بعد توقيع “العسكري” و”التغيير”

التحوُّل الديمقراطي.. مُهدِّدات وعقبات في طريق الانتقالية

الخرطوم: نجدة بشارة

التّجارب أظهرت أنّ التّخلُّص من الأنظمَة الشُّمولية نِضَالٌ، فيما التأسيس لنظام سياسي مُستقرٍ ويرضي كل الأطياف كفاحٌ مُختلفٌ، بيد أنّ السودان دخل فعلياً الآن الى مرحلة التحوُّل الديمقراطي والتي ربما ستظهر لاحقاً الأكثر تَعقيداً، ولخّص تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكيّة الوَضع في السُّودان بعبارةٍ مُقتضبةٍ “ذهب البشير وبَقِي نَظامُه يُقاتل”، في إشَارَةٍ “للثّورة المُضَادَة”، التي مَا زالت وسَتظل تَبحث لها عن مَوطئ قدمٍ لها، إلى حين اكتمال أركان الحُكومة المُنتخبة، ولعلّ المجلس العسكري عبّر مُؤخّراً عن مَخَاوِفه من صُمُود الاتّفاق، ودقّ ناقوس الخطر بشأن وجود جهات تتربّص لقلب الطاولة وإجهاض اتّفاقه مع “قِوى الحُرية والتّغيير”.

وكشف رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح برهان، عن مجموعات لم يُسمِّها تُخطِّط للاستيلاء على الحكم وقلب الطاولة على “العسكري” و”قِوى الحُرية والتّغيير”، وقال إنّ هُنالك مجموعات انتماءاتها مختلفة تسعى للسيطرة على البلاد وأن لديهم معلومات مُؤكِّدة بذلك، وأضاف بأنّ التخطيط يجري الآن لذلك، وأكّد أنّ حسم تلك المُحاولات يحتاج الى دقة.

مُهدِّدات التغيير

هذه المخاوف لم تكن الأولى، إذ سبق وحذّر الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس المجلس العسكري، من وجود جهاتٍ لم يُسمِّها في مُخَطّطاتها زَعزعة الأمن، وقال: نحن لها بالمرصاد، وتوعّد “حميدتي” بالحسم لكل من تَسَوّلَ له نفسه التخطيط لإحداث تفلتاتٍ أمنيةٍ وزعزعة استقرار البِلاد، إضَافَةً إلى المُخَطِّطين الانقلابيين اللذين سَبق إجهاضهما وصاحبتهما اعتقالات لضباط ومدنيين، ومن ذلك يبرز التّساؤل عن ما هي المُهدِّدات الأمنية للاتفاق؟ وما هي الجهات التي أشار إليها العسكري بأنها تسعى للاستيلاء على الحكم وإجهاض الاتّفاق؟ ومَن يقف خَلفها؟ وهل سيتمكّن المجلس العسكري من السيطرة على هذه الجهات؟ تساؤلاتٌ كثيرةٌ نطرحها لنجيب عنها في هذا التقرير…

الدولة العميقة

ورغم أنّ المجلس العسكري فضّل الصمت ولم يكشف عن هذه الجهات للعلن في كلا الحالتين، إلا أنّ مُراقبين استلوا أصابع الاتّهام ناحية (الدولة العميقة) واعتبروها واحدةً من أكبر مُهَدِّدَات اتّفاق “المجلس العسكري” و”قِوى التّغيير” وللفترة الانتقالية ككل، إضافةً إلى مليشيات الظل.
تقول روزاليند مارسدن، الخبيرة في شؤون السُّودان بمركز “تشاتام هاوس” للأبحاث بلندن، إنّ البشير والحركة الإسلامية “بذلا جُهُوداً كبيرة لتأسيس دولة إسلامية عميقة” من خلال إنشاء قوات أمنية مُتعدِّدة ومليشيات ظِــــل، وتضيف أنهم “أسّسوا الجيش ومُؤسّسات الدولة الأُخرى، ومكّنوا المُطّلعين على أسرار النّظام من السّيطرة على القِطاعات والشّركات الرئيسية في الاقتصاد”، وتُوضِّح أنّ “هذه الدولة الإسلامية العَميقة تُشكِّل عائقاً ضخماً أمام التغيير الحقيقي”، ويتطلّب تفكيك مَليشيات الظل الإسلامية وإصلاحاً شاملاً للقطاع الأمني تحت إشراف المدنيين، وتضيف: “إن هذه العملية من المُحتمل أن تستغرق بعض الوقت، حيث أنّ تَأسيس الدّولة العَميقة تَمّ على مَــــــــــدَارِ ثلاثين عاماً”.

مليشيات مجهولة

وقال الخبير الأمني الفريق ركن عثمان بليه في حديثه لـ(الصيحة)، إنّ الثورة لم تثبت أقدامها في الأرض حتى الآن مِمّا يجعلها عُرْضَةً للكثير من المُهَدِّدات والمُتربِّصين الذين يتصيّدون الفُرص للانقضاض عليها، وقال إنّ الكشف عن نتائج التّحقيقات الجارية بشأن الجهات العَدائية المُتخفِية في أزياء عسكرية والمُتورِّطة في أحداث التاسع، والتاسع والعشرين من رمضان كان سيميط اللثام عن الكثير من الأقاويل عن مليشيات الظل أو المليشيات المَجهولة، وأشار بليه في ذات الوقت إلى وُجُود قوّات سبق وتمّ استبعادها، إضافةً لحُدُوث انقلابيْن مُضاديْن سبق وأفصح المجلس العسكري عنها سابقاً.

الفصائل المُتمرِّدة

وعَبَّرَ عَدَدٌ من الحركات المُسلّحة، حركة تحرير السُّودان جَناح عبد الواحد، (العدل والمساواة)، إضَافَةً للحركة الشعبية – شمال عَن رفضها الاتّفاق الذي تمّ التّوصُل إليه بين “المجلس العسكري” و”قِوى الحرية والتغيير” مُؤخّراً، وعدّوه “تأصيلاً لمركزية قابضة”، وأن من شأنه إقصاء الكثيرين، وأنّ الاتفاق بشكله الحالي قد يلغي اتفاقيات السلام التي أُبرمت في السّابق كمثال اتفاقية الشرق والدوحة وأبوجا وغيرها، وتوقع بليه حُدُوث مُهدِّدات أمنية جدية ما لم يكتمل الاتفاق عاجلاً ويتم تشكيل الحكومة الانتقالية.

القوى السِّياسيَّة

وحدّد المُحَلِّل السِّياسي بروف حسن الساعوري وجود أربعة احتمالات للجهات التي تَحَدّثَ عنها البرهان، وقال لـ(الصيحة) إنّ الاحتمال الأول يتمثل في الأحزاب السِّياسيَّة التي لم تدخل في المُشاورات السَّابقة بين “المجلس العسكري” و”قِوى التّغيير”، وسبق وأعلنوا عن مواقفهم الرافضة بعدم قُبُول أيِّ اتفاق ثنائي كتيار نصرة الشريعة ودولة القانون، وسبق أن نادوا بعدم إقصاء الشريعة الإسلامية أو تسليم مصير البلاد إلى فصيلٍ دُون الآخرين، وعدم العزل والإقصاء السِّياسي في البلاد، إضافةً لتجمُّع أحزاب (تنسيقية القوى الوطنية) التي أعلنت رفضها للاتفاق واعتبار ما تمّ إقصاءً لها، وأعلنت عن اجتماعها لبحث سُبُل مُواجهة الاتّفاق، ويرى أنّ الاحتمال الثاني عودة أنصار النظام السابق لواجهة الأحداث لافتعال ثورات مُضادة، ثُمّ تَحَدّث عن تحفُّظ بعض الحركات المُسلّحة على الاتفاق.

المحاور الإقليمية.

وأشار الساعوري إلى محور القوى الإقليمية بأنّ هنالك دولاً أعلنت مباركتها علناً كـ “السعودية ومصر والإمارات”، إلا أنّ تقاطُع مصالحها تُشير إلى مَخاوف من التّقاطُعات المُحتملة بين أجندتها وأجندة قوى الحرية والتغيير الرامي الى بناء نظام ديمقراطي، خَاصّةً وأنّها ثبت عدم حماس هذه الدول لقيام أنظمة ديمقراطية مُشابهة، ونَبّه إلى دول الجوار كجنوب السودان وحلفائها القدامى وقد تكون التّحالُفات مازالت بينها وبعض الحركات كالحركة الشعبية التي قد يكون من مصلحتها عدم اكتمال الاتفاق، ويقابلها ذات التداعيات في دولة ليبيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى