الحقيقة الغائبة: (مدنية… مدنية) لكن كلٌ يُغنِّي على ليلاه!

سقط النظام والكل ليس مصدقأّ! النظام لم يتوقع السقوط بتلك الصورة (السهلة)، وهو الذي فشلت كل المحاولات طيلة ثلاثين عاماً من أن تهز شعرة منه. والذين أسقطوه فوجئوا بذات القدر بذلك السقوط. وبما أن النظام السابق كان (شمولياً) بالرغم من أنه بذل مجهودات كبيرة لكي يسوق نفسه كنظام ديمقراطي، إلا أن أحداً لم يصدقه، وعليه فإن الشعار الذي ساد هو تسليم السلطة (للمدنيين)! أصبح هذا الشعار (قميص عثمان) الذي بات من السهل على أي طرف أن يرفعه. كل طرف صار يصر على أنه يسعى له. المجلس العسكري يؤكد صباح مساء أنه يريد تسليم السلطة للمدنيين. قوى الحرية والتغيير تطالب بتسليم السلطة للمدنيين، حتى الإسلاميين بدوا وكأن القصة تروق لهم أملاً في أن يقود تسليم السلطة للمدنيين إلى قيام انتخابات قد يفوزون فيها أو على الأقل لا يخرجون من مولدها (بدون حمص) كما حدث لـ (حمصهم) طيلة ثلاثين عاماً! بات شعار تسليم السلطة للمدنيين مقبولاً من الجميع، لكن لا أحد سأل من هم (المدنيون) هؤلاء الذين تسلم لهم السلطة؟! هذه هى (الحقيقة الغائبة) التي لم يحاول أحد البحث عنها. بالرغم من أن الإجابة تبدو واضحة للوهلة الأولى، إلا أنها ليست كذلك، إذ لو أنها كانت كذلك لتم تسليم السلطة لهم بسهولة، وفي خلال أسبوع أو أسبوعين كما حدث في أكتوبر و(أبريل الأصل)! الجميع يتغنى بالمدنية، لكن (كل يغني على ليلاه)! ولكن أياً كان اتجاه سير الأحداث، فإن الثابت هو أن الذي تقدم للخطبة اتضح أن (سيرته الذاتية) ليست مقنعة. إنه بلا (مؤهلات) ولا خبرة. أسوأ من ذلك اتضح أنه قدم (معلومات ليست صحيحة) عن عائلته وتاريخه، وكيف ومتى رأى العروس، لم يقدم حتى (شهادة سكن)! لكن أسوأ الأسوأ حول عريس الغفلة هو أنه جاء يحمل (أحقاداً) تاريخية دفينة تتعلق بتاريخه وتاريخ أسرته (المخزي)، بمعنى أنه لم يطلب العروس عن (حب)، بل على العكس هو يكرهها ويكره أهلها وله مآرب أخرى غير الزواج وليس في وارده أن (يعف نفسه)! طالبو السلطة كلهم يخفون أسماءهم الحقيقية وأسماء (عائلاتهم) وكأنهم (يخجلون) من ذكر أسمائهم الثلاثية، وفي هذا عيب كبير و(إنة) في من أراد أن يتقدم لخطبة بلد في حجم السودان ومكانته بين الأمم، كما اتضح أن والد العروس نفسه قد تسرع في (قراءة الفاتحة)! طبعاً من السهل إنزال هذه الشخصيات (الافتراضية) على المشهد الحالي. المجلس العسكري وهو الذى قاد التغيير أخطأ في إعطاء جماعة الحرية والتغيير صفة تمثيل الحراك الشعبي. لقد كان عليه أن يفحص(أوراق اعتماد) هؤلاء بدقة قبل أن يقع في هذه (الورطة). كان عليه أن يدرك أن (شبق) الحرية والتغيير وتسرّعهم وتهافتهم للحصول على (السلطة)، كل ذلك كان وراءه (عيب ما) يخفيه  هؤلاء! المجلس يبدو أنه أدرك الخطأ(*).

خطاب البرهان الذي عدد فيه (الخطايا العشر) التي ارتكبها ناس الحرية والتغيير وتعليق المفاوضات لمدة (72) ساعة، ثم تعليقها إلى أجل غير مسمى، كل ذلك فيما يبدو محاولة من المجلس لإصلاح ذلك الخطأ. لكن إصلاح الخطأ يجب أن يكون بقدر عظم الخطأ. يجب إعادة النظر في كل الخطوات والتفاهمات مع هؤلاء الجماعة. سلوك الشيوعيين حتى الآن أثبت أن تسليمهم السلطة يشكل خطراً على الوطن. السلوكيات المشينة التي كانت تجري طيلة الأيام الماضية تحت سمع وبصر الشيوعيين و(بمباركتهم) ومحاولاتهم إقصاء الجميع والاستفراد بالسلطة وما تسرب حول نواياهم الخبيثة تجاه منظوماتنا الأمنية وسلاحنا الذي ندخره لحماية الوطن وذلك بحل الجيش وبقية الأجهزة الأمنية بمجرد سيطرتهم على مقاليد الأمور، كل ذلك وعندما يقرأ في ضوء ما حدث بعد اجتياح معسكر الرذيلة المسمى (كولومبيا) يثبت أن هؤلاء جاءوا ليس لهدم السودان، بل لهدم الأسس الأخلاقية التي قام عليها (وطن الجدود)!

إن شعار ثورتهم المزعومة ليس سلام حرية عدالة بل فجور، انحلال وهدم! هذا ما أكده الشيوعي محمد يوسف المصطفى، وهو يُبشّر (بالسودان الجديد)، ذلك الشعار الجنوبي البغيض، وهو يخطب (منتشياً) على صدى (ويا) ذلك الهتاف الجنوبي الأبغض والذي لا يوجد شيء (يرفع ضغط) المجاهدين مثله! إن قرار إيقاف التفاوض مع الحرية والتغيير وإلغاء الاتفاق معهم يعتبر تصحيحاً لذلك الخطأ التاريخي والذي كان سيقود البلاد نحو المجهول. وبما أن الشعب لا يحتمل (شهرين) آخرين بدون حكومة، فإن على المجلس أن ينفذ البند الثاني في بيانه الثالث من يونيو ويشكل حكومة كفاءات، وهم بحمد الله كثر في (كنانة) السودان.

وعليه، فإن الحديث عن مفاوضات يبدو أنه (لا محل له من الإعراب). إن الشعب السوداني يثق في حكمة ويقظة  ووعي قيادة الجيش، وعليهم أن يستثمروا هذه الثقة في اتخاذ الخطوات الكفيلة بإخراج البلاد من حالة (السيولة) الأمنية والسياسية والاجتماعية التي نعيشها، وعليهم أن يعلموا أن أي يوم يمر ونحن في هذه الحالة يقربنا خطوة من الفوضى.. فليسيروا في هذا الاتجاه وعلى بركة الله.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى