في ذكرى 19 ديسمبر.. هل تعبر الثورة؟

في ذكرى 19 ديسمبر.. هل تعبر الثورة؟

تقرير- نجدة بشارة

قال  الثائر  (أرجنتيني الأصل) أرنيستو تشي جيفارا: “الثورة ليست تفاحة تسقط عندما تنضج، بل عليك أن تجبرها على السقوط”.

مثلما اندلعت شعلة الثورة وجذوتها في السودان بنهاية العام 2018م، في مدن عطبرة ، القضارف، الدمازين، مدني، سنار  بورتسودان، ومدن أخرى عمت أرجاء السودان وأطاحت بالنظام الديكتاتوري.. ثم أسست  لبداية عهد جديد هدف منها الحرية والسلام والعدالة تطبيقاً للشعارات التي رفعتها الثورة، لكن رغم الشعارات والتطلعات مازالت ثورة ديسمبر تمشي حافية على الأشواك.. بذات الجذوة والاتقاد.. ويتساءل متابعين على السوشال ميديا.. متى تعبِّر وتنتصر ثورة ديسمبر وتحقق أهدافها وشعاراتها؟.

تسوية إطارية ولكن!

وغدا 19 ديسمبر، تعيد الذكرى الرابعة لانطلاق الثورة المجيدة، وسط مساعٍ وتحركات لاحتواء الأزمة السياسية بين الفرقاء من قوى الثورة على خلفية توقيع الاتفاق الإطاري بين المكوِّن العسكري، وقوى الحرية والتغيير .

ولعل أﻳﺎﻡ ﻭﺗﻮﺍﺭﻳﺦ ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ ظلت ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ لدى الوجدان ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ وارتباطه بإﻋﻼﻥ ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﻳﻮﻡ 19 ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 1955ﻡ .

في المقابل أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء بأن يوم غدٍ الاثنين سوف تكون عطلة رسمية في جميع أنحاء البلاد بمناسبة ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة.

بين الأمس واليوم

وعلى الأرض ورغم سقوط نظام الرئيس المعزول البشير، إلا أن شرارة الثورة حافظت على اتقادها للعام الرابع  على التوالي، ولم تتوقف التظاهرات والوقفات الاحتجاجية والإضرابات طوال هذه الأعوام الأربعة .

الملاحظ وحسب المراقبين، أن التحديات الاقتصادية والبيئة السياسية التي كانت تخيِّم على الأجواء قبل انطلاق الثورة مازالت تسيطر على المشهد رغم التغييرات الجيوسياسية، التي صاحبت اسقاط حكومة الانقاذ السابقة، وتشكيل الحكومة الانتقالية من القوى الثورية، إضافة إلى التحديات ومجموعة العقبات، التي صاحبت فترة رئيس الوزراء السابق د. حمدوك والإرث الاقتصادي المتدهور، وعقبات أخرى تضعها الدولة العميقة وأخرى يضعها العسكر أنفسهم، بما فيها قرارات البرهان في 25 أكتوبر، السابق التي أفضت إلى حل الحكومة.

وبينما تتجه الثورة إلى عامها الرابع، مازالت تُجابه بالتحديات والصعوبات ومازال الطريق مُعبّداً بالأشواك.. ودماء الشهداء لم تتوقّف منذ سقوط أول شهيد في 19 ديسمبر 2018م، ووسط هذه التحديات هل من سبيل للتحوُّل والانتقال؟.

شعارات مستمرة

في إطار الشعارات المرفوعة في بداية الثورة، ما زالت هي ذاتها التي رُفعت قبل 4 أعوام، وهي “حرية.. سلام وعدالة”.. “مدنية خيار الشعب”، إلى جانب الشعارات المطلبية القصاص لضحايا الاحتجاجات منذ عهد البشير وهو (الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية)، وأضيفت شعارات جديدة عقب قرارات 25 أكتوبر، وهي “الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات”.

ويرى محللين أن  ذكرى الثورة السودانية 19 ديسمبر، وصورة الغضب الشعبي التي اشتعلت من عطبرة، مدينة الحديد والنار، ما زالت في أنصع حالاتها.. واختلفت هذه الاحتجاجات عن سابقاتها من حيث لا مركزية التحرُّك، إذ انطلقت من أقاليم السودان المختلفة قبل العاصمة الخرطوم، ثم عمَّت القرى والحضر. وفي هديرها المكوَّن من فئاتٍ عمرية مختلفة مزوَّدة بطاقةٍ شبابية دفَّاقة، هم على قدرٍ عالٍ من الوعي السياسي والإدراك الحقوقي، بدأت الثورة تتحوَّل من قوة الدفع الذاتي العفوي إلى تحركاتٍ تتسم بالتنسيق والتنظيم.

ورأى كثيرون أن تلقائية الثورة هي سبب قوتها، وهذا ما لم تُدركه الحكومة السابقة، فلم يفتح الله عليها بمخاطبة أسباب الأزمة وإنَّما واجهتها بالإنكار على المحتجين، وهضم حقهم في التعبير عن رأيهم المطالب بالتغيير السلمي. بل تصاعدت أصوات المسؤولين بالاستخفاف بالثوّار والتضييق عليهم والإصرار على التشبُّث بالحكم. وأمام صمودهم لجأت الحكومة إلى استخدام العنف المفرط والقتل ما أدى إلى استنفار الشعب ذوداً عن كرامته.

صُعُوبات الانتقال الديموقراطي

في إطار الانتقال الديموقراطي، وتحديات الانتقال يرى الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، المحلِّل والخبير الاستراتيجي بأن نجاح الممارسة الديموقراطية في السودان يُواجه بالكثير من التعقيدات والمشاكل، إذ أن المعضلة الأولى للانتقال تتمثل في عدم التربية الوطنية والإدراك السليم لماهية الديموقراطية وتطبيقها ممارسةً وسلوكاً من قبل جميع الأحزاب السودانية في داخلها، وعندما تتولى الحكم، وأردف: هذا النهج هو ما أدى إلى تكرار فشل التطبيق وإفساح المجال للانقلابات العسكرية عبر استخدام القوة الحَيّة للاستيلاء على السلطة، وتابع: يلاحظ وجود إقصاء بين المكوِّنات المدنية لبعضها البعض، إيلاء المصالح أهمية مقارنةً بالقضايا الوطنية الجامعة على مستوى الدولة، وهو ما نجده صورة حَيّة بالممارسة الحزبية السودانية في كل عهود الحكم الوطني، ما أدى لإنتاج منهجية أو ممارسة غير ديموقراطية بين هذه الأحزاب حتى يومنا هذا، ولعل واقع الممارسة السياسية التي يعيشها السودان الآن في صورة غير توافقية بين القوى السياسية وإقصاء ديكتاتوري بعيداً عن أي مفهوم وطني بعد ثورة ديسمبر وعدم وجود الحد الأدنى من  القبول بالرأي والرأي الآخر بين المكوِّنات السياسية ما يؤدي إلى صعوبة تحقيق الديموقراطية الراشدة في السودان، وأشار بشير إلى أنّ بعض الأحزاب التي لا تؤمن أيديولوجيتها بالنهج الديموقراطي أصلاً نجدها تتحدث الآن عن الديموقراطية خداعاً سياسياً ليس إلا، ومع كل هذا لا يمكن أن يكون للديموقراطية موطئ قدم في وطنٍ مازالت رؤى أحزابه السياسية بعيدة عن تحقيق مفهوم المواطنة وتتجاذبها العُنصرية والقبلية والجهوية والكراهية والصراع الأيديولوجي والإقصاء واتباع الأجنبي عمالةً وارتزاقاً دون اعتبار لمهددات وتحديات الأمن القومي واستهداف القوات المسلحة التي تقوم بحمايته وهو ما يؤدي بها دائماً للانقلاب على الديموقراطية مع الفشل في محاربة الفساد وتطبيق العدالة الناجزة والشفافية في كل عهود الحكم الوطني، وأوضح أن هنالك أخطاءً تمارسها الأحزاب تقودها إلى عاقبة الانقلابات التي تنتج حكماً فاسداً، وطالب المكونات المدنية بمراجعات تقوم بها القوى الحزبية لكل ماضيها السياسي حاكمةً ومعارضةً، تجاوزاً لسيئ ماضيها في الحكم، تحقيقاً لحكم ديموقراطي راشد ينقل السودان ويخرجه من جرثومة الفشل الديموقراطي والانقلابات العسكرية إلى حال الدول الناهضة والحديثة.

الطريق مُعبّدٌ بالأشواك

في الإطار، يعتقد أيوب محمد عباس، رئيس تجمع شباب السودان في حديثه لـ(الصيحة) أن التغيير الحقيقي يفترض أن يتبعه سلوك، وأردف: (الديموقراطية ليست شعارات وخُطب رنّانة)، وقال: إن حالة الاحتقان التي تسيطر حالياً على المشهد السياسي على المستويات كافة، سواءً من جانب الأحزاب الحاكمة، أو أحزاب المعارضة، تمثل أكبر تهديد للتداول السلمي للسلطة، وهو أمرٌ غير محمود، فمن المهم أن يكون الوصول إلى نظام حكم ديموقراطي مستدام هدف الجميع، وهذا لن يتحقّق إلا بإيجاد ميثاق واتفاق وطني جامع يلتف حوله الجميع، لافتاً إلى أن الفترات الانتقالية دائماً ما تكون عقباتها كثيرة، وبخاصة أنها تأتي بعد أنظمة شمولية تكون قد عاثت فساداً ودماراً يصعب إصلاحه خلال سنة أو سنتين، وأشار إلى أن الوصول إلى بر الأمان يحتاج إلى التسلح بالإرادة القوية بعيداً عن المصالح، وأن يكون استقرار الوطن هو الغاية، وهذا يستوجب من كل المكوِّنات السياسية في جانبي الحكومة والمعارضة تقديم تنازلات من أجل إنجاز مهام الفترة الانتقالية المتمثلة في معالجة الوضع الاقتصادي، وتحقيق السلام الشامل، وإيجاد سياسة خارجية متوازنة بعيداً عن المحاور، وبناء جيش قومي بقدرات وإمكانات هائلة، فضلاً عن إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، وختم قائلاً:  الطريق مُعبّدٌ بالشوك ولكن إرادة الثورة تتغلب على الأشواك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى