عودة المتاريس!!

عادت الخرطوم مرة أخرى لليالي المتاريس وإغلاق الشوارع وتعطيل حركة السير وحرق إطارات السيارات واحتجاجات الشباب السلمية والمواجهات مع القوات الأمنية، بعد أن فجّرت لجنة التحقيق غير المنصوص عليها في اتفاق قوى الحرية والمجلس العسكري الأوضاع بالإعلان عن تقريرها الذي لم يجد الرضا والقبول من الشارع الثائر، ومن قوى الحرية والتغيير ومن عامة المواطنين حول أحداث فض الاعتصام..

اختارت لجنة التحقيق توقيتاً خاطئاً للإعلان عن تقريرها حيث يتواجد في جوبا وفد مشترك هو الأول منذ 11 أبريل للتفاوض مع حاملي السلاح من الحركة الشعبية في إشارة لتوافق الشريكين على العمل المشترك.. وقبل يوم من استئناف المفاوضات حول التعديلات الجديدة على وثيقة الاتفاق السياسي بعد المفاوضات الداخلية لقوى الحرية لإدماج ثلاثة فصائل عسكرية في الإعلان السياسي ممثلين في الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار وحركة تحرير السودان “مناوي” وحركة العدل والمساواة، في هذا المناخ “تفجر” لجنة التحقيق عبوة ناسفة للتقارب تحت أرجل الشريكين.. وتثير الشارع العام بتقرير ينسب كل أعمال العنف التي صاحبت فض الاعتصام لضباط برتبة لواء وآخرين برتب دنيا.. ومجهولين ملثمين يقول التقرير إنهم من أطلقوا الرصاص على الأبرياء في محيط القيادة العامة.

ولم تمض ساعة على صدور التقرير حتى التهب الشارع بالاحتجاجات وتعطيل حركة السير وساد الضجر والسخط وسط المواطنين على قوى الحرية والتغيير التي دفعت شبابها للشوارع لتسجيل موقفها من التقرير الذي لن يغني بأية حال عن ما اتفق عليه الشريكان بتكوين لجنة تحقيق وطنية مستقلة بعد تشكيل الحكومة الانتقالية وتعيين النائب العام من قبل قوى الحرية والتغيير لتطمئن إليه ومن ثم تمارس لجنة التحقيق أعمالها..

ولكن عودة المتاريس إلى الشوارع مرة أخرى والتظاهرات في الأحياء السكنية في هذا التوقيت يشكل عنصر ضغط هائلاً على المجلس العسكري للإسراع بالتوقيع على الوثيقة الدستورية وعلى تعديلات الاتفاق السياسي لاستيعاب القوى التي تحمل السلاح بغض النظر عن مواقف القوى السياسية خارج منظومة شركاء الفترة الانتقالية.. بيد أن الوثيقة الدستورية التي تعكف عليها حالياً لجان من الطرفين تعتبر دستوراً انتقالياً لتهيئة الملعب السياسي للتنافس الانتخابي والتوقيع عليه من غير دراسة وتمحيص دقيق من شأنه تفجير خلافات جديدة في الساحة..

من جهة أخرى، فإن إمساك قوى الحرية والتغيير بالشارع واستخدامه حتى تتحقق كامل أهدافها خلال فترة ما قبل بدء الانتقالية، لهي مغامرة غير محسوبة النتائج، فالشارع اليوم يقف مع الحرية والتغيير، ولكنه قد يرتد عليها بعد حين، ويشعر الشباب بخيبة الأمل وبؤس حصاد السنين على أعقابهم ويتمترسون وراء المتاريس والحجارة والهتافات التي لن توجه في مقبل الأيام إلا لقوى الحرية نفسها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى