التسرُّب المدرسي ضياع الأجيال

 

الخرطوم- أم بلة النور    18 اكتوبر 2022م

 

– مسؤول سابق : تسرب أكثر من 15 ألف تلميذ نتيجة للأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب القبول للثانوي

– مديرو مدارس: التسرُّب وصل لأكثر من (30%) وتم إغلاق مطابخ المدارس بسبب ارتفاع الخبز وعدم مقدرة التلاميذ على شراء الساندوتش

– تربويون : تغيير السلم التعليمي  السبب الرئيس  والأطراف أكثر تسرُّبًا

– باحثة اجتماعية: التسرُّب يساهم في زيادة  حلات الإدمان و”9″ طويلة

– معلمون: أولياء الأمور يغيِّبون الأطفال لعدم قدرتهم في توفير وجبة الإفطار

تعتبر ظاهرة التسرُّب المدرسي من الظواهر القديمة وأن وهي ليست وليدة اللحظة، وتعتبر فئة الأولاد هي الأكثر تسرُّباً، إلا أن هذه الظاهرة تمددت خلال الفترة الأخيرة، نتيجة لتدهور البيئة المدرسية واكتظاظ الفصول وعدم قدرت المعلم على متابعة الطفل، والرجوع إلى أهله في حالة الغياب المستمر لعدم وجود ارتباط وثيق مابين إدارة المدرسة والمنزل، فضلاً أن تدهور الأوضاع الاقتصادية وخروج كافة أفراد العائلة للعمل ومشاركة الطفل -أيضاً- في دفع تكاليف المعيشة وغيرها من الأسباب .

مشاهدات

من المشاهدات التي وقفت عليها (الصيحة) في ظاهرة تسرُّب الأطفال من المدارس هي انتقال الأسر من منازل إلى أخرى بسبب ارتفاع إيجارات العقارات، والتقت (الصيحة) بطالبة في الصف الثامن بصحبة أشقائها اثنين من البنات ولد وهم في أنظار سيارة ملاكي لتقلهم من أمبدة إلى نفق أم درمان، حيث يدرسون هناك وقالت إنهم كانوا يسكنون بمنطقة بانت انتقلوا إلى الجزء الخامس بعد أن فشلت الأسرة في دفع الإيجار بالتكلفة الجديدة، وقالت: إن شقيقها الذي يدرس بالأول متوسط يصر على العودة بمفرده وأحياناً يتأخر في طريق العودة، وأن والدها سوف يقوم بنقله إلى مدرسة قريبه من المنزل في العام القادم .

هذه من أكثر الإشكالات التي قد تواجه التلاميذ وهي الانتقال من حي إلى آخر ومن مدرسة إلى أخرى وعدم قدرته على التأقلم مع البيئة الجديدة وفقدان رغبته في إكمال تعليمه والتهرُّب من مقاعد الدراسة في ظل عدم المتابعة من قبل الأسرة والمدرسة، وبسبب ذلك الانتقال لمسافات بعيدة عن مقر المدرسة جعل هناك طلاب أصبحوا يذهبون إلى شاطئ النيل الأبيض ونهر النيل وتمضية الوقت إلى حين انتهاء اليوم الدراسي.

مسؤولية مجتمعية

بينما التقت (الصيحة) بعدد من الأطفال أعمارهم ما بين السادسة والتاسعة يتجولون داخل إحدى الأسواق الطرفية وعند سؤالنا لهم لماذا لم تذهبوا للمدرسة أجابوا (ماجابوا لينا حاجات المدرسة) ليقضوا جل وقتهم في ذلك السوق حتى منتصف النهار  ليعودوا إلى منازلهم دون أن تكترث الأسر لوضعهم وما قد يصيبهم من حالة نفسية جراء التجول في الأسواق .

وللحد من ظاهرة التغيب بسبب وجبة الإفطار درجت إدارات عدد من مدارس الأساس بدار السلام غرب سوق ليبيا  بتفتح أبواب المدارس للتلاميذ  للعودة لمنازلهم لتناول وجبة الإفطار والرجوع مرة أخرى للمدرس رغم صعوبة هذا الحل إلا أنه أفضل من الغياب التام عن الدراسة .

عدم مقدرة

كشف مدير مدرسة  العيساوية قوز الشرك أ. حميدان سليمان،  بالريف الجنوبي بأم درمان، عن تسرُّب عدد من الطلاب من المدرسة بسبب وجبة الإفطار ولعدم مقدرتهم وسوء الوضع الاقتصادي للأسر بالمنطقة، وقال: إن عدداً من الطلاب ظل يسجل غياباً وعدم الذهاب إلى المدرسة وذلك لعدم قدرتهم على الحصول على وجبة الإفطار. كاشفاً  عن إغلاق بوفيه المدرسة بعد ارتفاع أسعار الخبز وذلك لعدم تغطية نفقاته بسبب الغلاء، وأوضح أن بعض المنظمات كانت  تدعم الوجبة المدرسية لكنها توقفت،    مضيفاً أن في السابق كانت المدرسة تطعم الطلاب غير القادرين على شراء وجبة الإفطار من ميزانية المدرسة لكن لم يعد للمدرسة ميزانية ودخل بسبب الأوضاع الاقتصادية.. وكشف عن نسبة مقدَّرة وكبيرة من الطلاب ظلت تداوم على الدراسة رغم الوضع المعيشي لهم.

نسب مئوية

فيما أرجع الأستاذ محمد جمعة مدير مدرسة بشرق النيل التسرب المدرسي لعدة أسباب وهي الأوضاع الاقتصادية الطاحنة التي أدت إلى خروج الأم والأب للعمل وعدم قدرتهم على متابعة الطفل  خاصة في المناطق الطرفية، والتظاهرات المستمره  التي أثرت على الاقتصاد اليومي للمواطن  بإغلاق الأسواق والمحلات التجارية والتي  يعيش عليها الموطن في زرقه وتوفير قوت يومه، فضلاً عن العنف الناتج عن بعض المعلمين، وقال محمد جمعة: إن (50%) من التسرُّب بسبب المعلمين لعدم متابعتهم للتلاميذ والتعامل معهم بعنف إلى جانب طردهم من المدرسة بسبب الرسوم، مما يحعل الطفل يتجوَّل بين الأسواق والطرقات حتى انتهاء اليوم الدراسي والعودة للمنزل دون إخبار أولياء الأمور. وكشف عن نسبة التسرُّب الراتب بالمدارس إلى (30%) بينما بلغت نسبة التسرُّب الجزئي حوالي (20%) تقريباً بحسب متابعته لمدرسته والمدارس التي حوله والتي تربطه علاقة مع إدارتها .

تفاوت الأسعار

فيما كشف محمد جمعة، أيضاً عن ارتفاع تكلفة وجبة الإفطار وهناك تفاوت في أسعارها حسب المدرسة وإدارتها وهناك مدارس كثيرة لجأت إلى إغلاق مطبخ المدرسة بسبب ارتفاع أسعار التكلفة وانخفاض الطلب عليه من قبل التلاميذ الذي أصبح بعضهم يعيش على “الشحذة” من زملائه لسد الجوع .

غياب قسري

فيما كشف أستاذ بإحدى مدارس الأساس بمحلية أمبدة أن هناك غياباً كبيراً وسط الطلاب، بنسب عالية، أن هناك أولياء أمور لا يستطيعون إيصال التلميذ للمدرسة بسبب ارتفاع تعرفة الموصلات ووجبة الإفطار، وهذا الغياب أدى إلى تدهور التحصيل الأكاديمي في ظل عدم الاستقرار الدراسي والتشتت الذي صاحب المعلم وأولياء الأمور في المناهج الدراسية .

مناطق طرفية

فيما أوضح الموجه التربوي بمحلية كرري النور الرضي، أن هناك نسب تسرُّب عالية بمحلية كرري وتعود أيضاً للأوضاع الاقتصادية، واتفق مع سابقة في الحديث بأن تعامل المعلمين مع التلاميذ له دور كبير في عمليات تسرُّب التلاميذ لا سيما طردهم بسبب الرسوم الدراسية، وحدَّد المناطق الطرفية التي تعتبر الأكثر تنامي لهذه الظاهرة .كما أرجع تلك الظاهرة -أيضاً- لوجود أولياء الأمور خارج المنزل لتوفير لقمة العيش، فضلاً عن الخلافات الأسرية وعدم متابعة الأطفال، ويرى -أيضاً- وجود طلاب صغار مع كبار في السن يجعل الكبار يحتقرون أنفسهم ويتركون مقاعد الدراسة ويفضِّلون الوجود في الأسواق، وشدَّد على ضرورة الاهتمام بالقضية وتسليط الضوء عليها .

انعكاسات سالبة

وترى الباحثة الاجتماعية نعمات الطيب، أن تنامي ظاهرة التسرُّب المدرسي لها تاثيرات كبيرة على المجتمع، من انتشار الجهل والأمية وهما سبب أساسي في انتشار الفقر، وأضافت أن الظاهرة -أيضاً- لها دور في انتشار عمليات النهب والسلب بما يعرف “9” طويلة،  نتيجة لرفقاء السوء وانتشار عمليات إيجار الدرجات النارية “المواتر ” غير المرخصة بالأسواق والتي تعتمد عليها تلك الفئة، فضلاً عن أنها ساهمت في تنامي عمليات  التشرُّد الجزئي وإدمان” السليسون . ”

مسؤولية حكومية

وحمل مسؤول سابق بوزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم -فضَّل حجب اسمه- الحكومة مسؤولية التسرب المدرسي، بسبب ضعف الميزانيات، وعدم الاهتمام بالبيئة المدرسية، والتي غابت تماماً هذا العام، حيث ركزت الحكومة على توفير الكتاب المدرسي الذي شكَّل أزمة حقيقيه خلال العام الماضي، وأهملت بذلك البيئة المدرسية من إجلاس “وتخوت ” وغيرها من الأساسيات الضرورية، وكشف عن تسرب أكثر من (15) تلميذاً وتلميذة، نتيجة لتغيير السلم التعليمي وارتفاع نسبة القبول للثانوي، فضلاً عن تدهور الأوضاع الاقتصادية وفشل بعض الأسر من  توفير وجبة الإفطار بعيداً عن المستلزمات المدرسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى