محاكمة العساكر.. التاريخ يعيد نفسه!

في أكتوبر 1964 وبعد (9) أيام من المظاهرات سقط خلالها أكثر من (20) شهيداً، أعلن الرئيس الفريق إبراهيم عبود (رحمه الله) حل المجلس العسكري، وطلب من ممثلي (جبهة الهيئات) القدوم لمفاوضات لتسليمهم السلطة. كان (زعيم) الثورة هو الشيخ الدكتور حسن الترابي (رحمه الله) والذي كان الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين. العسكر قدموا شرطاً واحداً للتنازل عن الحكم وهو (عدم ملاحقتهم قضائياً) أي لا تتم (محاكمة سياسية) لهم، وهو ما يعني منحهم (الحصانة) ضد محاكمتهم على القيام بالانقلاب أو مقابل الفترة التي قضوها في الحكم. وافق ممثلو جبهة الهيئات فوراً, ذلك لأن العسكر كانوا في موضع قوة. لكن الموافقة لم تكن (خالصة) من الجميع. الشيخ الترابي هو الوحيد الذي كان (صادقا) وكان ينوي الالتزام بما اتفق عليه. لكن بمجرد أن استلمت جبهة الهيئات الحكم حتى بدأ الجميع يطالبون (بمحاكمة العساكر)! هنا (زأر) الإخوان وقالوا: الله أكبر إن العهد كان مسؤولاً. وحدهم وقف الإخوان ضد الفكرة. كانوا قلة, لكنهم كانوا يمثلون (ضمير أمة) ترعى العهود. وبالفعل أبطلوا فكرة المحاكمة.

كانت أكثر الجماعات مطالبة بمحاكمة العساكر هم الشيوعيون! واليوم يقال إن أعضاء المجلس العسكري يطالبون بذات (الحصانة). ولست أدري ما الذي يجعل المجلس العسكري يقدم هذا الطلب لجماعات تضمر(الشر) له ولمؤسسته العسكرية.

المجلس العسكري الذي يمثل جيشنا العظيم الذي لم يقهر قط, والذي يمثل فخرنا وعزنا يطلب الحصانة! لماذا يطلب المجلس الحصانة في المقام الأول. المجلس العسكري الذي احتشدت له جماهير الشعب السوداني من كافة المشارب تأييداً وتفويضاً له ليتسيد المرحلة الانتقالية يطلب الحماية من صديق يوسف ومحمد يوسف؟ لقد (هانت الزلابية)! ما الذي يجبر (سيدنا الشريف) الفريق البرهان والذي (تنبأ)* له جده بحكم السودان, أن يطلب الحماية من هؤلاء؟ بل لماذا يطلب العسكر الحماية من أي أحد أصلاً؟ هل هم (متهمون) في شيء؟ أليسوا هم الذين انحازوا للثورة؟ ما الذي يجعلهم يبدون مثل (الأيتام على مائدة اللئام)؟ ولقد بان (لؤم) هؤلاء في رفضهم منح الحصانة للمجلس العسكري. أنا أقول إن الطلب نفسه (لا محل له من الاعراب) لأن العسكريين أصلاً لهم (حصانة)، وإذا اتهم أي أحد منهم بتهمة فهناك إجراءات قانونية سواء في القانون العسكري أو قانون العقوبات لرفع تلك الحصانة وتقديم العسكري المتهم للعدالة فلا توجد أصلاً (حصانة مطلقة) كما قال الفريق البرهان نفسه.

إن أعضاء المجلس العسكري لا يفوتون مناسبة دون أن (يتغزلوا) في قادة الحرية والتغيير! يصفونهم بأجمل الألقاب بينما الشيوعيون لا يفوتون مناسبة دون الإساءة للمجلس, لدرجة أن مسألة (رفض الحصانة) كانت من شعارات مظاهرات 13يوليو!

(*) حاشية: بخصوص هذه (النبوءة) ارجع إلى مقابلة البرهان مع ضياء الدين بلال ومذكرات إبراهيم منعم منصور.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى