الأمين علي حسن يكتب: رحلة في اعماق الجمال (1)

يروى أن

الأمين علي حسن

رحلة في اعماق الجمال (1)

كانت الفكرة إنتاج أفلام عن السياحة والآثار والجمال في شمال كردفان تمثّل هوية الولاية وتنوعها وتداخل حياة الرعاة والزراع.

تكونت المجموعة من المخرج المعروف بالتلفزيون القومي محمد علي مخاوي والأديب والكاتب والباحث الأستاذ إبراهيم الدلال والزميلة المذيعة يسرى فرح والمصور البارع أبوعبيدة ومهندس الصوت صديق.

حسب خطة العمل تستمر الرحلة عشرة أيام نطوف من خلالها الولاية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، نتعرّف ونكتشف ونغوص في تفاصيل الجمال والحياة البسيطة لأهلنا هنا في البادية والأرياف والقرى.

كانت البداية بجبل كردفان وهو يُطل على الأبيض من جانبها الجنوبي الشرقي، وكأنه يمثل لها خط الدفاع الأول، يُطل عبره القادمون الجُدد قبل أن تتراءى لهم صورة المدينة وتفاصيلها التي تتضح رويداً رويداً..

وبالقرب من الجبل من جانبه الغربي وجدنا بيوت البقارة ببساطتها ومنظرها الجميل تناثرت بين تلك الشجيرات الصغيرة وبالقرب منها استقر الأبالة من الشنابلة والعركيين، حيث تداخلت المشاهد والصور، فالبقارة مازالت بيوتهم تحافظ على شكلها التقليدي بيت (البروش) بشكله الدائري الصغير وبابه المفتوح جنوباً، أما بيت الأبالة أو بيت (الشعر) بفتح الشين أو (الشُقاق) جمع شُقة بضم الشين، وهو مفتوح في كل الاتجاهات لا حواجب أو حواجز فهم لا يعرفون في الحياة غير بساطتها.

وسط هذه البيوت تقع بركة كبيرة امتلأت بمياه الأمطار رسمت هي الأخرى مشهداً جمالياً بديعاً، قضينا فيها ساعات الغروب والشمس تتوارى عنا ببطء وكأنها صعبت عليها لحظات الوداع.. مِرحات من الأبقار وأخرى من الضأن تحلّقت حولها.. بنتان وجدناهما جاءتا من أجل جلب الماء تفوق أعمارهما سن العشرين سنة، وقفتا تنظران إلينا بدهشة وهما تراقبان حركة الكاميرا الطائرة (الدرون) وصيحات الخوف والاستغراب تعلو منهما كلما توجهت الكاميرا نحوهما..

وبعد أن ذهب الخوف عنهما بدأتا في السؤال: “انتو منو؟ وبتسووا في شنو؟”، حاول الأستاذ محمد علي مخاوي أن يجيبهما: “نحن التلفزيون وبنصور في الجبل والموية دي”، وبدأ يشرح لهما.. صاحت إحداهما بلهجة جميلة وبريئة: “والبت دي معاكم؟” لتتوجه إلى الزميلة يسرى فرح: “أنا دايرة أخطبك لأخوي وهو عندو بقر كتييير وكل بقرو يكون ليك وتجي تبقي معانا ونحن بنعمل ليك أي شي وما بنخليك تشتغلي”.. كان حواراً ماتعاً جميلاً. ذهبتا منا على أمل أن تلتقيا بيسرى مرة أخرى وتجدا الجواب.

لاشك أنهم في فريق أهلنا البقارة سوف يتحلّقون حول النار في ذاك المساء يتسامرون ويحكون عنا الكثير، كيف كان التصوير وكيف حلّقت الكاميرا عالياً على بعد أكثر من كيلو متر كامل.

هكذا بدت لنا الحياة في يومها الأول، تداخلت فيها المشاهد والرؤى على أن تتكامل الصور في جبل الدائر وسحره وجماله المدهش.

نواصل…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى