السر السيد يكتب : وردة بيضاء إلى عمر الجزلي (1)

23 يوليو 2022م

تتطلب الكتابة عن الإعلامي الكبير عمر الجزلي، قدراً من التروي واستنهاض ذاكرة راديو هنا أم درمان والتلفزيون القومي، ذلك لأن الجزلي يقف على تجربة طويلة وعريضة سمتها الأساس الاستمرارية والعطاء المتنوع والعشق. فالجزلي الذي التحق بالإذاعة السودانية في العام 1967م، ظل مداوماً عليها وملتزماً بها طيلة كل هذه السنوات لا يغيب عنها إلا عابراً عبر بوابتها إلى التلفزيون القومي مجاله الحيوي الثاني. يتطلب الاحتفاء به قدراً ليس بالهين من التمتع بفضيلة الوفاء لمن قدَّموا جهدهم وزهرات شبابهم وعرقهم في سبيل مشروع آمنوا به وآدمنوا التعلق به وهو في حالة أستاذنا الإعلام ودوره، فالجزلي فعل كل هذا دون منٍّ أو أذى فقد كان من الجيل الذي يرى في الإعلام رافداً استراتيجياً من روافد الوعي وصناعة الجمال والمعرفة والتغيير.

أكتب عن الجزلي لأنه يمثِّل بعضاً من تاريخ أبناء جيلي من الإعلاميين، بل  بعضاً من تاريخي الشخصي وذاكرتي فقد دخلت إلى الإعلام، والجزلي اسم كبير وكنت التقيه في ممرات هنا أم درمان وكان دائم الحماس.

شديد الاهتمام بالآخرين وما يقدِّمونه فكثيراً ما علَّق على برنامج بثته لي الإذاعة إلا أن أكثر ما أدهشني في الجزلي هو تقاليده أو طقوسه التي يمارسها في برامجه التي يقدِّمها، فالجزلي مثلاً يأتي قبل نشرة الأخبار بنصف ساعة ويتابع تفاصيل إنتاج برامجه تفصيلة تفصيلة مع بقية أفراد فريق العمل وهو هنا من قلة حاولت أن تمنح العمل الجماعي قليلاً من الحب إذ أنه دائماً ما يأتي بالشاي والقهوة وكل ما من شأنه أن يخلق إلفة بين أعضاء فريق عمل البرنامج.

ثمة طفولة أو فلنقل قلب طفل ظلت سمة ملازمة للجزلي فهو مثلاً لا يعرف المداراة وإنما يقول ما يريد أن يقوله دون تحسب لأي نتائج وقد لمست هذا في اجتماعات اللجنة العليا بالتلفزيون القومي على أيام الراحل المرحوم الأستاذ الطيب مصطفى، فقد كان الجزلي في تلك الاجتماعات أكثرنا وضوحاً وشفافية خاصة في الدفاع عن فن الغناء.

للجزلي تجربة كبيرة وعريضة على صعيدي الراديو والتلفزيون يصعب حصرها في هذه الكتابة الاحتفائية العجولة فمن البرامج التي قدَّمها الجزلي عبر مسيرته في الراديو نذكر أن أول ما قدَّمه كانت نشرة أخبار الثانية والنصف ظهراً، وقد حكى لي أنه كان في بداياته حديث السن وحديث التجربة وأن هذا تم لأن نجم نجوم المذيعين آنذاك حمدي بولاد قد تغيَّب لسبب ما، ثم بعد ذاك قدَّم  “كلام وأنغام” مع رؤساء التحرير، “الصباح والأمل”، “عشرة وتعليم” و”قصاصات وأغنيات” وغيرها.

أما في التلفزيون فقد كان أول ما قدَّمه هو اشتراكه مع الإعلامية الرائدة رجاء أحمد جمعة في تقديم برنامج “بريد المشاهدين” ثم قدَّم بعد ذلك “الكاميرا تدور”،  “أنفاس الوجدان”،  “سفر الخلود”  و”أدباء خالدون” . ومن أشهر البرامج التي قدَّمها الجزلي برنامج “أوتار الليل” في الإذاعة القومية و”أسماء في حياتنا” في التلفزيون القومي.

أستطيع القول: لو أن الجزلي لم يقدِّم  غير برنامج “أسماء في حياتنا” لكفاه إنجازاً وعطاءً، فهذا البرنامج الذي يمكن أن يقع ضمن ما يعرف بالسيرة الشخصية أو المذكرات، يأخذ وجاهته في أنه أولاً يوثق بالصورة والصوت لمن يستضيفهم. ثانياً يبني جسراً بين الأجيال تتبادل عبره الأفكار والتجارب والمشاعر، فـ”أسماء في حياتنا” والتي سجلت أولى حلقاته في أواخر العام  1970م والتي كانت مع الإعلامي الأستاذ محمود أبو العزائم ثم توقف ليعود في العام 1974م، مستضيفاً الصحفي الشهير بشير محمد سعيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى