عثمان محيي الدين يكتب : خذلان الزمالة!!

6 أغسطس 2022م

أكثر من ثلاثين عاماً حسوماً هي عمري المهني في الوسط الفني بدأتها ((بخذلان)) أول وأنا عازف باتحاد الفنانين بمدينة كوستي، وقتها كنت قد تركت الدراسة (ظرفياً) واتجهت للتجارة (حرفياً) لإعانة والدي، الذي منحني رأس مال مقدر مكنني من أن أكون من أصغر الشباب الذي يتاجرون في الدقيق والردة والسجائر والسكر.. وقتها بدأت تعلم الكمنجة واجتهدت جداً في التدريب والذي قد تصل ساعاته إلى حوالي الاثنتي عشرة الى ثماني عشرة ساعة – لاحقاً – يومياً.

وتمثل الخذلان في منحي نصف أجر (عداد) بحجة أنني لا ازال اتعلم!! وكان هذا الخذلان بمثابة الدافع لكي أعود للدراسة والتحق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح.. والوسط الفني يعتبر بمثابة أنموذج مصغر للمجتمع الكبير.. تجد فيه الصالح والطالح.. وهنالك أدبيات تؤسس لشكل العلائق في داخله!! فمن المعلوم ان للزمالة حق بين الزملاء فتجد ثقافة (المجاملة) من أميز هذه الأدبيات فما ان يكون لديك مناسبة في أسرتكم أو منزلكم إلا وتداعى الزملاء بمجموعتك الموسيقية التي أنت عضو فيها او زملاؤك في المركز أو النادي أو الاتحاد الذي تنتمي اليه وشاركوك بكل أريحية وأخوية صادقة بدون مقابل، بل وأحياناً يتكفلون بقيمة الترحيل، هذا غير الذين يدفعون في (الكشف) وإلى آخره من محامد السلوك.

جرى عرف المجاملة لينتقل إلى الأصدقاء والجيران في الحي وزملاء الدراسة …الخ وفي كثير من الأحوال تكون المجاملة بتكاليف الترحيل وأجهزة الصوت (الساوند سيستم) فقط الى ان تصل أحياناً الى إقامة الحفل بنصف قيمة الأجر المعتاد للمطرب والفرقة المصاحبة له.

اتصل عليّ صديق عزيز يعمل  خارج السودان – مكلفاً لي بكل محبة وحسن ظن – في ان أقوم بالبحث عن مطرب لإحياء حفل زفاف كريمته، ولمعزته الخاصة عندي قمت بالاتصال (بزميلين) وطلبت من الأول أن يجاملني في صديقي بتخفيض اجر الحفل.. وطلب مني الفنان  بشكل رسمي جداً الاتصال بمدير أعماله (دون تقدير لعلاقتي به) والذي قام بدوره (مشكوراً) بتخفيض 3٪ من قيمة الحفل.. وحينما رجعت مرة أخرى (للمغني) طامعاً في المزيد من التخفيض كان رده حاسماً (اسف والله ما بقدر) فشكرته جداً على وقته.

اما المغني الآخر فبعد خذلان الأول، اتفق معي على مبلغ معين، وكان من المفترض أن يحول صديقي المبلغ من الخارج، ولكن حالت ظروف تجهيزاته للسفر إلى السودان ومع انشغاله من أن يقوم بتحويل العربون، وحينما تحدثت مع (المغني) قال لي إنه لا توجد مشكلة وفي أي وقت يمكنني أن ادفع.. كان هذا الأمر قبل ٩ أيام مضت.. وبالأمس القريب اتصل عليّ صديقي عقب وصوله معتذراً على التأخير وانشغاله بأداء واجبات التعازي فيمن توفي أثناء غيابه وأخبرني بأنه حول المبلغ في حسابي لدفع العربون ، وحينما اتصلت على (المغني) قال لي والله في مشكلة ويبدو انه كان لدينا حفل في نفس التوقيت وبينتهي (٣)، علماً بأن حفل زفاف ابنة صديقي يوم جمعة وبعد الصلاة والتي مفترض أن يكون توقيت الصلاة ما بين الثانية عشرة ظهراً والثانية بعد الظهر.. فأدركت بأن (المغني) المذكور (ساقني بالخلا)..

وما خرجت به أن التجربة محزنة ومخيبة للآمال ولكنها مفيدة لمعرفة معادن البعض في من تظنهم فعلاً (فنانين) والغريبة ان (المغنين) يحملون نفس الاسم ولكن يظل الفن هو الـ(سامي)!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى