد عشر جنيهاً.. قبل خمس سنوات تقريبا كانت التذكرة الى الدوحة على القطرية ذهاباً و عودة حوالي أحد عشر مليوناً الآن ٢٠٢٣ كم تساوي؟

تزوّجت أغسطس ١٩٧٤ زواج “متكفياً”  بمائتي جنيه وهي راتب مائة يوم عند تعييني مساعد تدريس بكلية الاقتصاد جامعة فبراير ١٩٧٤، فهل راتب مائة يوم لمساعد تدريس في نفس الكلية والجامعة يمكنه من ذاك؟ وهو ما يعرف عندنا بمعادل القوة الشرائية (Purchasing

Power Parity) PPP) ، على ذلك قس أسواق السلع والخدمات.

وصل الدولار ستمائة جنيه هذا جزئياً يعزى لبعض الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي ووزارة المالية والحكومات المتعاقبة . فما الذي كان يمنع بنك السودان من إنفاذ تلك السياسات المقررة سلفاً قبل أكثر من سبع سنوات حتى يتخذها اليوم عندما كان الاحتياطي من الذهب أكثر من ألف طن، ولو كانا اشترينا من فائض اول  موازنة لجمهورية السودان المستقلة عام ١٩٥٦ والتي كان بها فائض أربعة عشر مليون جنيه و سعر أوقية الذهب كان حينها عشرة جنيهات فقط؟ كم الفاقد للدولة والمواطنين والوطن من عدم إنفاذ تلك السياسات الصحيحة، ماذا لو كانت قد صحبتها حزم السياسات والإجراءات الصحيحة تلك في حينها وكم كان سيكون العائد والفائض؟ وقد بلغ السيل الزُّبى الآن  وجاوز الحزام الطبيين. القيمة الشرائية للنقود من السلع و الخدمات هو المعيار الأمثل للاستقرار والرخاء في أي بلد من بلاد الله. البنك المركزي ليس وحده المسؤول عن السياسات الاقتصادية الكلية للبلاد، بل تشاركه في ذلك وزارة المالية المسؤولة عن السياسات المالية من إدارة المالية العامة إيراداً ومصروفات كاملة، وليست منقوصة ولا منتقصة في إطار وحدة الموازنة العامة للدولة. فهل أحسنت ذلك؟ هل يدفع الجميع ضرائبهم والتزاماتهم المالية نحو الدولة أم هنالك عقليات متمترسة خلف الطرح الرأسمالي الجائر الذي يحابي الأغنياء والمتمولين على حساب الدولة وبقية الشعب بإغداق الامتيازات والإعفاءات عليهم، مما لا مثيل له حتى في أكثر النظم الرأسمالية وحشيةً وتطرُّفاً، وقطعاً لا يوجد في النظام الإسلامي ولا الاشتراكي.

الملاحظ تماماً وبوضوح أن يمين اليمين في الحكومة  له الآن اليد العليا في توجيه السياسات وهؤلاء الأعلى صوتاً والأفشل حتى الآن في تنفيذ الوعود الفارغة وهم يتبنون أساليب ونظريات صندوق النقد الدولي بالكامل ولا يحصلون منه مع ذلك على دولار واحد، فهل لا يوجد في تلك التجمُّعات والهيئات من قحت والأحزاب يمين معتدل أو وسط او يسار..؟ وفي الضلع الثالث للسياسات الاقتصادية الكلية وهي السياسات التجارية، فهي الغائب الأكبر على المستوى الاتحادي او الولائي، فكل ما تقوم به تحركات شكلية محدودة وغير مجدية، إنما هي فقط كما يُقال لرفع العتب.

خفض الإنفاق الحكومي غير الضروري والذي لا حاجة ولا ضرورة له أمر مقر منذ سنين وموازنات ذات العدد، فأين برنامجه التنفيذي الواضح الحازم. وكم الفاقد للدولة من عدم تنفيذه وأين وزارة التجارة من أسعار السلع والخدمات.. وإذا كان دور وزارة التجارة هو فقط الطلب للتجار وضع ديباجات الأسعار على المعروض من السلع، فهل هذا يستدعي تكليف شخصية ضخمة في الملعب السياسي للقيام بذلك، فقد يقوم بذلك موظف في درجات أدنى من ذلك كثير.

ونواصل إن شاء الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى