سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع

 

2 يوليو2022م

أغنية واحدة

في مسار الأغنية السودانية الطويل، هنالك شعراء خلدهم الوجدان الجمعي (بأغنية واحدة)، ولم يكونوا من أصحاب الإنتاج الثر والغزير، وربما بعضهم لم يجد حظه من الشهرة، ولكن (الأغنية الواحدة) التي قدَّمها جعلته حاضراً حتى وإن غابت سيرته ومسيرته وتفاصيل حياته الشخصية، والنماذج كثيرة وتكاد لا تحصى أو تعد، ولكني أحاول في هذه المساحة التوقف عند بعضهم مما أتاح البحث المضني أن أعثر على بعض تفاصيل حياتهم، وهي تفاصيل ربما تبدو خافية وتحتاج لمجهود إضافي وتحقق كامل من أي معلومة.

كنوز محبة

أغنية (كنوز محبة) التي لحَّنها الموسيقار بشير عباس وتغنى بها الراحل زيدان إبراهيم، هي واحدة من الأغاني المحفورة في وجدان الشعب السوداني، فهي توافرت فيها كل عناصر الجودة والخلود من مفردات ذات عذوبة ولحن سهل وتلقائي ويمتاز بالسلاسة والبراعة في تصوير الكلمة موسيقياً، ثم الأداء المبهر لزيدان إبراهيم ـ كعادته دوماً ـ الأغنية بمواصفاتها تلك خلدت اسم شاعر الدكتور (بشير عبدالماجد) ورغم أنه قدَّم أغنية أخرى اسمها (خوف) وتغنى بها الفنان الطيب مدثر، ويقول عنها الدكتور بشير عبدالماجد قصيدة (خوف) لحَّنها زميلنا في المعهد والجامعة اسمه محمد صديق الأزهري، كان مدرِّس موسيقى، وقد وجدها يوماً على ورقة فوق مكتبي أخذها وقال إنه سيلحِّنها ووافقت وقدَّمها بدوره للفنان للطيب مدثر، تقول، كلماتها:

إني أخاف عليك من شعري، ومن شجني..وأخاف منك على أن أصبحت شاعرك المغني..

أنا في نهايات الدروب وأنت في فجر

غربال ناعم

شخصياً ـ على قناعة متكملة الأركان أن للشعب السوداني (غربال ناعم) لا يمر من خلاله إلا صاحب العطاء المتميِّز والمختلف، ذلك (الغربال الناعم) يمثل لجنة وجدانية لتحديد المعايير والمواصفات للمبدع دون أي تعريفات علمية، فهو شعب يعرف كيف يفرِّق ما بين الغث والسمين، ويتقن تماماً اختيار ما يناسبه وما يبقى في وجدانه وذاكرته دون أي إملاءات، ولو توقفنا في أغنية بقامة “هوج الرياح” الشهيرة بمقعطها الأول “هات يا زمن” ستجد أنها أغنية محفورة في ذاكرة الناس أجمعين، لأن أحمد الجابري، تناول نصاً منوَّعاً من حيث تركيبة المفردات ذات الجرس اللإيقاعي المختلف والمتنوِّع، قصيدة احتشدت بالثراء من حيث مفردتها الشعرية ومفاهيمها العامة.

هوج الرياح

شكَّلت أغنية “هوج الرياح” بعثاً جديداً في الأغنية السودانية، وذلك لأنها تميَّزت بتنوع في جملها الموسيقية وتحرَّكت ما بين إيقاعات مختلفة هي (الرومبا ـ المامبو وعشرة بلدي) وتلك الانتقالات السلسة ما بين الإيقاعات منحت الأغنية قيمة الرشاقة والانسياب، وإن كان أحمد الجابري، عبقرياً على المستوى اللحني والموسيقى في تلك الأغنية ــ وكل الأغاني ـ فإن عبقرية الشاعر مصطفى عبدالرحيم، هي –أيضاً- ليست محل شك، فهو شاعر تمثلت فيه خاصية التجديد والتحديث في مفردة الأغنية، فيما يخص الشجن والحزن، وربما دفقة الحزن الطاغية على أشعاره هي لموقف حياتي عاشه الشاعر وبسببه أنزوى في قرية (فداسي الحليماب) بالجزيرة حتى وافاه الأجل.

صندوق رعاية المبدعين

في واقع الأمر، البدايات الخاطئة عادة ما تقود لنهايات كارثية، وصندوق رعاية المبدعين، فكرة بديعة، ولكن تم تنفيذها بطريقة خاطئة ومستعجلة ولم تراع فيها البديهيات والأساسيات، فقرار تعيين اللواء الخير المشرَّف كان هو الخطأ الأول لأنه جاء للصندوق بأهداف وأجندة محدَّدة وكان لا يمتلك القدرات الإبداعية الكافية التي تؤهله لإدارة بلد تمتلئ بالمبدعين الأصلاء.

عموماً ذهب ذلك العهد الظلامي بكل أخطائه الكارثية في التأسيس، وذلك يعني بالضرورة التغيير في المفاهيم وطرائق التفكير في إدارة صندوق رعاية المبدعين، والصندوق -حالياً- يقوده الأستاذ الشاعر عبدالقادر الكتيابي، وهو مبدع أصيل لا يحتاج لأن نؤشر على منتوجه الإبداعي الحاضر، فهو واحد من هذا الوسط ويعرف خباياها وتفاصيله تماماً، وتلك المعرفة تجعلنا نتعشم في طفرة مفاهيمية وتجديدية لإدارة دفة الصندوق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى