سفير السودان السابق لدى الاتحاد الأوربي نجيب الخير عبد الوهاب لـ(الصيحة): (2/2)

في رأيي لم يتبلور حتى الآن الجسم المدني الذي يملك القدرة على مواجهة التحديات

(التغيير) يجب ألا يُقصي أحداً فكل القوى السياسية شاركت في السلطة البائدة

وصلتُ إلى قناعة أن العمل الدبلوماسي لا يصلح أبداً في فترة التضييقات الكثيرة التي مرت على السودان

نأمل أن يتسع أفق القوى السياسية إلى التوافق حول آلية تقودنا لحكومة مدنية

لحساسية الأوضاع في السودان كل دولة جارة يتحتم عليها تقديم إسهام في تأمين الحل.

 حاوره ـ عبد الله عبد الرحيم- تصوير محمد نور محكر

نجيب الخير عبد الوهاب، هو أحد الدبلوماسيين السودانيين الذين شغلوا مناصب مهمة في حاضرنا السياسي، كما أن لهم مشاركات ومساهمات إقليمية ودولية معتبرة من خلال المنظمات الدولية التي انتسب إليها في فترة من فترات حياته العملية كمنظمة الفاو وغيرها من المنظامت الدولية. بجانب ذلك كله فقد أورثه عمله الدبلوماسي كسفير للسودان في العديد من الدول والاتحادات الإقليمية والدولية خبرات كثيرة وإلماماً باتجاهات السياسة الدولية وكيفية إدارة تلك الدول للعلاقات الدلوية التي لها من التأثيرات في المشهد السياسي الدولي الكثير.

والبلاد تمر بهذا المنعطف التاريخي المهم، كان لابد لنا في الـ(الصيحة) من الجلوس إلى الرجل لما له من خبرات دبلوماسية وسياسية كبيرة من خلال عمله في المحافل الدولية المختلفة وآخرها في الاتحاد الاوربي كسفير ممثل للسودان، كل ذلك جعلنا نسأل الرجل عن دلالات الراهن السياسي واتجاهاته في ظل المتغيرات الدولية الكثيرة والكثيفة، وما هي السيناريوهات المحتملة جراء كل تلك التدخلات، وهل سيحدد السودان خياراته الدولية والإقليمية والوطنية، أم إن تلك التعقيدات قد تعصف بمستقبله.

 هذا وغيره الكثير من الإجابات والمحاور في المساحة التالية:

_________________

*وما بال المبادرة الأفريقية؟

هي متسقة تماماً مع المبادرة الأثيوبية من ناحية تحديد الهياكل الثلاثة المجلس السيادي، ومجلس الوزراء والبرلمان، وفوق هذا وذاك التزام الطرفين بتسليم السلطة للمدنيين  في ظل التوافق على خارطة الطريق وبرنامج عمل موحد يفضي إلى صناديق الاقتراع.

*ولكن ظهور كيانات ترى أنها لابد من استصحابها في هذه المعادلة فهل هذا سيقلب الوجهة المقبلة والسيناريو القادم؟

التغيير الذي حدث في 11 أبريل هو ليس وليد هذا اليوم فعمليات التغيير قد  بدأت من يوم 1/7/ 1989م، وبدأ بشكل واضح في يوم 21 أكتوبر 1989 بصدور إعلان التجمع الوطني الديمقراطي وانخرطت فيه القوى السياسية جميعها لاستعادة الديمقراطية وإنهاء الأمر الواقع الذي نشأ في يونيو 1989م.

بعد ذلك من العام 1992 ظهرت اتفاقيات ما بين المؤتمر الوطني سلطة الأمر الواقع، والقوى السياسية بدأها الشريف زين العابدين، ومن ثم انعقد مؤتمر القضايا المصيرية في 1995 وناقش مسألة التحول الديمقراطي عبر الاتفاقيات من ثم في 1998 وقع حزب الأمة اتفاقية مع الوطني في جيبوتي، وكنا جزءاً منه، وانتقلنا من مصر وأثيوبيا وإريتريا إلى السودان للتفاوض مع الوطني وبعدها دخل في التفاوض جون قرنق في 2005 في نيفاشا، وتوصل لاتفاق مع الحكومة، وفي 2006 التجمع الديمقراطي وهو يشمل معظم القوى السياسية، ووقع اتفاقية مع الوطني، وجاء إلى السودان وحركات دارفور.. وحتى الآن الاتفاقيات التي وقعت مع المؤتمر الوطني حوالي 23 اتفاقية بدءاً باتفاقية الشريف الهندي وآخرها اتفاقية الدوحة، وجميع هذه القوى قوى تغييرية وجزء كبير منها كان في التجمع الوطني. ولذلك التغيير أمر ليس فيه إقصاء على أحد، وفيما يتعلق بربطه بتوقيع الاتفاقيات مع المؤتمر الوطني، فكل القوى السياسية وقعت مع المؤتمر الوطني حتى تجمع المهنيين الذي ينسق له أحمد يوسف المصطفى كان جزءاً من اتفاقية نيفاشا، وكان وزيراً للعمل.

*هناك من لا يعترف بهذا الإجراء ويرى أن من شارك الوطني يجب أن يذهب؟

  التغيير لا يعرف الإقصاء، والترتيبات الانتقالية لا تعرف الإقصاء، ولكن ربما يكون هناك بعض قصر نظر، إذا تحدث أي شخص عن إقصاء في الترتيبات الانتقالية، فالناس منذ الأول من يوليو كان اهتمام الجميع عن كيفية وضع النهاية لسلطة الأمر الواقع ونقل السلطة للجميع عبر ترتيبات انتقالية متماسكة ومتوحدة.

*الآن المجلس العسكري يمضي في اتجاه تكوين حكومة من الكفاءات في ظل تمسك الحرية والتغيير بأنهم هم الجهة التي يجب أن تمثل الشعب؟

العسكري مواجه بتحديات كبيرة، هناك قرارات دولية وإقليمية صدرت بضرورة تسليم السلطة للمدنيين، ولكن هذا الأمر معروف للجهات التي أصدرت هذه القرارت بأن الجسم الذي يتولى السلطة لابد أن يكون قادراً على مجابهة التحديات، ومقبولاً إقليمياً ودولياً ووطنياً، وبالتالي المجلس العسكري سيسأل عن التأخير في تسليم السلطة ولكن على القوى المدنية إبراز دليل أنها قوى متماسكة ومتوحدة وقادرة على مواجهة التحديات.

*هل تشكلت هذه القوى المدنية التي تجد القبول عالمياً ووطنياً وإقليمياً بنظرك؟

في تقديري، هنالك من يرى بأنه لم يتبلور حتى الآن الجسم المدني الذي يملك القدرة على مواجهة التحديات والالتزامات الموروثة والاتساق مع تطلعات الإقليم والأسرة الدولية حول الدور الذي يمكن أن تلعيه هذه القوى.

*إذن على القوى المدنية الانتظار طويلاً، وأن فترة العسكري ستطول قبل أن ينقل السلطة للمدنيين؟

الأمل آخر ما يموت في الإنسان، فالقلب يموت والعقل يموت، ولكن الأمل آخر ما يموت في الإنسان، وبالتالي هنالك أمل أن تتحسن القدرات المدنية وأن يتسع أفق القوى السياسية مع المجلس العسكري، ويقود العمل المشترك إلى توافق حول آلية انتقالية تستطيع أن تقودنا لحكومة مدنية معترف بها عبر صناديق الاقتراع.

*هناك تقاطعات كثيرة الآن ربما تجعل هذا الأمر من الصعوبة بمكان؟

الاتفاقيات ليس من الضرورة أن تتم عبر المفاوضات المباشرة، فالحرية والتغيير والعسكري جربا المفاوضات المباشرة ولم ينجحا، فالتفاوض المباشر يحتاج دوماً لأجسام موحدة ومتماسكة وإلى تحضير ومواقف تفاوضية.. فالحرية والتغيير يمثل أكثر من 100 حزب ونقابة ومجلس، وبالتالي هنالك الكثير من التقاطعات داخل هذا الجسم، وهذا عكس الجسم العسكري الذي يدار عبر التواحدية العسكرية، وبالتالي وحدة الرأي سهلة، فالمجلس العسكري يدار عبر التراتبية العسكرية، لذلك التوافق سهل عندهم، وهذا بالضرورة يجب أن يكون موجوداً في الجسم المدني الذي يتشكل من أجسام كبيرة كنداء السودان والإجماع الوطني والمهنيين والكتلة الاتحادية وتضم مجموعات كبيرة من الاتحاديين، وكلها مجموعات في كثير من الأحيان متنافرة بعكس المجلس العسكري.. ونأمل أن يقود العمل المشترك إلى تفاوض.

*تميل إلى التفاوض غير المباشر كيف ذلك؟

هنالك تجربة ليبيا ولبنان وسوريا وغيرها، وهذا التفاوض يتم عبر وسطاء دوليين، وهذا الأمر مفيد لأننا نتحدث عن جسمين مختلفين ومن الصعوبة أن ينجح التفاوض المباشر الذي جربناه، ويجب علينا ألا نكون أسرى منهج واحد.

*لدينا الوساطة الأثيوبية الآن؟

كل شخص الآن يدرك حساسية الأوضاع في السودان، وكل جارة يحتم عليها الأمر أن تقدم إسهاماً في تأمين الحل، ولكن الحل الأمثل يصنعه السودانيون بأنفسهم، وقد جربناه، ولكن فشلنا فيه لاختلاف الحواضن السياسية، فالمجلس العسكري لا يقيم الحرية والتغيير التقييم المناسب وتقديراً فيما يتعلق بالحواضن السياسية، وكذا الحرية والتغيير تجاه العسكري. وهو في الغالب عدم اعتراف بقدرة الآخر.

 *هناك مبادرة للاتحاد الأفريقي أيضاً؟

الاتحاد الأفريقي هو مجلس لرؤساء الدول بعكس الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة التي هي مجلس لشعوب العالم والدول التي تحتها، لذلك فالأمر كله هنا يتعلق بالمجلس العسكري، وإذا ما استطاع إقناع الاتحاد الأفريقي ونقل إليه ما يبرر تأخير انتقال السلطة للمدنيين، فإن  الأمر قد يكون تحت تقدير الاتحاد الأفريقي وقد يبرر ذلك.

الصورة الآن الهوة تتسع يوماً بعد يوم ما بين المجلس العسكري والتغيير والتقاطعات كبيرة والصورة الكبرى أن هنالك خيطاً رفيعاً جداً يفصل السودانيين عن الانتقال السلس الآمن إلى الفوضى وانفراط العقد.

*كيف ترى المخرج من هذا النفق المظلم؟

المخرج يتمثل في أن مهام الترتيبات الانتقالية بسيطة جداً تتمثل في تهيئة المناخ لصندوق الاقتراع، وأن القرار في النهاية هو قرار الشعب الذي يحدد من يختاره، بالتالي الترتيبات يجب أن تكون موجزة وأوانها غير طويل، وينبغي أن تكون موحدة ومتجانسة وقادرة على مجابهة التحديات. فكلما كانت الفترة الانتقالية مفصلة لمواجهة التحديات كانت فرص النجاح أكبر، وكلما كانت فضفاضة ومتسعة كانت فرص الفشل أكبر.

*هل السودان بحاجة لدور فعال للمجتمع الدولي؟

في غياب النجاح للتفاوض المباشر بين الأطراف السودانية وفي غياب قدرة الآليات الإقليمية في تقديم الحل فالسودان يحتاج لعون الأصدقاء والأسرة الدولية علها تعينه أن يتوافق أهل السودان على ترتيبات تمنع الانشطار وانفراط العقد.

 *تقييمك لدور الحزبين الكبيرين الأمة والاتحادي الديمقراطي حيال هذه الأزمة؟

هذان الحزبان صنعا تقرير واستقلال السودان وواجهتهما من قبل تحديات مماثلة من قبل مثل ارتباط السودان بمصر والعلاقة بين الشمال والجنوب التي طرحت قبل الاستقلال، وكان للحزبين مسؤولية كبيرة في تأمين توافق حولها في تحديد الموقف من الفيدرالية والكونفدرالية وإقناع الجنوبين في خلق قنوات توافق للاتصال.

الحزبان يمتلكان قدرات كبيرة ولهما علاقات دولية ورثاها من الاستقلال، وبالتالي عليهما مسوولية كبيرة وهما لا يرغبان في الإقصاء الذي تمارسه الحركة الإسلامية بإقصاء قد تمارسه جهات أيدوليوجية مناوئة.. فالسودان ملك للجميع وليست هناك جهة تستطيع أن تحتكر شرف العمل النضالي والحق فيه، ومن خلال ما قامت به تقوم بإقصاء الآخرين. نحن نعول على الأحزاب المؤسسة للديمقراطية في السودان، لأن السودان يمر بمخاض عسير بأن يكون أو لا يكون السودان الآمن المسالم أو الانفراط.

*ظهور الشيوعي بهذه الصورة اللافتة في المشهد السياسي ألا يحرج هذين الحزبين؟

العلاقة منذ الخمسينات مع الشيوعي لا تتغير فهي تسير على وتيرة واحدة منذ 1956 وليس هناك جديد، فالخلاف إذا كان أيدولوجياً أو قدرة على التعايش أو خلاف تقديرات للمستقبل أو آمال عراض فهو منذ القدم ليس فيه جديد.

*ما المطلوب الآن برأيك من القوى السيايسية والمجلس العسكري؟

السودان الآن يمر بمرحلة حرجة جداً من الجانب الإقليمي والوطني والدولي وأن أي تأخير في وضع ترتيبات تنفيذية سيتضرر منها الإقليم والأسرة الدولية والسودان. النظام البائد أورثنا الكثير من المشاكل وعدم الإسراع في حل هذه المشاكل سيقود للكثير من التعقيدات، لابد من الإسراع في تشكيل آلية تنفيذية وتشريعية. أعتقد أن السودان الآن يحتاج لجسم مدني متماسك حتى تنتقل إليه السلطة. والسودان يحتاج لآلية انتقالية متماسكة ومتوحدة لتغالب التحديات. أوضاع السودان والتحديات الماثلة لا تتحمل حكومة انتقالية تستمر لفترة طويلة دون تفويض شعبي ودون قبول إقليمي ودولي.

 *نجيب الخير اختفى من الساحة لماذا؟

كما تعلم كنتُ سفيراً للسودان في الاتحاد الأوربي، وعقب إدانة الاتحاد للسودان في العام 2009 الإدانة الشهيرة قطعت الحكومة علاقتها بالاتحاد الأوربي، ومن ثم جئت للسودان وأحسست بأني مجرد من الوظيفة في الخارجية فقدمت استقالتي وتفرغت لأعمالي الخاصة منذ ذاك التاريخ.

 *وفيم تعمل؟

أعمل في التجارة والحمد لله.

 *ألم تُستدعَ للعمل الدبلوماسي مجدداً عبر وزارة الخارجية؟

تمت دعوتي مراراً وكنت أذهب تلبية لبعض الدعوات ولكني أستقر بي الحال في مهنتي الخاصة.

*ولماذا ابتعدت عن الوظيفة العامة كدبلوماسي؟

في ظل تلك الفترة، لم يكن لدي استعداد أن أعاود هذا العمل مرة أخرى، لأن العمل وقتها كان صعباً بناء على التضييقات الكثيرة على السودان،  ووصلت لقناعة أن العمل الدبلوماسي لا يصلح أبداً في تلك الفترة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى