بعد الاتفاق

صورة تبادل العسكريين من جنود الدعم السريع المرابطين في الميادين والساحات العامة التهانئ باتفاق قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري على تشكيل الحكومة وإنهاء حالة الاحتقان والصراع، وفي صورة أخرى لجنود الدعم السريع يقدمون الحلوى للمواطنين ولبعضهم “كأن الدنيا عيد” تكشف هذه المظاهر الاحتفالية بأن العسكريين هم أسعد الناس بالوصول لاتفاق ينهي النزاع ويؤسس لمرحلة جديدة، والعسكريون من الجيش والدعم السريع والشرطة وجهاز الأمن أكثر المواطنين “شقاءً” ورهقاً وتضحية من أجل الاستقرار الأمني في البلاد.

وخلال نصف عام من الاضطرابات والتظاهرات والاحتجاجات دفعت القوات النظامية الثمن باهظاً.. فقدت أعز ما تملك من الشباب مثلما فقدت القوى المدنية مئات الشهداء.. وما كان العسكريون سعداء بالصراع السياسي بين النظام السابق ومعارضيه، ولا بين المجلس العسكري وشركائه الحاليين من قوى الحرية والتغيير.. ولكن شيطان السياسة قد وسوس للجميع.. وفقدت بلادنا فلذات أكبادها في معارك ما كان لها أن تحدث لو أحسن القادة قراءة مآلات الأوضاع بدءاً من الرئيس السابق القابع الآن في سجن كوبر. وفي لحظة كان المطلوب منه فقط إعلان نهاية جلوسه على كرسي السلطة وعدم الترشح مجدداً.. ثم أصبح مطلب الشعب أن يتنحى طوعاً وينقل السلطة إلى غيره من قادة نظامه.. وعندما رفض كل ذلك كان مصيره المعلوم الآن.

واتفاق صباح الجمعة بين المجلس العسكري والحرية والتغيير هو ذات الاتفاق “الشفاهي” الذي تم التوصل إليه بعد سقوط النظام السابق، ولكن الأطماع هي من عرقلته لمدة ثلاثة أشهر حتى دفعت الضغوط الدولية المجلس العسكري لتقديم تنازلات، وكذلك دفعت قوى الحرية والتغيير لتقديم تنازلات مقابله، وتم تأجيل قضية “المجلس التشريعي المعين” وهو استنساخ لمجلس الإنقاذ الانتقالي ولن يحظى باعتراف من الاتحاد الدولي للبرلمانات ولا الاتحاد الأفريقي ولا العربي، ولكنه “برلمان” لاستيعاب الفاقد السياسي ولتوفير لقمة العيش للسياسيين على حساب الشعب المغلوب..

الشوارع فاضت دموعها فرحاً باتفاق الشريكين وهي تردد “شعار مدنية مدنية” تتوق لغد أفضل من الحاضر.. وتتمثل أشواقها وأحلامها في رؤية وطنها معافى من الأمراض التي أقعدت بنهضته عبئاً ثقيلاً على قوى الحرية والتغيير التي آلت إليها وحدها مسؤولية إدارة شأن الدولة وهي مهمة صعبة وشاقة وتحتاج لعزيمة وصبر.

والتفاؤل الكبير.. والأحلام التي تدغدغ مشاعر الجماهير التي خرجت في الشوارع منذ 19 ديسمبر هي أكبر التحديات أمام حكومة ينتظر ميلادها في الأيام القادمة من رحم الحرية والتغيير مع مشاركة القوات النظامية في حقيبتي الدفاع والداخلية.. وأمام القوى السياسية التي لا نصيب لها في الحكم خلال الفترة الانتقالية تقديم نفسها بصورة مغايرة للمعارضات النمطية التي شهدتها البلاد بتقديم النصح والمشورة ودعم الإيجابيات والمشاركة في القضايا القومية كالسلام وصناعة الدستور وإعداد نفسها للانتخابات القادمة..

في مثل هذه الأيام “يغيب” العقل وتطغى العاطفة ولا يستحسن الحكام إلا الإطراء، ولكن أمام النخبة العسكرية والنخبة السياسية من قوى الحرية والتغيير طرق شاقة ودروب صعبة تنتظرهم بعد عبور الجسر الأول..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى