منى أبوزيد تكتب : في حق السؤال..!

15فبراير2022م 

“الحُكْم نتيجة الحِكمة، والعلم نتيجة المعرفة، فمن لا حكمة له لا حُكْمَ له، ومن لا معرفة له لا علم له”.. محيي الدين بن عربي..!

إذا سألت قارئاً مهتماً بالأدب عن الدكتور “يوسف زيدان”، سيقول لك إنه روائي مصري، صدرت له عدة روايات فازت إحداها بالجائزة العالمية للرواية العربية، وإذا سألت أكاديمياً مطِّلعاً سيقول لك إنه أستاذ جامعي متخصص في التراث العربي المخطوط، وإذا سألت باحثاً متوسعاً فقد يقول لك إن الرجل صاحب أبحاث مقدرة في الفكر الإسلامي والتصوف وتاريخ الطب العربي، وإذا سألت مثقفاً مُهْتَماً بالفكر أو “مُتَّهَماً” بالفلسفة فقد يقول لك إن “يوسف زيدان” هو مفكر وفيلسوف مصري له آراء صادمة تقلب ظهر المجن لبعض ثوابت التاريخ الإسلامي..!

وإذا جرَّبت أن تسأل أي شخص محدود الاطلاع – اعتاد أن يتسكع بين الأخبار وقضايا الساعة على مواقع الإنترنت، قبل أن يُروِّح عن وجوده الافتراضي بدخول المزرعة السعيدة – فهو في الغالب قد يجيب على سؤالك بسؤال آخر على غرار: أوليس “يوسف  زيدان” هذا هو الرجل الذي قال عن صلاح الدين الأيوبي إنه “شخصية تاريخية حقيرة”..؟!

أردت بهذا الاستعراض لتلك العباءات المفترضة – التي قد يتسربل بها سؤالك المفترض عن “يوسف زيدان” – أن أثبت حضوره “المكتوب” متعدد الوجوه، ومساهماته الفكرية والأدبية عديدة الأبعاد، تمهيداً لأن أقول رأيي بشأن ردود الفعل التي تنتهجها معظم رموز عقلنا الجمعي بشأن “المتحول” من الآراء التي تتعرض لبعض “الثابت” في تاريخنا الإسلامي ..!

الكاتب المصري “يوسف زيدان” قال قبل فترة إن “صلاح الدين الأيوبي” هو واحد من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني، لأنه أحد الذين استباحوا الدماء من أجل السلطة، وإن بعض الوقائع التاريخية تُؤكِّد أنّه أحرق مكتبة القصر الكبير، لمبرر سياسي لا يزال سارياً حتى عصرنا هذا، وهو “مُحاربة الفكر الشيعي”. وقال – أيضاً – إنه قد ارتكب جريمة إنسانية عندما منع الفاطميين – الذين حكموا مصر نحو قرنين ونصف – من التناسل، عندما قام بعزل ذكورهم عن إناثهم بحيث لا يجتمعون حتى يقطع نسلهم. وإنه قد سمح لليهود بدخول القدس، بعدما كانت العهدة العمرية تمنع ذلك..!

ردود الفعل تراوحت كالمعتاد بين النقد المطلق، والاستنكار المطلق، ثم الحديث عن الإساءة لقائد إسلامي حَرّرَ القدس. وكيف أن ذلك لا يُليق أن يصدر عن باحث في التاريخ الإسلامي، وكيف أن مثل هذا الحديث يُثير الجدل ويفرق الأمة. والسؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذا المقام هو “لماذا تتضمّن الردود دائماً حديثاً عن وجوب عدم الخوض”؟. وإذا كان من يُثير الغبار حول بعض القضايا في تاريخ الإسلام يستقي معلوماته من مصادر غير دقيقة، فلماذا لا يخرج المتبحِّرون في تلك المصادر الدقيقة إلى مناظرات علنية يدحضون بها حجج المسيئين..؟!

لست أدافع – بطبيعة الحال – عن إثارة الزوابع حول التاريخ الإسلامي، ولست مؤهلة للحكم على تصريحات باحث وأكاديمي مختص. لكنني قارئة مُهتمة بالبحث عن حزمة ضوء في ذلك النفق.. بعيداً عن الهجوم المطلق والنقد المطلق. احتاج أن اقرأ ردوداً منهجية يدبجها فقهاء وعلماء تشفي غليل العامة من أمثالي..!

لذا، لا يزال سؤالي قائماً: لماذا ينكر معظم المتشددين على الصوفية تعظيم سيد الخلق أجمعين، ولا يتركون الخوض في أمر عظيم كالتوسل بشفاعته واستهلال الدعاء بصيغ معينة للصلاة عليه، بينما ينكرون الخوض في مواقف تاريخية أبطالها بعض البشر “غير المعصومين”. ولماذا يكون المنهج المُتّبع – دوماً – هو السكوت عن الكلام المباح مخافة سوء الفهم المفضي إلى التجريم، ومنعاً للشبهات وإيثاراً للسلامة ..إلخ..؟!

لماذا الإصرار على ذلك الموقف الاستباقي السائد في مجتمعاتنا العرب إسلامية – التي تؤثر البُعد عن الشر – كلما ثارت قضية من شأنها أن تزحزح شيئاً من تلك الثوابت التي يعتقد معظمنا أن حياضها مقدس، وهل هذا هو الحل؟. مجرد سؤال..!

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى