صلاح الدين عووضة يكتب: القيامة!

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

القيامة!

من يدري؟ .. غداً – بإذن الله – ستقوم القيامة..

فثمة إشارات متواترة – لا ينتبه إليها إلا العالمون – على أن موعدها الصبح..

صبح الغد؛ أليس الصبح بقريب؟..

ولك أن تصدق ذلك أو لا تصدق؛ فأنت حر..

وإن لم تصدق اليوم وأنت حر فستفعل غداً وأنت لست حراً؛ أنت “عبد”..

ولا تغضب من كلمة “عبد” هذه .. فالعبودية ذات أوجهٍ عدة..

فلدينا الآن عبيدٌ كثر… كثر… وهم لا يشعرون؛ وأشهرهم عبيد الواتساب..

وهم الذين يصدقون كل ما يُبث عبره دون تفكير..

بل يلغون عقولهم تماماً إزاء ما يُنشر في الواتس هذا إلى درجة الغباء..

أو فلنقل إلى درجة العبودية..

فالعبد هو الذي يلغي عقله لصالح ما يفكر فيه سيده بالنيابة عنه..

ولدينا أحزابٌ – الآن – ما زال لها عبيد..

ربما ليس بالعنفوان القديم ذاته إلا أنّ قدراً من عبودية زمان ما زال موجوداً..

فجيل اليوم لم يعد كجيل الغد..

إلا أن جيل اليوم هذا نفسه وقع أسيراً لشكلٍ آخر من أشكال العبودية..

حتى وإن نال بعضهم جانباً عظيماً من التعليم الأكاديمي..

وسوف أحكي لكم قِصّة واقعية..

قصة – على خلفية نكتة البشير تلك – حصلت معي… ولم يحكها لي أحد..

وكان ذلك قبل عامين… وقبل رمضان بيومين..

وأبطال هذه القصة واحدة ذات شهادة علمية رفيعة؛ وأستاذة جامعية..

والثانية واحدة من مشاهير سيدات المجتمع..

والثالثة إعلامية؛ وتعمل – في مجال الإعلام هذا – بإحدى الأجهزة النظامية..

وثلاثتهن صدقن أن رمضان غداً..

صدقن ما بثه أحدهم عبر الواتس… وهو جالسٌ – ربما – أمام ست شاي..

وربما هو عاطلٌ… لا عمل له..

وربما ذو حظٍ قليل من التعليم… ومن الضمير..

وفي الوقت ذاته على قدر كبير من الغباء؛ بدليل غباء منشوره ذاك..

فتحري رؤية الهلال لا يكون نهاراً..

بمعنى أنه لم يحن بعد أوان تحري رؤية هلال رمضان..

ثم إن الفيديو – عن قناة العربية – الذي يدعم به كذبته مضحكٌ جداً..

ففيه تظهر مذيعةٌ تُخطر الناس بخبر رمضان..

غير أن المذيعة هذه ما عادت تظهر في القناة المذكورة منذ نحو عامين..

بمعنى أنها صارت من ماضي ذكريات القناة..

ورغم ذلك فقد صدقت الدكتورة… والمشهورة… والإعلامية..

وعبثاً حاولت إرجاع عقولهن إلى رؤوسهن..

ولم يستعدن عقولهن هذه إلا عند حلول المساء؛ بعد أن شبع سارقها ضحكاً..

ونعني بسارقها ذاك الذي ربما كان بجوار ست شاي..

وربما – كما قلنا – هو جاهلٌ… وعاطل… وذو عقلٍ خامل..

ومع ذلك فقد تمكن من سرقة عقل دكتورة… ومشهورة… وإعلامية..

وهذه هي عبودية الواتساب..

أن يضحى العالم عبداً للجاهل… والذكي للغبي… وذو عقلٍ لغير ذي عقل..

وقبل يومين كان هنالك خبر حادثة بري البشعة..

تلك الحادثة التي راح ضحيتها زوجةٌ – وابناها – برصاصٍ غادر..

فبث أحدهم – كذلك – خبراً عبر الواتس..

قال إن الرصاص انطلق من سلاحٍ كاتمٍ للصوت؛ واتضح أنه يخص الأب..

فطارت عديد العقول من الرؤوس تتبع صاحب الخبر..

أو تتبع خبره دون أن تتوقف لحظةً عن المتابعة لتدقق في حيثياته..

ولو فعلت لانتبهت إلى شيءٍ مهم..

وهو أنه لا يمكن لمجرمٍ أن يترك أداة الجريمة التي تدينه في مسرح الجريمة..

سيما إن كان زوج القتيلة… ووالد الطفلين..

وهكذا تتنامى ظاهرة هرولة العقول وراء كل ما يُبث عبر الواتساب..

حتى وإن كان الذي يبث هذا بلا عقل..

وربما يبث أحد الذين بلا عقول هؤلاء مثل الخبر الذي بدأنا به كلمتنا هذه..

ربما يفعل ذلك قريباً إن استمرت الظاهرة هذه..

ظاهرة هجرة العقول إلى اللا معقول..

فنسمع حينها من يصدق وقوع حدثٍ جلل عند الصبح… أليس الصبح بقريب؟..

هو القيامة!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى