منى أبو زيد  تكتب : الطَبيعَة والفَراَغ..!

18 اكتوبر 2022م

“لا بُدّ من طرائق جديدة لتذليل الصِّعاب التي تعترض مسالك الحكم الرشيد في هذا البلد الذي سبق نشوء الدولة فيه نشوء الأمة”.. الكاتبة..!

(1)
الشعوب تَتَمَايز وتَتَبَاين وفقاً لموقعها من خارطة “الإرادة” التي تنقسم بدورها إلى إرادةٍ حُرّةٍ وإرادةٍ موقوفةٍ على إجازة القِوى السياسية التي تتحرّك في مساحة شعاراتها المَحدودة بعض الشعوب. لكن تفوق الإرادة الحُرّة للشعوب ظلّ على الدوام أمراً محسوماً بحتمية التّاريخ. والدليل على ذلك نجاح مُعظم الثورات التي تضرمها إرادة الشعوب من جهة، وفشل ذات الشعوب في تحقيق الاستقرار وإنجاح التحوُّل الديمقراطي بعد أن تُسلّم قيادة دفة آمالها وتطلعاتها إلى بعض القِوى السِّياسيَّة – التي تنشغل بالمُحاصصة واقتسام الغنائم عن دورها الرئيسي في تمثيل إرادة ذات الشُّعوب التي ولّتها أمرها – من جهةٍ أخرى..!

(2)
نحن نُواجه اليوم أخطر تبعات تغليب مُعظم فئات الشعب لإرادةٍ موقوفة على إجازة بعض القوى السياسية على إرادة الشعب الحُرّة المُستقلة، النائية بسِعَة وعيها الجمعي عن لؤم المُحاصصات والقعود السياسي عن الفعل، والمُستعصمة – رغم الخيبة والإحباط – بعروة ثورتها الوثقى. الطبيعة التي لا تقبل الفَراغ والتّاريخ الذي لا يتستّر على الفشل يقولان إنّ ما يظنه البعض مآلاً ما هو إلا جولةً في معركة صراع الإرادات. بعد أن يطال الإحلال والإبدال مواقف بعض فئات الشّعب المُؤمنة ببعض الكيانات السِّياسيَّة، وبعد أن يستوي الماء والحجر..!

(3)
لن يبقى هذا الشعب على تمسُّكه بجودة “الطرقة الأولى” في صاج الكسرة هذا، لأنّ نضوج بعض “الطَرَقات” تباعاً وعلى نحو أكثر تماسُكاً سوف ينقله رأساً من دائرة الانطباع الرخوة إلى مربع الإدراك الصلب القاطع. لأجل ذلك أقول إنّ استشراف مُستقبل الثورة في هذه الفترة هو الأولى، عِوضاً عن استدعاء ما حَاقَ بها. لأنّ الاستدعاء – ببساطة – يمنع التكرار، لكن الاستشراف هو الذي يصنع القرار..!

(4)
وفقاً لطبيعة المواطن السوداني العادي الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وُيبَشِّر في الأعراس ويُفاتِح في الأتراح، ويُوقر الكبير وإن كان على خطأ و”ينتهر” الصغير وإن كان على صواب، ويتبرّع بالنصح الإجباري لكل عابر سبيل. وفقاً لطبيعة ذات المواطن الذي يحمل الإرث الشفاهي لعلاقاته الاجتماعية مقداراً هائلاً من مفردات الاستبداد والاستعلاء والوصائية والمُبالغة في نقد الآخر لا لشيء إلا لأنّه آخر أو على النقيض. وفقاً لطبيعة ذات المواطن – إيّاه – يحتاج تطوير مفهوم الحكم الرشيد في هذا السودان حسّاً براغماتياً في تقييم أزمات ومطبات وعِلَلَ وأوجاع ومَزَالِق ومَهَالِك واقعه المُعاصر. وهذا يعني من الآخر أن نجتهد في “زراعة الناخب” قبل أن نشترك في صناعة الحاكم..!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى