محمد علي التوم من الله يكتب: العولمة وطعم الاستقلال

كلامتير

محمد علي التوم من الله

العولمة وطعم الاستقلال

كنا ونحن نتغنّى ونطرب لنشيد: (يا غريب يلا لي بلدك)، نعشق ونتعصب كثيراً لفرقنا القومية في كرة القدم الهلال والمريخ والموردة والفرق المحلية الأخرى، أما فريقنا القومي، فإن ثيرمومتر محبته وتشجيعه يصل إلى 100%.

# كان لاعبونا الأفذاذ آنذاك أمثال صديق منزول وبرعي أحمد البشير وغيرهم يتربّعون على عرش قلوب المُعجبين ولا يُبدِّلونهم بعشق لاعب أجنبي مهما بلغت مهارته.

# وكذلك الحال بالنسبة للفن والطرب، والحال أيضاً يشمل الندوات الأدبية والسياسية لكبار الأدباء والساسة، وأيضاً في مجال المسرح لكبار المسرحيين أمثال الفاضل سعيد وأبو الروس وغيرهم.

# كانت الإذاعة السودانية حينما تبث صوتها بـ(هنا أم درمان) تجد أذناً صاغية لبرامجها، خصوصاً ما يطلبه المستمعون والحقيبة …الخ.

# وحينما بث التلفزيون السوداني إرساله ظهر له أساطين وفرسان، فدك حصون السينما، والتف حوله المعجبون حتى إن مسلسلاته وسهراته أغرت كثيراً من اللصوص الذين استثمروا فرصة هيام المعجبين والمتابعين، فيتسلّلون مطمئنين ويسرقون ما يوفره ذك الهيام من المنازل والناس في شاشاتها غارقون!!

# كانت آنذاك نسبة السودانيوية في السوداني 100%.

# والسودانيوية التي نقصدها هنا هي إعجاب السوداني وانبهاره وتشجيعه لمنتوج بلاده وهو يغني: (يا غريب يلا لي بلدك).

# ورويداً رويدا أصبح الهلالاب والمريخاب من عُشّاق المُستديرة منقسمين بين ريال مدريد وبرشلونة ومانشستر يونايتد وغيرها من فرق يا غريب يلا لي بلدك!! ومولعون بفنون الفرق في الدوريين الإنجليزي والأوروبي، وسحرة المستديرة أمثال ميسي ونيمار وكريستيانو وغيرهم.

# وهفت قلوب الشباب من الجنسين للمسلسلات التركية والكورية والغربية والهندية، كما تطبع مزاج الأطفال أيضاً بكل ما ينتجه (الغريب) مثل: قامبل، ودراقنبول، هاوردينجل، الأمريكية وغيرها.

# رويداً رويدا تغلغل وجدان (الغريب) في البلدان التي اكتسحها طوفان العولمة.

# كل ذلك مقدمة لما تحمله أفكار ومؤثرات (الغريب) ومُعتقداته وعاداته التي ظننا أنه خرج، لكنه رسخها أقوى من أن تكن وهو موجود!!

# العالم حقاً اليوم قرية صغيرة.

# العولمة أغرقت الوجدان والانتماء والولاء في بحور من المعاني الجديدة.

# تجد من هو فرنسي من أصل لبناني، وأمريكي أو إنجليزي من أصل سوداني.. وهكذا دواليك.

والغربة والهجرات غيّرت وجدان الكثيرين وشكّلت عشقهم وانتماءهم.

التدفق الثقافي والفكري بعد ثورة الاتصالات والإنترنت فعل العجائب.

# لذا، فإن للاستقلال طعماً ورائحة جديدة في مطبخ العولمة.

وجديرٌ بمراكز البحوث والدراسات أن ترصد مواصفات هذا المنتج الجديد على الديباجة.

وعلى ضوء ذلك، يتوجّب على كل دولة أن تبني سياساتها في توظيف قُدرات شبابها وأطفالها بما يفترض توفره تجاه أوطانهم.

السؤال الكبير الذي يفرض نفسه: هل الانفتاح الذي يشبه الانبهال هذا أقل خطراً من الاستعمار بشكله ومفهومه القديم؟

# ما عدنا نغني: (يا غريب يلا لي بلدك) بوجداننا القديم، لأننا نعيش في بلادنا بوجدان (الغريب)!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى