الوقوع في المصيدة (1)

مافيا العمل بلبنان.. مأساة (200) فتاة سودانية وقعن في الفخ

الضحايا: خُدعنا بوظائف ورواتب مُغرية ولكن!!

فتاة: تعرّضتُ للذل والإهانة وفكّرتُ في الانتحار

ضحية: استلموا جوازي بالمطار ومنعوني من الاتصال بأهلي

سفير السودان بلبنان: هؤلاء تخصصوا في استقطاب السودانيات عبر “الفيس بوك”

علي الصادق: الفتاة أمام خيارين إما القبول بوضعها القاسي أو اللجوء للسفارة

 

تحقيق: محيي الدين شجر

فتيات سودانيات، تحول حلمهن إلى كابوس مزعج، بعد أن وقعن (ضحايا) لعصابات تخصصت في تشغيل النساء كخادمات منازل في لبنان، تنطلق من ثلاث عواصم عربية (الخرطوم – القاهرة – بيروت)، مستغلين الحاجة المتزايدة للأسر اللبنانية لخادمات المنازل، بعد خروج الأثيوبيات من سوق العمل بلبنان بقرار من الحكومة الأثيوبية.

أكثر من 200 فتاة وسيدة سودانية، حسب حديث سفارة السودان بلبنان، أصبحن خادمات منازل لدى أسر لبنانية رغم أنفهن وسط ظروف بالغة التعقيد.

وبعد أن عرفن الحقيقة لجأن إلى السفارة يشتكين من تعرضهن لمكيدة محكمة حوّلتهن إلى خادمات منازل بدلاً عن الوظائف التي قَدِمن إليها، ومن سوء المعاملة ومن طول ساعات العمل ومن حرمانهن من حقوقهن التي تقرها قوانين العمل في العالم.

(الصيحة) أجرت تحقيقاً عن وضع الفتيات السودانيات اللاتي وجدن أنفسهن خادمات بمنازل أسر بلبنان، وتحصلت على كثير من المعلومات والتفاصيل المثيرة في هذه القضية من خلال استقصاء للحقائق بكل من السودان ولبنان وجمهورية مصر العربية.

الضحية الأولى

بترتيب مع بعض السودانيين بلبنان والخرطوم، تمكنت (الصيحة) من الوصول إلى بعض الفتيات العاملات كخدم منازل بلبنان، حيث قالت (س) بنبرات حزينة ومشاعر محطمة، إنها حاولت الهرب، لكن المخدم اتهمها بالسرقة واضطرت للقفز من الطابق الثالث من العمارة التي تعمل فيها ووصلت لسفارة السودان ببيروت بالملابس التي تلبسها وبلا مال، وأشارت إلى انها خُدِعت وظنت أنها ستعمل كمندوبة مبيعات، واضطرت للعمل كخادمة منزل بأجر ضعيف لا يصل إلى 200 دولار، وتعرضت إلى الإهانة والذلة مما دفعها للهرب رغم المخاطر الكبيرة التي واجهتها .

ذلة وإهانة

وذكرت (م) أنها قدمت للوظيفة عبر إعلان في تطبيق (الفيس بوك) عن توفر وظائف بلبنان قدمه شخص سوداني مقيم بمصر اسمه (م)، وأضافت : قدمت للوظيفة وسافرت إلى لبنان، لكنني لم أجد معاملة لائقة، ومنعت من الخروج وتم استلام وثيقة سفري، وعانيت معاناة شديدة مع الأسرة التي عملت معها، وبعد محاولات عديدة نجحت في الوصول إلى سفارة السودان ببيروت،.

ومضت تقول: أريد العودة إلى السودان، صحيح لبنان بلد جميلة وسياحية، لكن ليس بها عمل ومعاملة، بعض الأسر غير كريمة وفيها إهانة، وأوضحت أنها وجدت معاملة طيبة من أسرة السفارة بلبنان، ومن السفير، وتتم الآن معالجات لإعادتها إلى السودان.

وقدمت (م) وصية للنساء السودانيات بعدم الذهاب إلى لبنان للعمل.

البحث عن وضع أفضل

وتحدثت (ن) لـ (الصيحة)، فقالت إنها عاشت حياة قاسية في السودان، حرمت فيها من الوالد الذي قالت إنها لم تره، ومضت تقول: ربّتني أمي، وشعرت بأنني لا بد أن أقدم شيئاً لوالدتي التي تعبت كثيراً من أجلى، وبحثت كثيراً لأجد فرصة عمل خارج السودان بعد أن سُدّت السبل في وجهي هنا، ودفعتني الظروف الاقتصادية السيئة للبحث عن الهجرة، وعبر إعلان في (الفيس بوك) وجدت أن هنالك فرصاً للعمل في العلاقات العامة بلبنان، وفعلاً قدمت وجمعت كل الاموال التي ادخرتها للسفر إلى القاهرة ومنها تم تسفيري إلى بيروت، ولكني تفاجأت بأن وجدت نفسي خادمة منزل، وفي سجن كبير، وأصبت بخيبة أمل كبيرة لضغط العمل ولقلة العائد، وقررت الاحتماء بسفارة السودان بلبنان، والحمد الله تمكنوا من إعادتي للسودان.

الهروب للسفارة

وقالت (ص)، إنها خُدعت من مكتبي استقدام في السودان ومصر، وسافرت إلى لبنان على أساس العمل مندوبة مبيعات، لكنها تفاجأت بعدم وجود الوظيفة التي تعاقدت من أجلها وعليها أن تكون خادمة منزل لدى أسرة لبنانية بشروط قاسية جداً.

ورغم عدم معرفتي بعمل خادمات المنازل ارتضيت الوضع، وتحملت العمل الضاغط والأجر الضعيف والإهانة والذلة، لكنني لم أستطع التحمل وقررت الهرب إلى السفارة ووصلتها بأعجوبة.

التفكير في الانتحار

كشفت (س) لـ(الصيحة) أنها وعدد مائة فتاة جئن إلى لبنان عبر مكتب بالقاهرة، وذكرت أن للمكتب فرعين واحد بالسودان وآخر بلبنان، وأوضحت أنها اكتشفت الخدعة منذ أول يوم حينما وجدت انها جاءت للبنان للعمل كخادمة منزل بمرتب 200 دولار فقط ودون إرادتها، وذكرت أنها نجحت في الهرب من مخدمها واستقلت تاكسياً أوصلها مجاناً إلى مقر السفارة، لأنها لم تكن تعرف أي شيء عن السفارة بعد أن منعت من الاتصال.

وأضافت: عاملوني معاملة غير لائقة وحرموني من هاتفي الجوال، ومطلوب مني أن أعمل من السادسة صباحاً وحتى منتصف الليل بلا توقف، علينا أن نعمل ونعمل دون توقف كأننا آلات.

وقالت: وصلت إلى القاهرة على نفقتي الخاصة، ودفعت رسوم الفيزا والإعاشة وكنت أحلم بأن أعمل كممرضة حسب شهاداتي، لكني وجدت نفسي خادمة منزل .

وقالت: فكرت في الانتحار أكثر من مرة بعد أن انسدت كل السبل في وجهي وأسودّت الدنيا في عيني، وأضافت: استمررت في العمل لأسبوعين بمنزل الأسرة اللبنانية وكل يوم يمر كنت أفكر بالهرب إلى أن نجحت ووصلت السفارة، وقالت إنها وجدت معاملة طيبة من السفير وأسرة السفارة والذين قاموا بحل مشكلتها مع المخدم ووصلت السودان بحمد الله.

مافيا وعصابات

سفير السودان بلبنان علي الصادق تحدث لـ (الصيحة) حول ملابسات خدم المنازل السودانيات بلبنان، فقال: ثبت لنا وجود عصابات أو (مافيا) لاستقدام خادمات منازل سودانيات إلى لبنان كبديلات لخدم المنازل الأثيوبيات بعد أن أوقفت أثيوبيا عمل نسائها في مهنة خادمات المنازل.

وأوضح أن تلك العصابات تعلم مسبقاً أن القوانين السودانية تقيد سفر السودانيات للعمل كخادمات، ولهذا لجأوا للحيلة والخداع بتكليف أشخاص بالخرطوم للإعلان عن وظائف لمندوبات إعلان وممرضات ومندوبات علاقات عامة للعمل بلبنان، وأشار إلى أنهم مدوا الأجهزة المختصة بالسودان بأرقامهم ونجحت الجهات المختصة في إيقاف كثير منهم ومساعيها مستمرة في إيقافهم .

وقال إن فيزا العمل يتم إرسالها إلى مصر ويطالبون المتقدمات لوظائف بالسفر إلى القاهرة.

وأضاف قائلاً: بالاستماع لبعض السودانيات بلبنان أوضحن أنهن يسافرن إلى القاهرة على نفقتهن الخاصة ويتم استلامهن عبر مكتب آخر بالقاهرة، ومنها يتم تسفيرهن إلى لبنان.

الصدمة

وقال: حسب إفادات النساء اللاتي وصلن للسفارة: أول صدمة تقابلهن في لبنان أنه يتم استلام وثيقة سفرهن بالمطار، واستلام هاتفهن الجوال، ويعاملن منذ البداية معاملة غير كريمة بعدم منحنهن عطلة على الإطلاق والعمل يبدأ من السادسة صباحاً إلى منتصف الليل، ويمنعن من الاتصال بالسودان، ولا داخل لبنان وبعضهن ذكرن بعدم كفاية الأكل الذي يُقدّم لهن.

وأضاف: مع هذا الوضع أصبح خروج خادمات المنازل صعباً، وتكون الفتاة أمام خيارين إما القبول بوضعها القاسي أو الهروب للوصول إلى سفارة السودان بلبنان وهن لا يعرفن مكان السفارة وكيفية الوصول إليها .

مخاطرة

وقال: أول حالة وصلت السفارة بعد أن نجحت في القفز من الطابق الثالث في مخاطرة كبيرة تكشف الوضع السيئ الذي كانت تعيشه.

وأضاف بقوله: اللاتي وصلن السفارة وصلن بلا مال ولا يمتلكن ليرة واحدة وبلا جواز سفر .

مسؤولية السفارة

وحول دور السفارة تجاه الفتيات السودانيات، قال السفير علي الصادق: قطعاً السودانية التي تصل إلى مقر السفارة تكون قد هربت من مخدمها، وبالتالي خالفت عقد العمل حتى إن وقعت عليه دون أن تطلع على تفاصيله، وبالتالي نعمل على معالجة وضعها كما نعمل على أن نوفر لها إقامة وإعاشة وعلاج إذا استلزم الأمر وهي مسؤولية كبيرة تقع على السفارة دون موارد، وتتم المعالجة عبر تبرع شخصي من أفراد السفارة والجالية السودانية بلبنان .

وزاد بقوله: السفارة تتصل بالأجهزة اللبنانية المختصة وبرب العمل لتسوية المسألة معه، والحق يقال فقد تفهم ستة من أرباب الأعمال وضع السودانيات وساهموا في دفع تكاليف تسفيرهن للسودان، ولهم منا كل الشكر.

وقال: الأمن العام اللبناني تعاون معنا تعاوناً بلا حدود بقيادة اللواء عباس إبراهيم مديره العام، ونحن هنا من هذا المنبر نسجل لهم صوت شكر، فقد ظلوا متعاونين معنا في حل المشكلة، وفي مرات كثيرة يقومون بالاتصال بالمخدمين

وأضاف: من الأشياء التي تجعل المخدم يرفض الاستجابة لمساعينا في إرجاع البنات للسودان أنه يطالب بما دفعه من مبالغ لمكتب الاستقدام ومكتب الاستقدام أيضًا يتعنت لأنه يكون قد دفع لاستقدام الفتاة السودانية، وعلمنا أن مكتب الاستقدام يطالب بنحو 2000 دولار .

في الجزء الثاني من التحقيق

وزارة العمل: لا دخل لنا بقضية خادمات المنازل بلبنان

الخارجية السودانية: خاطبنا الجهات المختصة لمعرفة تفاصيل سفرهن إلى لبنان

الجالية السودانية بمصر: توجد شبكات للاتجار بالبشر وهي وراء سفر الفتيات إلى لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى