د. عبد المجيد عبد الرحمن أبو ماجدة يكتب : التسوية السياسية ومآلاتها على تعقيدات المشهد السياسي والأمني السوداني

4 نوفمبر 2022م

يبدو أنّ الأزمة السياسية في السودان وتعقيداتها ما زالت تراوح مكانها ولم تتزحزح قيد أنملة؛ أصبحت المظاهرات تأخذ زخماً كبيراً؛ وازداد معها الاحتقان السياسي والأمني في الآونة الأخيرة؛ خاصة في ولايتي غرب كردفان والنيل الأزرق؛ بحيث شهدت الولايتان أحداثا امنية وقتالاً عنيفاً داميا أُزهقت فيه مئات الأرواح خاصة في ولاية النيل الازرق؛ والتي اندلع فيها قتال قبلي واثني يرتقي الي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان في الحياة؛ صاحب ذلك ظروف امنية وإنسانية بالغة في التعقيد؛ أدت الى نزوح الآلاف من المواطنين وما زالت الآثار الامنية والانسانية مُخيمة على الاجواء في الولايتين؛ على الرُّغم من الهدوء النسبي في الأحوال الأمنية وعودة بعض النازحين الى مناطقهم ومدنهم التي هجروها.

 

فمنذ أنْ اعلن الفريق اول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الانتقالي، القائد العام لقوات الشعب المسلحة في الرابع من يوليو 2022م عن تخلي القوات المسلحة عن الحياة السياسية والابتعاد عن العمل السياسي وممارسته ؛ وأشار البرهان بأنّ للقوات المسلحة أدواراً أخرى مهمة يجب أن تقوم بها.

أعقبه نائبه الأول الفريق أول محمد حمدان دقلو القائد الأعلى لقوات الدعم السريع عند عودته من الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور الى الخرطوم وتصريحاته في كثير من المناسبات والمحافل واللقاءات بأنّ القوات المسلحة وقوات الدعم السريع انسحبتا من العمل السياسي وتركتا المجال للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتبحث عن التوافق الوطني والعمل على تكوين حكومة كفاءات تقود ما تبقى من عُمر الفترة الانتقالية.

 

في خضم هذه الأجواء المُلبّدة بالغيوم السياسية والتداعيات الأمنية الخطيرة على مجمل الأوضاع في البلاد؛ بدأت تتكشف بعض المبادرات الوطنية والإقليمية والدولية؛ وهذه المبادرات لم يمضِ عليها الوقت طويلاً لمعرفة أيهم أقرب للتوافق الوطني السوداني والحلول المنشودة ؛ حتى بدأت تظهر في الافق السياسي السوداني الحوارات واللقاءات التي ابتدرها مسؤول الأمم المتحدة للعملية السياسية في السودان فولكر بيرتس.

ففي حين غِرةً من الأمر تدخلت الأمم المتحدة ومنظمة الإيقاد والاتحاد الافريقي من جانب، وأمريكا والسعودية والإمارات من جانب آخر، وذلك من أجل تسهيل التواصل مع الاطراف السودانية لإيجاد صيغة توافقية لبدء عملية الحوار غير المباشر مع الاطراف الفاعلة في الساحة السياسية السودانية “المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير” وبعض من الجهات والواجهات الفاعلة بُغية الوصول لصيغة مُرضية للجميع تُفضي في النهاية الى تسوية سياسية شاملة لا تستثني أحداً.

وبحسب المصادر والمعلومات المتوفرة، فإنّ الحوار بين الأطراف قد قطع أشواطاً متقدمةً خاصة في القضايا الأساسية التي تتعلق بصيغة الحكم والسند القانوني المرجعي لهذا الاتفاق سيكون اللائحة الدستورية التي اجازتها نقابة المحامين وعرضتها للأطراف المعنية بعملية الحوار السياسي للتوافق الوطني في السودان.

كما يبدو انّ الحوار انتقل من خانة غير مباشر الى حوار مباشر بين الطرفين وقد اتفق الطرفان على كثير من المسائل والقضايا محل الخلاف.

ففي تصريح خاص للقيادي بالحرية والتغيير المهندس خالد يوسف عمر “سلك” في برنامج لقناة الجزيرة مباشر ذكر بأنّ وثيقة نقابة المحامين هي ستكون المرجعية الدستورية والقانونية لقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” وكل قوى الثورة الحية؛ التي تؤمن بالتغيير؛ لكنه لم يشر بأنّ هناك حواراً ثنائياً بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، وأشار الى انّ هناك حراكا يدور بين الكثير من قوى الثورة.

واستناداً لمعلومات من مصدر عليم ليس ببعيد فيما يدور في الغرف المغلقة ودهاليزها للتفاوض بين ممثلي الحرية والتغيير وممثلي المكون العسكري، تشير المعلومات الى انّ هناك نقاطاً وقضايا مهمة قد تم الاتفاق عليها وهي تعتبر مسائل غاية في الأهمية ؛ كما أشار المصدر بقوله: “لكن هناك قضايا جوهرية وأساسية لم يتم التوافق حولها وقد تشكّل العقبة الكؤود لهذه التسوية السياسية المُرتقبة التي ينتظرها الشعب السوداني بشغف”.

وهذه النقاط الجوهرية التي لم يتم الاتفاق عليها تتعلّق بمنح الحصانات للمكون العسكري فيما يتعلق بموضوع فض اعتصام القيادة العامة في العام 2019م وقتل المتظاهرين قبل وبعد 25 أكتوبر 2021م.

أما القضية الجوهرية الأخرى التي لم يتم الاتفاق حولها فهي علاقة المجلس الأعلى للدفاع بالحكومة المدنية هل يتبع المجلس الأعلى للدفاع لرئيس مجلس الوزراء أم يكون مجلساً إشرافياً مهمته الدفاع عن الأمن القومي السوداني وإعلان حالة الحرب والطوارئ وغيرها من الأمور الأمنية والعسكرية.

ورجّحت المصادر العليمة بأنّ هذا الاتفاق لم يكن ثنائياً كما هو مُشاعٌ؛ لكنه في النهاية يُعرض على كل قوى الثورة الحقيقية لإجازته والاتفاق النهائي عليه.

إنّ التسوية السياسية الشاملة والمرتقبة قد طال انتظارها. وبرأي مراقبين يقولون السبب الحقيقي لتأخير إعلانها؛ هي تلك القضايا الجوهرية المختلف حولها بين المكون العسكري ومُمثلي قوى الحرية والتغيير المتعلقة بمنح الحصانة وعدم المُساءلة القانونية والعلاقة بين المجلس الأعلى للدفاع بالحكومة أو رئيس مجلس الوزراء.

 

ولربما تصفو السماء وينتهي كدر النفوس ورهقها.

 

[email protected]

 

كاتب وباحث سوداني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى