في انتظار المستقبل

*

من على شرفة الغرفة المطلة على شارع الصحافة ظلط، كنت أنظر للفرح الهستيري الذي اندفع في الشارع احتفالاً بالوصول لاتفاق حول الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري وإعلان قوى الحرية والتغيير.

*السيارات في ذلك الشارع وربما غيره كانت تطلق أبواقها فرحاً بالتوقيع، وبعض الشباب يرقصون على أمل أن يتغير واقع السودان إلى الأفضل بعد رحيل الإنقاذ.

*أمس كان الاتفاق وتبقى التوقيع واختيار رئيس للوزراء من أصحاب الكفاءة والخبرة والحنكة التنفيذية ليبدأ مشوار الألف ميل بخطوة اختيار الوزراء الذين يسيرون دولاب العمل بخططهم ورؤيتهم الثاقبة.

*منذ بدء ثورة ديسمبر والاقتصاد السوداني في تراجع مستمر، ومنذ أبريل والأسواق تشتعل دون رقيب أو حسيب لضبط الاسعار، فوصل كيلو اللحوم الحمراء إلى مبالغ يصعب على الموظفين شراؤها، ووصلت الطماطم إلى سعر عجز عن شرائها أصحاب الدخل المحدود.

*فرحنا وسعد الشارع بالاتفاق، ولكن يبقى السؤال الأهم هو وماذا بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية وتشكيل الحكومة المدنية؟

*الكثيرون يتوقعون تغير الحال سريعاً، وهذا يخالف الواقع المرير، فالإصلاح لن يتم إلا بعد فترة ليست بالقصيرة، ويحتاج إلى قرارات شجاعة وقوية على كل القطاع الاقتصادي الذي شهد تدهورا مريعاً خلال السنوات الماضية.

*السودان شهد بداية تراجعه الاقتصادي في حقبة الرئيس الأسبق جعفر نميري، ولكنه لم يكن تراجعاً ملحوظاً، ولم يظهر التدني الاقتصادي إلا بعد انفصال جنوب السودان وذهاب النفط عن الميزانية مما جعل الجنيه يتراجع أمام الدولار والعملات الأخرى.

*الحكومة القادمة تحتاج الى قوة قرارات وشدة في تنفيذ هذه القرارات حتى ينصلح حال الاقتصاد، ومخطئ من يظن أن شخصاً واحداً بإمكانه تغيير الواقع.

*الحكومة المدنية التي ينادي بها الكثيرون تحتاج إلى تنسيق وفهم وصرامة في تنفيذ خطتها، ومجبور المواطن البسيط أن يجعل حزامه مربوطاً على بطنه، وينسى شيئاً اسمه “الرفاهية” في الوقت الحاضر.

*تقدمت الدول الإفريقية من حولنا بالقوانين الصارمة والشفافية في التعامل، وتطورت تلك الدول بتفكير أبنائها في البناء والإخلاص في العمل العام، ولم يفكروا في الثراء من مقتنيات الشعب، ونهضة الأمم بعد الاهتمام بالعلم والصحة والخدمات الضرورية.

*وإن عادت الحكومة القادمة بذاكرتها إلى النظام الذي وضعه المستعمر في بلادنا مؤكد ستشهد تطوراً وكيف لا يكون ذلك، والسودان كان من أفضل دول القارة السمراء بعد خروج الاستعمار، ولكنه شهد تدهوراً مريعاً بأيدي أبنائه الذين حكموا بعد الاستعمار.

*نريد أن يعود التعليم مجاناً لكل أبناء السودان، وفي مختلف ربوعه، وأن تعود المستشفيات الحكومية إلى عملها الناجع في أصقاع السودان المختلفة.. نريد أدوية للفقراء والبسطاء الذين لا يملكون ثمن العلاج، نريد أن تعود مستشفى الخرطوم أفضل من الحالة التى تركها فيها المستعمر، وأن نرى جامعة الخرطوم في صدارة الجامعات، ونرجو أن نشهد مدارسنا الحكومية تقدم الأحبار والأقلام وأن يجد كل طالب مقعده وكتابه المدرسي.

*كثير هو ما نريده في الفترة القادمة، ولكن علينا بالصبر والجدية لتحقيق ذلك مع حكومة الكفاءة المنتظرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى