مرافعة البشير أمام المحكمة.. معركة السياسة والقانون

تعمد تبرئة رفقائه العسكريين والمدنيين

مرافعة البشير أمام المحكمة.. معركة السياسة والقانون
تقرير- صبري جبور
في أول إفادة له منذ الإطاحة به أمام القضاء، اعترف الرئيس السابق عمر البشير، بأنه يتحمّل مسؤولية انقلاب 30 يونيو 1989م، وقال: (أعلم أن الاعتراف سيّد الأدلة).. في وقت وجدت تلك الخطوة ردود فعل واسعة، ذلك للمعلومات التي سردها أمام المحكمة، لاسيما بعد إعلان تحمله كامل المسؤولية بتنفيذ الانقلاب، واعتبر البعض أن ذلك الاعتراف رفع المسؤولية عن الضباط والمدنيين في التخطيط والتنفيذ فيما اعتبر البعض الآخر أن حديث البشير لا قيمة له إذا توافرت للمحكمة أدلة دامغة.
فيما ناقضت شهادة البشير التي أدلى بها أمام المحكمة رواية الراحل الشيخ حسن الترابي، الذي تحدث خلال مقابلة لبرنامج (شاهد على العصر) كاشفاً حينها أن الانقلاب خططته الحركة الإسلامية وأن البشير لم يعلم بالأمر إلا قبل يوم من التنفيذ، حيث جيئ به من مناطق العمليات في جنوب البلاد وأن رتبته فقط هي التي جعلته يقود الانقلاب.
هذا ويخضع البشير وعدد من قيادات الحركة الإسلامية مدنيين وعسكريين و(3) من قادة المؤتمر الشعبي بتهم تقويض النظام الدستوري والانقلاب على السلطة المنتخبة حينها وهي تهمة تصل عقوبتها الإعدام في حال الإدانة وفقاً للقانون الجنائي.
تحمل مسؤولية
أقر الرئيس السابق عمر البشير اليوم (الثلاثاء)، بمسؤوليته الكاملة عن انقلاب الإنقاذ 1989م، والذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء حينها الراحل الصادق المهدي، وأنكر أي دور للمدنيين وأعضاء مجلس قيادة الثورة من العسكريين في التخطيط والتنفيذ للاستيلاء على السلطة.
وقال البشير لدى الإدلاء بأقواله أمام المحكمة التي تنظر في القضية “أقف أمام هذه المحكمة، وأقول بكل فخر وإعزاز، بأنني قائد ومفجر ثورة الإنقاذ الوطني، وأتحمل كل المسؤولية عما جرى في يونيو 1989″.
وأفاد أنه كان يتابع باستمتاع محاولات هيئة الاتهام واتيانها بمقاطع الفيديو لإثبات تورطه في الانقلاب.
وأوضح البشير في إفادته بأن كل أعضاء مجلس قيادة الثورة المتهمين في البلاغ ليس لديهم أي دور في التخطيط والتنفيذ للاستيلاء على الحكم، مرجعاً اختيارهم في كابينة القيادة حينها لتمثيل وحداتهم العسكرية وبعض الجهات.. كما نفى وجود مدنيين ساعدوا في دعم تحرُّك العسكر وتابع: (هو عمل عسكري بحت ولم نكن في حاجة للمدنيين لمساعدتنا).
حجم الخطر
وأشار البشير للأوضاع السيئة التي كان يعاني منها الجيش قبل استيلائهم على السلطة وسقوط بعض المدن في جنوب السودان في أيدي المتمردين، مبيَّناً بأن مذكرة القوات المسلحة التي قدمت للقيادة السياسية قبل وقت وجيز من سيطرتهم على الحكم كانت السقوط الحقيقي للحكومة حينها.
تخطيط وتنفيذ
كان المتحري في البلاغ قال في وقت سابق: إن مجموعتين من المدنيين لها ارتباط بالانقلاب الأولى شاركت في التخطيط والتنفيذ وتحديد ساعة الصفر وذكر منهم الراحل حسن الترابي، وعلي عثمان محمد طه، بجانب يس عمر الإمام وإبراهيم السنوسي وعوض الجاز وغيرهم، ومجموعة ثانية تتولى مسؤولية الربط بين المدنيين والعسكريين وتحديد الاجتماعات وأماكنها ويُطلق عليهم (السواقين) وتضم علي كرتي وهو متهم هارب والراحل الزبير أحمد الحسن وأحمد محمد علي الفشاشوية، ونافع علي نافع.
إدعاء بطولة
تعليقاً على إفادة البشير أمام المحكمة، قال وزير التجارة والصناعة السابق والقيادي بالحرية والتغيير، مدني عباس مدني، إنّ الرئيس المعزول عمر البشير، لم يتمالك إلاّ أنّ يكذب ويدعي ما ليس له، خلال أخذ أقواله بالمحكمة.
وأوضح مدني في تدوينة على صفحته الرسمية، أنّ البشير يدعي البطولة من رهن البلاد كلها لحمايته بعد مذكرة توقيفه من الجنائية.
وتابع: (مهما حاولت الفخر فأنت في موضع الذلّ والوضاعة، رئيس مخلوع فاسد اقتلعتك ثورة شعبية لا زالت مستمرّة وسيلحق بك كلّ من مشى أو يمشي على دربك).
تغلب موازين
في السياق قال الباحث في الشأن السياسي الطيب عبد الرحمن الفاضل لـ(الصيحة) أمس: إن مرافعة البشير أثبت أنه مفجِّر ثورة الإنقاذ الوطني، كما أثبت عجز الحكومات السابقة في إشارة بصورة واضحة لحكومة الصادق المهدي.
وأوضح الفاضل أن البشير في إفادته أمام المحكمة تحمَّل المسؤولية كاملة وبرأ القيادات وحزب المؤتمر الوطني من تهمة الانقلاب.. وأشار إلى أن البعد القانوني في الأمر أن البشير أثبت هو الذي نفذ الانقلاب، وقال: ” هذا تحدٍ كبير للقضاء، إما أن يطلقوا سراح كل المتهمين بالانقلاب أو يضعه في خانة أنه (مسيس)”.
وأبان الطيب أن المرافعة أثارت جدلاً كبيراً وسط الشعب السوداني، وتابع ” الآن بعد المرافعة (البشير) وضع القوى السياسية في البلاد أمام تحدي، بجانب يجعل تغلب كثير من الموازين السياسية.
ظهور لافت
ويرى المحلِّل السياسي محمد علي عثمان لـ(الصيحة) أمس، أن شهادة الرئيس السابق أمام قاضي انقلاب (89م) هي شهاده للتاريخ تحمَّل معها البشير على عاتقه كل تبعيات الانقلاب في الوقت الذي أعفى فيه أخوانه من القيادات العسكرية والمدنية جرم المشاركة في الانقلاب.
وقال عثمان ” يبدو أن هذا الأمر له تبعات في قادم المواعيد تتشكَّل معه وجهه واقع السياسة في السودان”، وأشار”ما وراء الغرف المغلقة في التفاوض مابين المكوِّن العسكري والجانب المدني بدأت تتكشف خيوط جديدة لوجهة ماهو قادم”، ولفت محمد علي إلى أن الملف القانوني لمحاكمات قيادات الإنقاذ يديره فريق الدفاع وفق تلك الموجهات لذلك شهادة البشير (أمس) لاتخرج من تلك السناريوهات، وأضاف “عموماً وقوف الرئيس السابق أمام المحكمة وبهذا الظهور اللافت للانتباه متوقع معه تبرئة قيادات مدنية وعسكرية .. وخروجها من السجن وأن لم يكن كل ذلك ضمن التسوية القادمة “.
امتحان عسير
ويقول المحلِّل السياسي بابكر يحيى: إن البشير تحدث بثبات واختار كلمات محسوبة فبعضها كان للمحكمة وبعضها للقوات المسلحة، وأيضاً بعضها كان للخارج الإقليمي والدولي، كذلك دعا العسكريين دعوة مبطنة لحماية البلاد من الانزلاق، وأشار إلى أن إفادة البشير بتحمُّل المسؤولية يكون بذلك وضع المحكمة أمام امتحان عسير، فأما أن تستمر في محاكتمه سياسياً أو تطلق سراح المدنيين، وتحيل البشير إلى محكمة عسكرية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى