سليمان بشير: مِن مسؤول معدات لأستاذ جامعي ومُترجم للمريخ

كتب- أبو عاقلة أماسا
(1)
* كان صبياً يافعاً يركض خلف الكرات ويجمعها ويتجوّل بين اللاعبين كالفراشة في حديقة مُزهرة.. ترتشف من الرحيق وتلقح البتلات لتثمر، لم أكن أعرف عنه شيئاً وقتها، غير أنه أحد أقرباء العم أحمد سعيد، مسؤول المعدات التاريخي لنادي المريخ، ومجايل عظماء العصر الذهبي، ذلك الرجل الذي لم تتجاوزه كُل القصص والروايات الجميلة عن ذلك الزمان، كان قريبه الصبي نحيفاً يمتلك ابتسامة لا تكاد تفارق وجهه، محبوباً في مجتمع اللاعبين ومن حولهم من الإداريين وعشاق الأحمر الوهاج، ليس لأدبه اللافت، ولا لروحه المرحة والجميلة، ولا لاستعداده الدائم لخدمة الناس بلا مُقابل، ولا لإخلاصه وتفانيه وتضحياته في خدمة المريخ.
(2)
ولكن.. هذا الصبي كان يتميّز بذكاء وقّاد، وعقلية جعلته مستودع أسرار المريخ وتيرمومتر الأداء الفني والإداري.. ومرصدا مهما لأحوال الطقس المريخي، ورغم أنني كُنت مُصنّفاً في وقت ما بأنني أقرب الصحفيين قرباً للاعبين، كانت بعض التفاصيل تتفلت وتتسرّب من بين الأصابع فأستعين به لكي أجمعها وأعيد صياغتها وتوثيقها من جديد..!!
(3)
* ذلك الصبي هو (الدكتور) سليمان بشير، والذي تمّت ترقيته أمس بقرار من لجنة التسيير المريخية من عامل معدات إلى منصب (مُترجم) للجهاز الفني، وقد يستغرب الناس من عامل معدات بسيط.. يحمل لقب دكتور، وأستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة النيلين كلية الآداب..!!
(4)
* بينما كنا نحن نركز على، سليمان بشير عامل المعدات المتفاني في محراب الزعيم، والمُهذّب الذي يُثير إعجاب كل من عرفه برقي تعامله وعمق تفكيره، كان الصبي يُدير معركته الخاصة في سبيل تحقيق طموحاته وتطلُّعاته في الحياة، مُواصلاً دراسته من مرحلة إلى أخرى حتى ولج كلية الآداب جامعة النيلين ومتخصصاً في اللغة الإنجليزية، ولم يكتف بالبكالوريوس، بل واصل مُجاهداته إلى أن حَقّقَ الدرجات العلمية الرفيعة وأصبح أستاذاً للغة في جامعته..!
(5)
* في المريخ كان سليمان (مجذوباً) بعشقه الدفّاق للأحمر الوهّاج، لم يتعالَ عليه ولم يتخل عنه، وكان صديقاً مُقرّباً لكل الأجانب الذين مرُّوا على الفريق لاعبين ومدربين ومساعدين، وكانوا يستغربون في هذا الكائن الذي تفوق عقليته ووعيه القيادات، بينما هو مُجرّد عامل معدات.. كان ذلك في عهد أسماء كبيرة مرّت على شاشات التاريخ في المريخ منذ كريستو سناد وفخر الدين البوسنيين، والمرحوم صديق العمدة (الخواجة السوداني)…. وماركو البرازيلي ومروراً بأوتوفيستر وكروجر وغارزيتو وغيرهم..!!
(6)
* لم يتوقّف سليمان عن أداء واجبه تجاه عشقه المريخ عندما كان يتعرّض للظلم وتهضم حقوقه وأحياناً تتجاهله الإدارات في خضم تقلباتها وانقلاباتها حتى أصبح هو الشيء الوحيد الثابت في مُتغيِّرات وعواصف المريخ.. لذلك هو أسطورة بمقياس هذه الرواية..!!
(7)
* كنت أشبِّه وجود سليمان في المريخ بكبار العازفين في الأوركسترا… مثل محمدية والشافعي شيخ إدريس وإسماعيل عبد الجبار.. تستطيع أن تعرف هوية ومستوى الفنان قبل أن يبدأ في الغناء… كذلك كان سليمان… نستطيع من خلاله أن نعرف مستوى المدرب وبيئة الفريق ومستوى العمل الإداري ومدى تماسُك الفريق… عندما نجده مُبتسماً ومُنسجماً ومرحاً.. فذلك يعني أن الأمور تسير كما يشتهي الناس… والعكس هو الصحيح..!! سليمان يستحق أن نحتفي به، ويستحق أن يكون علامة جودة ونُموذجاً يُحتذى لكل شاب طموح ومثابر..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى