اللواء يونس محمود وحديث في ذكرى الإنقاذ لـ(الصيحة) (2-2)

هناك من تنكّر لمشروع الإنقاذ وأدار ظهره لها إلا القليل

الإنقاذ نجحت بدرجة امتياز في البداية ولكنها رسبت في النهاية

الفساد وأكل أموال الناس بالباطل عجّل بسقوط النظام

السنوات العشر الأخيرة من عمر الإنقاذ شهدت أسوأ أداء اقتصادي

الحركة الإسلامية أب روحي فقط بلا صلاحيات وبلا سلطات تنفيذية

مسألة التمكين محدودة والدولة العميقة ليست حقيقة قائمة

الحركة الإسلامية تم إقصاؤها من إدارة الحكم ولا تتحمل إخفاقات الإنقاذ

هنالك ملفات فشلت الإنقاذ في إدارتها فشلاً ذريعاً

——–

تمر ذكرى ثورة الإنقاذ الوطني التي أطاحت بفترة حكم ديمقراطي، ورغم أنّ الوقت في السودان فترة من الثورة وانحياز الجيش للثورة، ولكن تظل فترة الإنقاذ مثار أسئلة لدى الكثير من المُراقبين حولها، وإن اختلف الناس، فالإنقاذ تظل علامة فَارقة في التاريخ السوداني بحُسنها وقُبحها ومحاسنها ومساوئها ولكنها كغيرها من الثورات سيكتب عنها التاريخ.

فالسؤال الذي وجدناه ملحاً عند الناس لماذا قامت الإنقاذ بالثورة، ولماذا فشلت؟ هنالك جملة من الأسئلة التي طَرحناها على اللواء ركن يونس محمود صاحب الصوت المعروف (أيها الشعب السوداني البطل) في الإذاعة، فماذا قال:

حاوره: صلاح مختار

تصوير: محمد نور محكر

 

*ألا تعتقد أن الأزمات الاقتصادية التي شهدتها البلاد حتى الآن السبب الأساسي فيها صراع الإسلاميين والإنقاذ؟

أسباب كثيرة ساهمت في تدهور الأداء الاقتصادي كانت قاصمة الظهر بالنسبة لحكومة الإنقاذ، أولاً: الحصار الاقتصادي الأمريكي، ومنع تدفق الأموال ومنع الاستثمارات والتحويلات، بعد ذلك حدث انهيار كبير في الجهاز المصرفي، بالتالي تدهور الأداء الاقتصادي ككل، بجانب الفساد الذي استشرى في العديد من مكونات الدولة، وأكل أموال الناس بالباطل.

*ولكن يتساءل الناس عن السبب؟

ليست هناك رقابة على الأداء الاقتصادي، ولا توجد محاسبة وعقوبة أصلاً، ولذلك (من أمن العقوبة أساء الأدب)، ولذلك تجد في الفترة الأخيرة من عمر الإنقاذ السنوات العشر الأخيرة، شهدت أسوأ أداء اقتصادي وكان أداء سيئاً بشهادة الذين يقومون عليه ناهيك عن المراقبين بجانب المنتفعين، حيث ظهرت بيناته في الضعف العام وفي الأزمات المتلاحقة في توفير النقود وإبرام العقود والدقيق، وغيره، وفي النهاية أدت إلى انهيار كامل في الأداء الاقتصادي، هو الذي أفشل مشروع الغنقاذ بالدرجة الأولى، صحيح هنالك ملفات أخرى ساهمت، ولكن الملف الاقتصادي كان السبب الأساسي في تدهور الأداء العام، والذي أدى إلى انهيار الدولة.

*سياسة التمكين، هل كانت واحدة من الملفات التي أدت إلى انهيار الدولة؟

طبعاً المثالية غير موجودة لا في السودان ولا في غير السودان، الوضع المثالي النموذجي السياسي غير موجود، ولكن في عالمنا الثالث هذا هو الحال سواء في السودان أو الدول المجاورة، ومسألة التمكين نسبية، ولا تستطيع أن تقول هي السبب، وإن المسألة تمت بتصفية وجود الآخر بنسبة مائة في المائة لمصالحة الآخرين، وحتى ولو حصلت تكون بنسبة محدودة، وتستطيع أن تقول ذلك لاحقًا بعد أن اكتشفوا الاضطرابات وغيرها.

*ولكن ما هي قصة الدولة العميقة؟    

حكاية الدولة العميقة هذه ليست حقيقة قائمة، وإلا لما تم الإضراب، ولما تمت الاستجابة لما يقوله الطرف الآخر القائم الآن بالتغيير.

*هناك غرابة في شكل العلاقة بين الإنقاذ والحركة الإسلامية بينما وصلت حد المفاصلة الآن يجمع بينهما تحالف سياسي؟

للأمانة الحركة الإسلامية تم إقصاؤها تماماً من مسألة إدارة الحكم بشكلها العام، ولذلك على الناس ألا تحمل الحركة الإسلامية إخفاقات الإنقاذ، لماذا لأنها ليست لديها سلطة ولا عندها كلمة أعلى من كلمة المؤتمر الوطني، لأن المؤتمر الوطني أصبح وعاء جامعاً، وأن نسبة الإسلاميين الملتزمين فيه أقل من القليل، والسمة العامة له، هو مجموع جماهيري شعبي عام مفتوح وأن عضويته قاربت الـ(6) ملايين.

*بمعنى لا تمثل كل عضوية المؤتمر الوطني الحركة الإسلامية؟

صحيح، عضوية المؤتمر الوطني لا تمثل الحركة الإسلامية، فالحركة الإسلامية بكيانها القديم تم فصلها عن المؤتمر الوطني، فأصبح المؤتمر الوطني هو النظام الحاكم، والحركة الإسلامية هي أب روحي فقط بلا صلاحيات وبلا سلطات تنفيذية.

*ولكنها تتحمل وزر ما يجري الآن من إخفاقات؟

صحيح أنها تتحمل وزر ما حصل، لأن البعض يرى أن العمل الذي تم كان باسم الحركة الإسلامية، بالتالي هي تتحمل أوزاره كلها، وحقيقة هي تتحمل أوزاره كلها لأنها لم تحسن إدارة الملف الذي ابتدرته واستلمت السلطة، ولكن بعد ذلك تراجعت وسلمت السلطة لآخرين، وهؤلاء عاثوا في الأرض فساداً إلا القليل منهم. بالتالي يتحملون أوزار أعمالهم.

*هل تنكّر البعض للإنقاذ وأدار لها ظهره بعد أن رأوا أنها شارفت على السقوط؟

نعم، الآن الناس تنكروا تماماً لمشروع الإنقاذ، قليل من الناس الآن كانوا مشاركين في الإنقاذ الوطني بدرجات مختلفة من اللجنة الشعبية في الحي مروراً بالمجلس المحلي، مرورا بالمعتمديات الكثيرة والمجلس التشريعي والولاة والوزراء، والمجلس الوطني، والوزارات والإدارات ومفاصل العمل العام، هؤلاء كثر، ولكن نجد القليل منهم (يدق صدره) ويقول والله أتحمل وزر ما قمت به من أخطاء وأعترف بها، ولكن هناك نجاحات والعدل يقتضي أن تضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة أخرى، وبالتالي الإنقاذ ليست كلها سوء، هناك مجاهدون ومشروع أخلاقي وإنساني ومشروع إصلاحي ومشاريع تنمية لا يستطيع أحد أن ينكرها من خزانات وطرق أو جامعات أو وغيرها من مشاريع التنمية الكبيرة أحسنت في كثير من الملفات.

*ولكنها فشلت في بعض الملفات؟

صحيح، هنالك ملفات فشلت فيها فشلاً ذريعاً، وفي النهاية هي دورة حكم بأقدار الله عدت فترتها (30) عاماً في ظروف ما كان أن تتعدى ثلاث سنوات، فالتحدي الداخلي والخارجي والإقليمي والضغط والحروب والحصار والمؤامرات الداخلية والخارجية كان يمكن أن تجعل من عمر الإنقاذ أقل من عمر العصافير، لكن بإدارة الأزمات وحسن إدارتها لفترة طويلة، تمكنت أن تحكم السودان (30) سنة، بكل هذه العلل.

*ما هو أصل مشروع الإنقاذ الحضاري كما يطرح في وسائل الإعلام؟

هو مشروع إصلاح الحكم على هداية الدين مثلما قال (ابن تيمية) إصلاح حال الناس في الدنيا والآخرة في الدنيا بتحسين المعاش في التعليم وإصلاح المناهج وتأمين البلد وحراسة حدودها، وإقامة مشروعات التنمية الواسعة وتأمين الغذاء وجعل السودان دولة محترمة.

*ما هي نسبة نجاح وفشل المشروع من واقع الفترة الماضية من الحكم؟

بعد ثلاثين عاماً هو مشروع إنساني محاط بكثير من الأطماع الداخلية والخارجية، إضافة إلى أطماع شخصية ومناوشات طويلة الأمد، وصراع مع الحركات المسلحة في عدد من الولايات، مع فصل جنوب السودان، مع النتائج الكارثية التي حدثت على مستوى الاقتصاد، والتي رافقها الحصار الاقتصادي طويل المدى، بالتالي عندما تجمع كل تلك الأرقام وتضعها في المعادلة نجد أن المشروع نجح بدرجة مقبول، وفي البداية كان بامتياز، ولكن بعد ذلك تدنت درجاتها إلى أن وصلت مرحلة الرسوب، لأنه عندما يثور الشعب عليك ويحس أنك ضيقت عليه في معاشه وأرزاقه وحرياته ومقدرته على الحركة والعمل والإنتاج وغيرها، وصلنا درجة أن منظومة الاقتصاد معطوبة، لا إنتاج ولا حصائل صادر واختلال المنظومة، مما أفضى لإرباك حركة الدولة في أيامها الأخيرة، وكانت مؤشراتها واضحة لكل ذي بصيرة أن الإنقاذ باتت على حافة السقوط.

*ما هي مؤشرات سقوط  حكم الإنقاذ؟

أولاً أنها ضخمت الأداء الإداري بشكل كبير، وكونت كتلة إدارية جبارة جداً أنفقت عليها إنفاقاً كبيراً أكبر من قدرة الدولة، والعديد من الناس نصحوا الرئيس وقالوا له: الترهل الإداري الكبير والمجموعات السياسية وكلفة العمل أكبر من طاقة البلد، وأصبحت خزينة الدولة موجهة كلها للإنفاق الخاص على الحكام والولاة والوزراء، إضافة إلى النثريات والسفريات، كلها أدت إلى إفقار الناس والدولة، ولذلك ظهرت مجموعات من المنتفعين، كلها أفضت إلى التعجيل بسقوط الإنقاذ، ولو اختار الرئيس الشعب وغلب مصلحته على مصالح المنتفعين ما كان سيحصل له مثلما حصل له الآن وسقطت الدولة وهو مرمي في السجن.

*ما سر تراجع الإنقاذ عن الاحتفال بذكرى الثورة هل هروب من ماضيها أم تنكر لصورتها؟

هو تراجع من قديم منذ التوقيع على اتفاقية نيفاشا لم تحتفل الإنقاذ بذكراها، وعندما تستحي أو ليس لديك القدرة أن تعتد بتاريخك وتراجعت عنه، لذلك الآخرون أولى بالتراجع. إذا كانت رمزية الإنقاذ وذكراها ومفجرها رفضت أن تحتفل وتركت ذكراها تمر دون احتفائية معناها سقطت عملياً، وبالتالي إذا سقطت في نظرك وكنت غير حريص على إحياء ذكراها بالتالي عند الناس أهون.

*هل لجأت الإنقاذ لقوة السلاح لتنفيذ بعض أجنداتها؟

أبداً في نظري تم رفع السلاح فقط في وجه الأعداء أو المعتدين سواء كانت حركة قرنق، ولا أحد يزايد في هذا الأمر، إلى أن تمت تسوية الأمر سياسياً بموجبه انفصل الجنوب بعد ذلك، ورثت حركات دارفور نفس منهج قرنق في المقاتلة تمت مكافحتها بأعمال القوات المسلحة والدعم السريع وتم إبطال مفعولها وتجريدها ميدانياً، وأصبحت غير ذات أثر مباشر، إلى أن اطاحت الثورة الجديدة بالإنقاذ.

*الإنقاذ تتحمل مسؤولية انفصال جنوب السودان؟

أبداً الحديث عن انفصال الجنوب كان منذ 1949، ومنذ عام 1955 الجنوب قاتل بغرض الانفصال والواقع الجغرافي والإثني يقول إن جنوب السودان دولة لو جئنا للحق والعدل هم اختاروا هذا الاختيار بإرادتهم الحرة بنسبة عالية جدًا لا يمكن التشكيك فيه 98,6% اختاروا دولتهم وبقبول المجتمع الدولي والإقليمي مضوا إلى حالهم لنصبح بعد ذلك جيراناً ولكن الإنقاذ لا تتحمل وحدها وزر انفصال جنوب السودان.

*هل الإنقاذ كانت تقود نفسها إلى نهايتها؟

يظن لكل مراقب حصيف يرى بعين البصيرة، أن الإنقاذ كانت تتجه إلى حتفها خلال الأداء السييء إلى الأسوأ في الفترات الأخيرة، لأن الملف الاقتصادي وصل مرحلة من السوء بحيث أصبحت الدولة لا تستطيع توفير النقود، وما صاحب ذلك من عدم قدرة البنك على المراقبة، فبنك السودان كان يعمل على هواه والبنوك الأخرى دخلت في عمليات غسيل أموال وعمليات فساد وعمليات تمويل وهمية دون ضمانات عمليات صادر دون عائد، ولذلك يمكن فتح ملفات البنوك كلها ويُحاسَب كل مفسد ليس بالضرورة أن يكون من الحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني، وثائق البنوك شاهدة على المفاسد التي جرت في الاقتصاد يجب فتحها ومحاسبة كل من أدى أداءً سيئاً سواء كان مديراً أم موظفاً في البنك أو عميلاً استفاد  بطريقة غير قانونية، بالتالي لابد من مراجعة أداء بنك السودان والجهاز المصرفي خلال (30) سنة الماضية.

*البعض يرى أن مشكلة الإنقاذ أنها فقدت السند الفكري؟

صحيح، أتفق معك تماماً، خلال الفترة الماضية ما كانت هنالك اي مرجعية فكرية للإنقاذ، المرجعية الوحيدة الحركة الإسلامية، كان شيخ حسن الترابي وبعد الانشقاق ما عادت المرجعية الفكرية لكافة وبعدها تكون المؤتمر الشعبي، والذي غلبت عليه شهوة الخلاف واللغة الحادة والشطط في الخصومة مما أفقده التوازن الداخلي الذي منعه من الاستفادة من المرجعية الفكرية للترابي إلى أن توفي استرجع الناس حديثه عن النظام الخالف وغيره، إلى أن دخل في حوار الوثبة، بأنه قاد الناس إلى الفكر التصالحي.

*وأنت شاهد عيان على الإنقاذ وأكثر المدافعين عنها ماذا تقول بعد (30) عاماً؟

نحن نطوي أسى كبيراً جداً في أنفسنا ونحزن حزناً عميقاً مثلما حزن يعقوب وابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم، لماذا لأن يوسف افتقد فلذة كبده، ونحن افتقدنا فلذة كبدنا الدعوة والدولة والأهداف السامية والدولة الرشيدة والحكم والعدل الذي يتأسى بأحكام الراشدين، وكنا نتمنى أن يكون السودان دولة أنموذجاً لا يظلم فيها أحد، ما لدينا حيلة غير التمني على المستوى الشخصي وليس لدينا حيلة غير التمني، لأننا ما كنا أصحاب قرار أو شاركنا في صناعة القرار في أي درجة من الدرجات، فقط إنسان صاحب قلم.

*إذا قيل لك ارجع بالذاكرة ما تفعل؟

لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير، وما مسني السوء، لا أحد يستطيع أن يعرفه أنت تعمل وفق نيتك مع الله، وربنا هو الذي يحاسب الناس على نواياهم، القانون الوضعي هو قانون الله الذي يؤاخذ الناس بالبينات والشواهد والوثائق، ولو ظهرت تلك على كائن من كان في الإنقاذ حركة إسلامية أو لا حركة إسلامية، مؤتمر وطني أو لا مؤتمر وطني، يجب أن يؤخذ بالقانون، ويعطى حق الدفاع عن نفسه إذا ثبت أي تجاوز، القانون هو الفيصل.

*الآن هنالك ثورة وانحياز للقوات المسلحة بماذا تنصح؟

التجربة السابقة للإنقاذ كان الدرب واضح المعالم عاشه القائمون على الأمر في المجلس العسكري هم أولاد الإنقاذ بالتالي شهود عدول “شافوا” كل شيء رأوا العثرات يمكن أن يتفادوا العثرات على الأقل خلال فترة حكمهم القصيرة في النهاية لن يعمروا في الحكم كما عمرت الإنقاذ فترتهم محدودة بالتالي خلال الفترة الانتقالية عليهم تفادي العثرات والاستعانة بالأكفاء من الناس وأن لا يستجيبوا للأكثر صراعاً هناك صامتون ويجب أن ترضي كل الناس وتعمل على الوفاق، وأن لا تستعجل تسليم الحكم حتى لا تندم لتسليمك الحكم لجهة، وعندما تسلم التفت يمنى ويسرى إذا سلمت الحكم للأعلى صراخاً سوف تندم وتكتشف أنك أعطيت عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى