طه يوسف…أنموذج (آخر) للظلم

حاربته حكومة الإنقاذ

طه يوسف…أنموذج (آخر)  للظلم

لم يستسلم لبطش السلطات، ووقوفها ضده في كل أعماله

ساءت ظروفه المادية، وعجز عن سداد إيجار المنزل

البشير رد عليه بقوله: (لا يوجد غبن أو ضرر يستوجب جبره)

لهذا السبب (….) اعتذرت الرعاية الاجتماعية عن تلبية الطلب للظروف المالية 

كيف جاءت توصية تعويضه بمبلغ قيمة الزيوت التي تمت مصادرتها؟

الخرطوم: أم سلمة العشا 

يمتلك طه يوسف محمد الإمام مشاريع زراعية مساحتها (2000) فدان، بمحلية أم القرى ولاية الجزيرة، وفقاً للمستندات التي تؤكد ذلك، ويعد طه من رجال الأعمال الذين يشار إليهم بالبنان، يمتلك مشاريع البطانة الزراعية، والوكيل الحصري لشركة ناشونال للزيوت… وتحصل بواسطة الشركة المانحة، على تصديق باستيراد مليون و200 ألف جالون زيت، وبموجب ذلك قام باستيراد (200) الف جالون بموجب قروض واعتمادات مالية من البنوك، وفي يونيو 1989، تسلمت حكومة الإنقاذ مقاليد السلطة، وواجه طه ظروفاً مأساوية، مارستها الحكومة معه ووضعت يدها على كل الممتلكات، ومنذ ذلك الوقت بدأت معاناة الرجل الذي تحولت حياته من رجل أعمال، يعرفه الداني والقاصي، إلى شخصية فقيرة، ظلت تتردد على المصالح الحكومية، والمكاتب الإدارية، تستجدي المسؤولين لمنحه حقوقه المسلوبة عنوة.

مصادرة بعنف

أعضاء مجلس قيادة ثورة الإنقاذ آنذاك صلاح الدين كرار، والعميد يوسف عبد الفتاح، صادروا كمية الزيوت التي كان يمتلكها طه وفقاً للتصديق الذي بمعيته، وتم توزيعها على كافة القطاعات الحكومية، والقوات النظامية. لم ينته الأمر عند هذا الحد بل تعداه لأبعد من ذلك ونفذت السلطات سحب توكيل شركة ناشونال من طه، وتم منحه إلى عبد الحميد عبد المنعم سليمان، بعد كل ما حدث مع طه والتحول المريع الذي حدث له، تعرض للتهديد من سلطات الأمن بالتصفية إذا أفصح عن موضوع سحب التوكيل منه. 

ملاحقة قضائية 

بعد أن وضعت حكومة الإنقاذ عينها تجاه محاربة رجل الأعمال طه يوسف، وجردته من كل ما يملك من أعمال، كان ينافس بها السوق، المحلي والعالمي، وجد الرجل نفسه خارج منظومة العمل التجاري مجبراً، وهو صاحب أكبر مشاريع البطانة والتي بموجبها منح مشاريع زراعية مساحتها (2000) فدان، في العام 1991، بجانب ما يمتلكه من أعمال تتعلق بتصدير اللحوم، واستيراد الزيوت… كل ذلك أصبح في مهب الريح، نتيجة المصادرة التي وجدها من قبل اللسلطات، وفقاً لقانون الطوارئ آنذاك، فالرجل  أصبح ملاحقاً قضائياً وتحول من تاجر له ثقله المالي تشهد له أرصدته في أكثر من (12) بنكاً في السودان، إلى رجل فقير، نتيجة أحكام صدرت ضده بسبب عجزه عن سداد المطالبات المالية التي كانت سبباً في فقدانه كل ما يملك.

كان طه يوسف من أكبر رجال الأعمال في السودان قبيل مجيء حكومة الإنقاذ، وبالطبع بحسب أعماله في عدة مجالات، فالرجل ظلت تلاحقه السلطات في أي عمل تجاري يلجأ للعمل فيه، وتصدت الحكومة عبر نافذيها في ذلك الوقت وأفشلت مشاريعه، وفي لمحة بصر وجد الرجل نفسه مقيداً ومكبلاً والحراسات تفتح أبوابها مشرعة له، فخسر كل ما يملك، واضطر لبيع منزله رقم (3313) الذي يأوي أسرته، بأمدرمان حي العرضة، وهو رهن الحبس، نتيجة سوء ظروفه وفتح البلاغات في مواجهته، وتم حجز المنزل الذي تقدر قيمته بأكثر من 500 مليون في عام 1996م، غير أن السلطات قامت بتقييم المنزل في العام 2006 بعد 10 أعوام بمبلغ 60 مليون جنيه، وتم بيعه في دلالة عامة بمبلغ 75 ألفاً فقط، لجأ بعدها إلى مراحل التقاضي حق الاستئناف من محاكم ام درمان، إلى المحكمة العليا، برئاسة رئيس القضاء وقتها جلال الدين محمد عثمان، الذي رفض كل الاستئنافات رفضاً باتاً، لم يتمالك طه نفسه حينما أغلقت كل الأبواب في وجهه، فقام بالإساءة لرئيس المحكمة العليا، على ضوء ذلك أدخل الحراسة.

 قد يسأل سائل هل قصدت الحكومة كل وكلاء الزيوت، أم مارست أعمالها مع الوكيل طه دون الآخرين؟ لم يكن طه الوكيل الوحيد الذي يعمل في الزيوت، بل هناك آخرون لم تمتد إليهم يد السلطة بالبطش بهم وكيل لزيوت لاما ووكيل زيوت كتلكس أبو نجمة، خرج الوكيل طه من دائرة السوق الذي كان أكبر محرك له بخبرته ودرايته وما اكتسبه من مال حلال، وأصبح يستقوي بمستندات لا تسمن ولا تغني عن جوع، فالرجل لم يخطئ ولم يرتكب جرماً في حياته حتى يجد نفسه صديقاً للحراسات التي ألفته كثيراً نتيجة تردده عليها. 

من هو طه يوسف؟

لمن لا يعرف طه يوسف محمد الإمام، فهو معلوم شرفه ومكانته في المجتمع ولا يجهله أحد ويده مبسوطة بالليل والنهار لذوي الحاجات في كل العمل الإنساني والاجتماعي في غالب بقاع السودان، فهو من المبادرين لعمل الخير، وما أنشئ أو شيد مرفق صحي أو تعليمي أو خدمي، إلا وكان له الباع الأكبر في ذلك، ويلهج لسان كثيرين بالثناء عليه، فالرجل انتهكت حقوقه وسلب ماله عنوة في وضح النهار، فلا حول له ولا قوة.

محاربة من نوع آخر

لم يستسلم طه لبطش السلطات، ووقوفها ضده في كل أعماله، غير أن العزيمة والرغبة والطموح كانت سبباً في مقاومته كل محاولة القمع والإبعاد، لرجل الأعمال في بداية محطات الإنقاذ، وترك للسلطات الجمل بما حمل، رغم العداء السافر الذي وجده، تاركاً نشاطه التجاري في مجال استيراد الزيوت، ولجأ إلى عمله التجاري المتعلق بتصدير الماشية واللحوم، وفق إجراءات رسمية، إلا أن السلطات لاحقته من جديد، وعمدت إلى إفشال عمله الذي بدأ يستعيد اسمه ضمن رجال الأعمال، ففي أول شحنة لحوم إلى الأردن تم سحب الشهادة الصحية للكمية المراد تصديرها، في مطار الخرطوم، والتي أعيدت للسودان بعد رفض السلطات الأردنية لها، لعدم وجود الشهادة الصحية، وتمت إبادتها بالكامل، وبحسب ما رواه طه يوسف لـ(الصيحة) أن المخلص سلم الشهادة الصحية لسلطات المطار، كذلك جرى الحال في مجال تصدير المواشي، وطالته يد المصادرة، بعد تجهيز 5 آلاف رأس من الضأن أوقفت السلطات تصديرها، فاضطر الرجل لبيعها بنصف القيمة لمدير شركة الرواسي الذي كان ضامناً لنجاح مشروع تصدير المشروع، بسبب ولائه السياسي، حيث تم فتح باب التصدير عقب شراء مدير الرواسي للكمية المصادرة.

شكوى رسمية 

لم يستسلم طه يوسف لكل ما حدث معه من أعمال مضادة قامت بها السلطات المعنية في تلك الفترة، وتقدم بشكوى للجهات العدلية أمله أن يجد عدلاً مما لحق به من ظلم، فطرق باب هيئة المظالم والحسبة، ولجنة العمل والإدارة والمظالم العامة بالمجلس الوطني، وبعد دراسة لكل الأوراق التي حملها الرجل وتؤكد ما لحق به من ضرر بالغ، أكدت الجهات العدلية وقوع ظلم عليه، وقامت برفع توصية بتعويضه بمبلغ قيمة الزيوت التي تمت مصادرتها، وقيمة التوكيل إضافة لمبلغ (75) مليون جبراً للضرر.

 لا يوجد غبن أو ضرر يستوجب جبره تسوية معتمدة تمت في عام 2007م، غير أنها لم تجد حظها من التنفيذ بسبب جبروت وقهر أصحاب السلطة برئاسة الجمهورية الذين صدوا كل محاولات طه في سبيل إظهار مظلمته، وبالرغم من التوصية المعتمدة بالتعويض من قبل هيئة المظالم والحسبة حيث جاءت كالآتي عملاً بأحكام المادة (10) من قانون هيئة المظالم والحسبة العامة مقروءة مع المادة (14) من نفس القانون باعتبار أن قرارات الهيئة واجبة النفاذ، وبما أن رئاسة الجمهورية لم تنفذ ما قررته هيئة المظالم والحسبة العامة بأن يعوض طه مبلغ (5) مليارات جنيه عن التوكيل المسحوب منه قهراً بجانب (200) ألف جالون زيت التي تمت مصادرتها، إلا أنه لم يتسلم أي تعويض مما ذكر. 

جرجرة مسؤولين 

ترك طه العمل لكل ما بدأه من أعمال تجارية، ولجأ للمشاريع الزراعية في مساحة (2000) فدان، بمحلية أم القرى ولاية الجزيرة، وفقاً للمستندات التي تؤكد ذلك، كان قد جمد العمل بها نتيجة انشغاله بما لحقه من أضرار بالغة تتعلق بمصادرة كل أعماله، ولم يجدد تلك المشاريع، فقرر أن يعمل في مساحته المملوكة له، ومن هنا بدأت الجرجرة، ففي العام 2015م، عمل على تجديد مشاريعه الزراعية في منطقة أم القرى ولاية الجزيرة، غير أنه تفاجأ بنزع أراضيه، فشرع في المطالبة بإعادتها، طرق أبواب المسؤولين في ولاية الجزيرة وتحديداً وزارة الزراعة، حيث أوصى مدير الإدارة الزراعية بمحلية ام القرى، بركات محمد يوسف، حسب الخارطة الإستثمارية السابقة للعام 2000 وحتى 2007م، حيث كانت المشاريع المطرية 500 فدان، لدى طه يوسف مشروع زراعي مطري، في ذلك التاريخ، وتم نزع المشروع حسب قرار لجنة الزراعة المطرية بعدم التجديد، وبالفعل تم نزع المشاريع غير المجددة لفترة عامين وتم نزعها بواسطة لجنة الزراعة المطرية، وبناء على ذلك أوصت لجنة مراجعة المشاريع الزراعية بالاطلاع والإفادة.

وبتاريخ 19/8/2015 خاطب مدير الإدارة العامة للزراعة بولاية الجزيرة الفاضل عبد المطلب عبد الكريم، مدير الزراعة بمحلية أم القرى، ووجه بتحضير مساحة (2000) فدان وتسليمها بواسطة مهندس المحلية بإحداثياتها وفق الأسس والضوابط للمشاريع الزراعية باعتبارها معالجة لتصديق قديم.

مماطلة مقصودة

لم ييأس طه يوسف من مقابلة المسؤولين، أملاً في أن يجد الاستجابة وتسليمه المساحات التي تم نزعها نتيجة عدم التجديد، فالرجل وقع عليه ظلم فادح، كان يتشبث بالوعود الكاذبة، من السلطات، فتارة يثور ويندفع، وتارة أخرى يستجدي ويسترحم ممن أقواه الزمن عليه، وإزاء كل ذلك تعرض طه للإهانة والضرب والإساءة رغم كبر سنه، وكان يتم وضعه في الحراسة بحجة إزعاج السلطات، لم يمل المسؤولين من الوعود الكاذبة وبتاريخ الرابع من يناير 2016،  خاطب مدير الزراعة والموارد الطبيعية محلية أم القرى النور إبراهيم وزير الزراعة ولاية الجزيرة يفيد بتنفبذ تسليم المشروع إلى طه حسب توجيهاته العاجلة، غير أن التوجيهات لم تجد حظها من التنفيذ ما قاد الرجل إلى اللجوء إلى وزير العدل، حيث خاطب أمين عام حكومة ولاية الجزيرة، معتصم عبد السلام عوض بتاريخ الثاني من أغسطس 2017، وزير الزراعة والثروة الحيوانية، بالإشارة لخطاب مدير مكتب وزير العدل بالرقم وع/م و/ص /64/2017م، بتاريخ 11/5/2017 الخاص بموضوع مظلمة المواطن طه يوسف محمد الإمام، وجاء التعليق على الخطاب، السيد مدير الإدارة العامة للزراعة، حسب معرفتي بموضوع السيد طه يوسف الإمام، له مشاريع مطرية منزوعة بمحلية أم القرى في مساحة (2000) فدان عليه يمكنكم مخاطبة المدير الزراعي للمحلية للمعالجة الممكنة بصورة عاجلة. 

وعود كاذبة

حسب الوعود ظل طه يتردد على مكاتب المسؤولين، عسى ولعل يجد من يعينه على تسليم المشاريع، وبالفعل أصدرت وزارة الزراعة أمر تسليم مشروع زراعي في مساحة 2 ألف فدان زراعي بالبطانة أم القرى للمواطن طه يوسف محمد الإمام جبراً للضرر حيث أنه عانى كثيراً، وبالرغم من ذلك لم يتسلم طه مساحة المشاريع، فعاود من جديد طرق أبواب المسؤولين فقصد والي الجزيرة محمد طاهر إيلا، ووفقاً لتوجيهات مدير المساحة بمحلية أم القرى أمر بتسليم طه المشروع بالمجموعة (32) بالنمرة (1) في مساحة (200) فدان حسب توجيه الوالي، وكذلك تسليم ابنه فتح الرحمن أيضًا (200) فدان، وتم تمليكهما تصاريح زراعية وذلك بتاريخ 12/9/2019، كل ذلك لم ينفذ، كان طه كلما لجأ للمسؤولين بشأن أراضيه الزراعية قابلته السلطات بالإيداع في السجون مكبلاً بالقيود، وأخرها توجيهات والي الجزيرة محمد طاهر إيلا، وأصدرت توجيهات بإدخال الرجل إلى دائرة الصحة النفسية مستشفى البروفيسور عبد العال الإدريسي، وبالفعل تم عرضه على الطبيب وجاء قرار الطبيب بأن حالة طه لا تستدعى دخوله المستشفى.

خيبة أمل 

وصل طه بقضيته إلى أعلى السلطات رئيس الجمهورية، ملتمساً منه معالجة قضيته، غير أن الرجل أصيب بالإحباط بعد تشبثه بالأمل، وجاء رد الرئيس المخلوع آنذاك عمر البشير بعد الاطلاع على الالتماس ومذكرة رئاسة الجمهورية والدراسة التي أعدت حول الموضوع قرر البشير عدم التدخل لأنه سبق وأن تم التعويض بمبلغ 75.000 مليون جنيه، وكذلك رد البشير على مذكرة هيئة المظالم والحسبة بأنه لا يوجد غبن أو ضرر يستوجب جبره، وذلك لان جميع الأحكام الصادرة في كل مراحل التقاضي كانت صحيحة، وأن إجراءات المزاد لا شائبة عليها.  

ظروف سيئة 

ساءت ظروف طه المادية، وعجز عن سداد إيجار المنزل الذي يقيم فيه، فلجأ إلى وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي يطلب العون والمساعدة فجاء رد الوزيرة بالاعتذار عن تلبية طلب طه للظروف المالية التي تمر بها الوزارة، في المقابل كانت الظروف تزداد سوءاً في كافة المناحي التي يمر بها الرجل، فقد حرم أبنه يوسف طه يوسف محمد الإمام الذي يدرس بالفصل الرابع بكلية الطب بالكلية الوطنية من دخول مباني الكلية لعدم سداد ما تبقى من رسوم دراسية. 

صبر وجلد، وعزيمة، ويقين تشبث بها طه يوسف الإمام في كل ما جابهه من معاناة، وقسوة وظلم طيلة الثلاثين عاماً الماضية، حفيت قدماه، ونفد صبره، وضاع أمله، الذي ظل ينشده في ريعان ربيعه، ومع ذلك عاوده الأمل مع بزوغ فجر جديد، وثورة هدفها البحث عن الحقوق الضائعة واسترداد ما سلب من أموال فلجأ للبحث عن ما ضاع منه أملاً في أن يتحقق في عهد جديد. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى