فوضى عارمة تضرب أسواق السلع الاستهلاكية..

مواطنون: عجزنا عن توفير لقمة العيش لأبنائنا والقادة مشغولون بالسياسة

معاشي: نعيش في وضعٍ أشبه بمجاعة (سنة ستة)

شلقامي: القرار الذي صدر عام 1992 سبب ارتفاع الأسعار المستمر

خبير سكان وهجرة: الوجود الأجنبي من أكبر مصائب اقتصادنا

رجل أعمال: سياسات بنك السودان الفاشلة سبب غلاء الأسعار

تحقيق: محيي الدين شجر

كلمة مجاعة تعني نقصاً عاماً في الغذاء يعانيه سكان منطقة فيجوعون ويتعرضون لخطر الموت جوعاً.

وحينما نقول إن هنالك مجاعة اصطلاحاً فنقصد أن هنالك عجزاً مستشرياً في أوساط غالبية الشعب السوداني عن توفير ضروريات الحياة نتيجة لارتفاع أسعارها مقابل أجور ضعيفة.. يتقاضونها آخر كل شهر ووسط عطالة متفشية بين الكثيرين..

إن الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع الضرورية في السودان هذه الايام حوّل حياة الناس إلى جحيم لا يُطاق فاصابهم البؤس وهم عاجزون عن تلبية مستلزمات الحياة من أكل وشرب وعلاج وتعليم، والقائمة تطول في ظل صمت مطبق من السلطة القائمة الآن..

وفي جولة لـ (الصيحة) بأسواق العاصمة الخرطوم تبين أن هنالك ارتفاعا كبيراً في الأسعار، حيث ارتفع رطل اللبن الحليب إلى 20 جنيهاً، ووصل كيلو الطماطم إلى 180 جنيهاً ووصل ربع البصل نحو 160 جنيهاً، وكيلو الاسود بلغ 40 جنيهاً، وكيلو لحم العجالي 360 جنيهاً والضأن الكيلو منه وصل 400 جنيه، ووصل كيلو البطاطس 50 جنيهاً.

أما أسعار الدقيق، فقد زادت زيادة كبيرة حيث تبلغ كيلة الذرة 400 جنيه، والقمح 480 جنيهاً.

أما كيلو دقيق القمح (السيقا)، فقد وصل 50 جنيهاً.. كما شهدت الزيوت ارتفاعاً في اسعارها إضافة إلى زيادات كبيرة في أسعار الصلصة والمكرونة والأرز والعدس..

كما ارتفعت تعرفة المواصلات والنقل وطالت الزيادات حتى ملح الطعام..

هذا الارتفاع أدى إلى شلل تام في المنظومة المجتمعية والأسرية، حيث عجزت الأسر عن القيام بواجبها تجاه أبنائها ناهيك عن صغارها.

وإذا كان الغلاء قد تركز وانصب بصورة أساسية في (قفة الملاح)، إلا أن أنه امتد كذلك ليشمل العلاج والدواء وإيجارات المنازل والمواصلات.

لقد وصف احد الخبراء الاجتماعيين الغلاء في السودان هذه الأيام بأنه الأسوأ في تاريخ السودان الحديث، وأشار إلى أن الأزمات المستمرة في الدقيق والخبز والوقود طول العام تشير إلى انهيار واسع في منظومة الدولة..

“الصيحة” بحثت مع مجموعة من المختصين قضية الغلاء للوقوف على أسبابه وتداعياته وخرجت بتفاصيل صادمة..

عجز

(م. م. س) رب أسرة يسكن بالإيجار في منطقة نائية، تحدث حديثاً حزيناً عن وضعه هذه الأيام مع ارتفاع الأسعار، وقال إنه يعيش حياة صعبة ويموت في اليوم ألف مرة، ويقف عاجزاً عن الإيفاء بمتطلبات أسرتي وأضاف لـ (الصيحة): لن تصدقوا غذا قلت لكم في مرات كثيرة نتناول وجبة واحدة، لأن راتبي يكفي فقط لخمسة أيام، وقال: أين المسؤولون من هذا الغلاء، وأين الحكومة وما هدفها من الحكم ألا تشعر بمعاناة الناس.

المجاعة

معاشي (ص. و. ر) قال لـ (الصيحة): هذا الوضع أشبه بالمجاعة التي حدثت سنة ستة، المجاعة الشهيرة التي يعرفها كل السودانيين في تاريخهم مع الفرق أن تلك المجاعة كانت بسبب عدم وجود الغذاء، أما مجاعة اليوم فجاءت بسبب عدم وجود المال لشراء الغذاء لارتفاع أسعاره، وزاد بقوله: لا فرق بين سنة ستة وهذه الأيام، وأطفالنا يصرخون لشرب الحليب، ونحن لا نملك ما ندفعه لباعة اللبن.

وأضاف: بعد كل المعاناة التي نعانيها كمعاشيين يمنحوننا فقط 500 جنيه كحافز للعيد مع أن صندوق المعاشات يستثمر في أموالنا بكثير من المشروعات..

ويضيف المعاشي: بحكم معرفتي بكثير من الأمور أعلم أن كثيراً من طلاب مدارس الأساس يذهبون إلى مدارسهم بلا مصاريف لوجبة الفطور فيقضون يومهم الدراسي كله بلا أكل، متسائلاً: هل ننتظر منهم تفوقاً ونجاحاً وبطونهم خاوية.

ظروف معقدة
الحاجة نفيسة محمد الصولي، قالت لـ (الصيحة): الأوضاع صعبة جداً وقاسية، ونعاني من ظروف بالغة التعقيد، والمجلس العسكري مشغول بالحكم وتقسيم الكيكة ولم يلتفت إلى قضايا الناس. وذكرت أنها تعرف كثيراً من الأسر ترسل أبناءها للتسول في الشوارع، مشيرة إلى أن الغلاء سببه جشع التجار والسماسرة وعدم المراقبة.

بنك السودان

رجل الأعمال معاوية أبايزيد، قال إن أسباب هذا الغلاء كثيرة، ولكن أهمها سياسات بنك السودان والتي قال إنها أدت إلى ارتفاع الأسعار، وقال إنها سياسات غير علمية مع وجود موظفين غير مؤهلين بالبنك ساهموا في مضاعفة الغلاء بإجراءاتهم السلحفائية..

وقال إن الحصار الاقتصادي المفروض على السودان يؤدي إلى زيادة الأسعار بشكل يومي نتيجة لحظر السودان من التعامل المصرفي العالمي، مضيفاً: السلطات المعنية ببنك السودان تطالب الموردين بالتعامل عبر دبي، مؤكدًا أن السودان ممنوع من التعامل المصرفي مع كل دول العالم عدا عبر دبي، ليزيد: إذا استوردت بضاعة من اليابان أو كوريا، بنك السودان يلزمك بالتحويل عبر دبي فيتحمل المستورد رأسمالين الأول لاستيراد البضاعة والثاني لإجراء التحويل عبر دبي، وهذا يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع.. وقال إن بنك السودان يجبر المستوردين على تحويل مبلغ 50 ألف دولار حتى إذا كانت قيمة البضاعة 50 ألف دولار .

وزاد بقوله: من أسباب زيادة الأسعار كذلك الإجراءات المعقدة والبطيئة في محطات الوصول من جمارك وموانئ، مبيناً أن الموانئ في كل العالم تعمل لأربع وعشرين ساعة عدا السودان، كاشفاً زيادة مالية وضعتها شركات الشحن على التأخير في تخليص البضائع على اليورو، حيث أصبح سعر اليورو 54 جنيهاً بدلاً عن 24 جنيهاً بضرب أيام التأخير في 54 جنيهاًن مبيناً أن التأخير دائماً يكون نتيجة للإجراءات العقيمة والمعقدة التي تعوق الاستثمار في السودان.

وكشف أبايزيد أنه أغلق أربع مصانع نتيجة للتعقيد في عمليات الاستثمار ونتيجة لقطوعات الكهرباء والمياه عن المناطق الصناعية ..

وحول زيادة أسعار الألبان وغيرها من السلع، قال إن سبب ذلك يعود إلى قطوعات الكهرباء والمياه، وعلق قائلاًك لا صناعة بلا كهرباء ومياه، مشيراً إلى أن زيادة أسعار العلف تقود إلى زيادة في أسعار الألبان..

وطالب أبايزيد بخضوع كل الرسوم الجبائية التي تفرضها بعض الجهات في العاصمة والولايات إلى وزارة المالية الاتحادية..

الوجود الأجنبي

وقال إن الوجود الأجنبي من دول الجوار غير الشرعي في الخرطوم والذي يصل إلى ثلاثة ملايين شخص يعد سبباً في ارتفاع الأسعار، وأشار إلى وجود فوضى في أمر الوجود الأجنبي، لان معظمهم يقيمون بلا إقامات من السلطات المختصة، ويعلمون في مهن هامشية، ويتقاسمون مع السودانيين المواصلات والعلاج المجاني. وقال إنهم يستهلكون نصيب السودانيين في الخبز، وفي الخدمات بلا منفعة يجنيها السودان من وجودهم على أراضيهم، وقال إن جزءاً كبيراً منهم متسولون..

وقال إن مثل التساهل الذي يجده الأجنبي في السودان لا مثيل له في كل العالم، وذكر أن أثيوبيا لا تسمح لك بالبقاء في أراضيها دقيقة واحدة أو بالعمل بلا إقامة رسمية، وقال إن كثيراً من الأجانب يعلمون في المناطق الصناعية بلا رقابة وبلا هوية، وإذا ارتكبت جريمة، فلن يعرف أحد مرتكبها، وذكر بأنه كان قد تحدث مع مدير الشرطة بضرورة استخراج إقامات وتصاريح عمل للأجانب في السودان وحصرهم للإحاطة بظروفهم وأوضاعهم..

مصائب الاقتصاد

ولمعرفة الآثار الاقتصادية السلبية للأجانب في الاقتصاد السوداني، وفي زيادة أسعار السلع والتي أشار إليها محدثنا السابق رجل الأعمال معاوية أبايزيد، تحدث لـ (الصيحة) السيد إبراهيم الكناني الخبير المختص في السكان والهجرة بقوله إن من أكبر مصائب الاقتصاد في السودان الوجود الأجنبي، مبيناً أن آثارهم تتعدى الآثار الاقتصادية إلى الآثار الاجتماعية ديمغرافياً، وقال إن أعدادهم في السودان كبيرة رغم عدم وجود إحصائيات..

وقال إن التحويلات من الأثيوبيين إلى خارج السودان لا تقل عن مليار ومئتي دولار شهرياً، إذا افترضنا أن هنالك فقط نحو مليون شخص أثيوبي..

فوضى

وقال إن وجود الأجانب تصحبه فوضى عارمة، حيث يتقاسمون العلاج المجاني والمواصلات والقمح المدعوم والوقود المدعوم، وبالتالي يؤثرون في الاستهلاك، وبالتالي يؤدون إلى زيادة أسعار السلع، لأن الشح فيها يقود إلى ارتفاع أسعارها..

وقال إنهم يعملون في مهن هامشية، كان من الممكن أن يعمل فيها السودانيون، وزاد بقوله: هل السودان يحتاج إلى بائعة شاي أجنبية، مبيناً أن العطالة واحدة من خمسة بنود في الاقتصاد.

وذكر أن فوضى الأجانب في السودان لا مثيل لها في كل العالم، وأشار إلى وجود متسولين يملأون الطرقات من دول غرب أفريقيا وأنهم دخلوا السودان عبر مافيا عالمية ويستقرون ولا يعودون إلى أوطانهم، مبيناً أن كثيراً من الأجانب تحصلوا على جنسيات سودانية بسهولة..

وقال الكناني إن المشكلة الأساسية في السودان أننا وحتى اللحظة ليس لنا تعريف للسوداني..

وأضاف: أُطالب الحكومة الجديدة بإجراء إحصاء سكاني مجاني في أول شهر تتولى فيه الحكم قبل أي ترتيبات، ثم إجراء فحص دقيق للجنسيات السودانية، ومحاكمة المتورطين في استخراج الجنسيات بغير سند قانوني، مبيناً أن معرفة السكان الحقيقيين لأي دولة يساعد في وضع المعالجات لأي مشكلة..

قرار خاطئ

نصر الدين شلقامي، الأمين العام لجمعية حماية المستهلك في السودان، أرجع غلاء الأسعار إلى القرار الذي اصدرته حكومة الإنقاذ في العام 1992 بتحرير الاقتصاد من غير أي ضوابط على حد قوله..

وقال في حديثه لـ(الصيحة) إن القرار ألغى كل الإدارات العاملة في مجال ضبط الأسعار بما فيها قسم كبير كان بوزارة التجارة الخارجية متخصص في وضع الأسعار ومراقبتها، وكان مسؤول عن التجارة الداخلية، ومنح التصاديق والتراخيص..

وقال: ليس لأي شخص الحق في الحديث عن زيادة الأسعار وفقاً للقوانين السارية الآن..

وأضاف: لقد طرحنا من قبل عودة إدارة التجارة الداخلية بوزارة التجارة مع كامل الصلاحيات لضبط الأسعار و(بح صوتنا)، لكننا لم نجد أي تجاوب من النظام السابق وقال إن وجود إدارة التجارة الداخلية ومنحها الصلاحيات يجعلها بالأسواق للمراقبة، مشيراً إلى وجود قسم كان بوزارة التجارة يطلق عليه قسم التسعيرة لا وجود له الآن.

مطالبة

ومن المعالجات الأخرى لضبط الأسعار، يطالب شلقامي بإبعاد السماسرة من الأسواق وأن يكون عملهم تحت مظلة وزارة التجارة إضافة إلى إعفاء السلع الأساسية من أي رسوم تحت أي مسمى..

وذكر أن تحديد الأسعار من قبل الدول موجود في دول تتبع النظم الرأسمالية كالإمارات، مشيراً إلى أن دبي تشترط فتح تعاونيات كبيرة لتخفيف العبء عن الناس، كما طالب بوضع قانون لتشجيع الاستثمار ومنع الاحتكار. مؤكدًا أن الجميع الآن مشغولون بقضايا لا تهم المواطنين ولا أحد فعل شيئاً فيما يتعلق بـ”قفة” ملاح المواطن..

وقال شلقامي إن على الدولة أن تحدد أسعار السلع الأساسية للمواطن كالسكر والدقيق والعدس والأرز واللحوم بأنواعها والخضروات الأساسية، وألا تترك للهوى، وأن يأتي القرار بلائحة مثل اللائحة التي أصدرها المجلس العسكري وألغت تصدير الإناث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى