كشفها كوهين: مشاركة السودان في قمة دول التطبيع.. تعقيد أم حل للأزمة؟

كشفها كوهين: مشاركة السودان في قمة دول التطبيع.. تعقيد أم حل للأزمة؟

تقرير- مريم أبَّشر

أعلنت إسرئيل أنها ترتب للقاء قمة إسرائيلية عربية في العاصمة المغربية الرباط مطلع مارس المقبل، بمشاركة الدول المطبِّعة مع إسرائيل وتشمل كل من: السودان والإمارات والمغرب والبحرين، ونقلت الصحف الإسرائيلية عن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين “من المقرر أن يجتمع المديرون العامون لوزارات خارجية البلدان المشاركة في أبو ظبي الأسبوع المقبل، للتحضير لها”، وحتى ظهر أمس “الأربعاء” لم يصدر من الخرطوم ما يفيد بمشاركة الخرطوم أم لا، بيد أن مصدر سياسي فضَّل حجب اسمه، ألمح في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن السودان ربما لا يعترض على المشاركة حال تلقيه دعوة رسمية “لجهة أنه بدأ خطوات للتطبيع مع إسرائيل، ولأن العداء مع إسرائيل جر السودان لأزمات متلاحقة ووضعه بجانب أسباب أخرى ضمن الدول المعزولة دولياً”.

خطوات التطبيع

مثلت خطوة التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب التي جرت أحداثها فى العام ٢٠٢٠م، حالة استثنائية حينها ضمن موجة التسابق العربي نحو إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، وتمت الصفقة إبان الحكومة الانتقالية الأولى التي تشكَّلت بموجب الوثيقة الدستورية، وكان حينها يمثل المكوِّن العسكري الكفة الأرحج في تسيير دفة الحكم رغم وجود رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، المشفوع  بثقل جماهيري غير مسبوق.

وكما سطَّرت الأحداث فإن أولى خطوات التطبيع قطعها الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة بلقاء عنتبي الشهير الذي هندس ترتيباته الرئيس اليوغندي يوري موسفيني، حيث جمع اللقاء الفريق البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكان رغم  اعتراض بعض القوى المدنية، لجهة اعتبار الخطوة قفز فوق التاريخ المحفور في ذاكرة المواقف العربية بـ (خرطوم اللاءات الثلاث) إبان النكبة العربية في حرب النكسة.

سياسة الكتمان

وقتذاك كان المكوِّن العسكري خاصة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، أكثر حرصاً على المضي قدماً في مسار التطبيع، وحرصت تل أبيب بالمقابل على تكثيف خطوات التطبيع. ففي الوقت الذي لجأت فيه الخرطوم على اتباع سياسة الكتمان، حرصت تل أبيب على كشف لقاء عنتبي الفريق البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وكل الخطوات اللاحقة من لقاءات وزيارات سرية خاصة بعد إعلان عدد من الدول العربية التطبيع مع إسرائيل  والتي مهَّدت لقفزة تشجيعية للخرطوم للمضي في المشوار، ولكن التطبيع ربطته الخرطوم برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وظهر الطلب بشكل مباشر بعد المشاورات السرية التي كانت تجري إبان الزيارة التاريخية الخاطفة لوزير الخارجية الأمريكي وقتها مايك بومبيو،  للخرطوم، حيث التقى برئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة ووضعت الحكومة الانتقالية شروطها وشملت رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، إرساء السلام، حفظ حقوق الفلسطينيين وحصول السودان على مساعدات مالية من المؤسسات الدولية.

دفع تعويضات

عدة سيناريوهات جرت عقب ذلك، حيث عقد نادي باريس اجتماعاً تم خلاله خفض وإلغاء الديون على السودان، وألغت واشنطن في الاجتماع ثلاثة ملايين دولار، من ديونها المستحقة على السودان، وصدر في الأول من أكتوبر أمر تنفيذي  من البيت الأبيض قضى برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب مقابل دفع تعويض لأسر الضحايا بلغ “٣٣٥” مليون دولار، وزار وفد مشترك  أمريكي إسرائيلي الخرطوم وتم الاتفاق بعد لقائه بقيادات الحكومة الانتقالية على تطبيع متدرِّج مع إسرائيل ينتهي بإقامة علاقات طبيعية مقابل تقديم مساعدات، رفع العقوبات، تحرير الأموال السودانية المحتجزة وبعد صدور الأمر التنفيذي برفع العقوبات، أصدر البيت الأبيض بياناً أعلن فيه التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب وجرت مكالمة رباعية من البيت الأبيض عبر تقنية الفيديو كونفرنس جمع الرئيس الحكومة الأمريكية  السابق دونالد ترامب، عبر نتنياهو، الموجود لحظتها بالولايات المتحده بكل من الفريق  البرهان والدكتور عبد الله حمدوك، أعلنا فيها إنهاء حالة العداء وإقامة علاقات طبيعية تبدأ بالجوانب الاقتصادية والتجارية.

التطبيع والثورة

الأستاذ والقيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار، قال لـ(الصيحة): إن الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية قبل الثورة وبعدها تسعى لخدمة مصالحها وإسرائيل تحت لافتة مكافحة الإرهاب، ويرى أن السعي للتطبيع بين إسرائيل تم بناءً على الموقع الاستراتيجي للسودان في المنطقة الأفريقية والعربية إبان موجة التطبيع مع الدول العربية وأثناء الحكومة الانتقالية التي كان يهيمن فيها المكوِّن العسكري على السلطة، مستغلاً ضعف المكوِّن المدني، وجاء التوقيع على الاتفاقيات ضمن مشروع ما يسمى بالشروق الأوسط الذي يكرِّس للمصالح الأمريكية في المنطقة .وأشار كرار إلى أن عدة زيارات واتصالات جرت كان نتيجتها توقيع الاتفاق. ويضيف: ذات الأوضاع استمرت بعد الانقلاب فيما أسماه كرار حكومة الهبوط الناعم، مضيفاً بقوله: ندرك الآن هنالك تعقيدات في العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية والعداء مع حلف الناتو حالة الاستقطابات  الحادة في العالمية، معتبراً عقد الاجتماع المرتقب يأتي في إطار تشكيل تحالفات جديدة و إعادة   تقسيم العالم، ويرى أن التقارب مع إسرائيل ينطوي على أضرار كبيرة للسياسة السودانية، ومن شأنه جر السودان نحو مستنقع آخر، والسودان معروف لديه موقف ثابت من القضية الفلسطينية بالتعاطف معها غض النظر عن تطبيع الفلسطينيين مع إسرائيل، تاريخي ومشهود، ويرى أن الحكومة الحالية ماضية في ما ابتدرته من خطوة، لكنه نبَّه إلى أن مثل هذه الخطوات من شأنها تأليب الشعب وزيادة جذوة ثقته، معتبراً التطبيع جريمة تضاف للجزائم  السابقة، فضلاً عن أن التطبيع مع إسرائيل لم يكن جزءاً من شعارات الثورة المنادية بالحرية والسلام و العدالة.

لسنا استثناءً

مصدر سياسي فضَّل حجب اسمه، يرى أن السودان أصلاً بدأ خطوات التطبيع مع إسرائيل واضعاً نصب عينيه مصالح السودان أولاً مع الحفاظ على مساندة ودعم القضية الفلسطينية التي لديه موقف ثابت منها، وأضاف: إن العداء مع إسرائيل جر السودان لأزمات متلاحقة ووضعه بجانب أسباب أخرى ضمن الدول المعزولة دولياً، ونبَّه إلى أن معظم الدول العربية لديها علاقات متكاملة مع إسرائيل، وفي ذات الوقت تدعم من منطلق علاقاتها بتل أبيب القضية الفلسطينية، ونبَّه إلى أن التوقيع على اتفاقية إبراهام الخاصة بالتطبيق مع إسرائيل أسهمت لحدٍ كبير إبان حكومة الثورة الأولى رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ورفع القيود الاقتصادية عنه، وتابع: صحيح السودان يعيش -حالياً- في حالة أشبه بالعزلة جراء انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، غير أنه لم يستبعد أن تسهم المشاركة في القمة (حال تمت الموافقة عليها)  في دفع مسار التسوية السياسية في السودان التي تجري -حالياً- المساهمة في فك الضائقة الاقتصادية عنه بعد أن أغلقت مؤسسات التمويل العالمية أبوابها في وجهه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى