السر السيد يكتب : المدعو عصام محمود؟

2 يوليو2022م

 

كلمة “المدعو” التي في بداية العنوان لا تهدف بأي حال من الأحوال إلى التقليل من شأن القاص المشهور جداً عصام محمود، فالهدف منها لا يتعدى لفت انتباه القارئ لمتابعة هذه الحكاية المثيرة، فكاتبنا والذي أصدر عدداً من المجموعات القصصية أشهرها “أجراس الماضي” متزوِّج من السيدة صفية، وليس له أولاد رغم العمر المديد لحياتهما الزوجية، ولأن الشهرة في الكثير من الأحيان تجلب بعض المصائب كالشائعات مثلاً كان لزاماً على كاتبنا أن يتجرَّع هذا الكأس المر، فمن الشائعات التي تقال عنه إن زوجته تشك في أنه على علاقة خاصة بامرأة أخرى، لذلك قيل إنها حاولت الانتحار أو إنها لا تظهر معه في الملتقيات العامة، لأنها مصابة بتشوُّهات خلفها حادث حركة أليم أو أنها منفصمة الشخصية تنتابها حالات في أوقات غير محسوبة فترى نفسها إنها كاتبة مثل زوجها، في الندوة التي قدَّمها عصام في جامعة الخرطوم والتي كانت بعنوان (الاستقرار العاطفي والأسس النفسية للإبداع) وتماهياً مع هذه الشائعات سأله أحدهم: قائلاً: ما هي علاقة هذين الجانبين، الاستقرار العاطفي والإبداع بحياة الأستاذ عصام نفسه؟  هذه هي الفكرة المنتشرة عن عصام محمود عند الكثيرين بفعل الشائعات وهي صورة أرهقته كثيراً بسبب أنها تتعلق بحياته الخاصة وتحديداً بزوجته، أما هو فقد كان يقول في ندواته وحواراته الشخصية وللمقرَّبين منه أن ما يكتبه شئ وحياته شئ آخر، وأنه ككاتب يرى أن على النقد أن يبحث فيما يكتب لا أن يبحث عن حياته الشخصية وأنه يرى أن مهمة الكاتب هي الكشف عما يدور في مجتمعه لا أن يجاري الذين يريدوننا أن ندفن رأسنا في الرمال كما تفعل النعامة، فقد قال ذات مرة: “نفسي أعرف أكثر عن الناس وأكتب وما أخاف من الأصوات العايزاك تكسر قلمك”، عصام محمود الكاتب الذي يعبِّر عن هموم مجتمعه يعيش حياة سعيدة مع زوجته صفية ويحبها حباً كبيراً ويكفي أنه قال عنها مرة: الإنسانة الوحيدة العرفتها هي صفية، هي الحب الوحيد الكبر بالترابط، الحب ألم بينتهي حتى بالموت، عصام محمود الذي يعلِّي من شأن الحب في كتاباته وفي حياته لا يبخل بمساندة الآخرين والتضامن معهم كما فعل مع “سلمى” إحدى معجباته تلك الفتاة التي فقدت شرفها حين غفلة والتي تعاني من غياب الأب رغم حضوره والتي تدخن وتسكر. سلمى التي صوَّرتها الشائعات أنها على علاقة خاصة به وهي لم تكن أكثر من أخت وصديقة احتاجت دعمه فلم يتوان في مساندتها فهو كما قلت يحب زوجته التي لم تكن تشك فيه ولم تكن تعاني تشوُّهاً جسدياً ولم تكن منفصمة، لأنها يا سادتي كانت مريضة بالسرطان، هذا الكاتب العبقري الذي تطارده الشائعات في ندواته وفي بيته وفي تلفونه الخاص وبرغم كل هذه الضغوط لم يتوقف عن الكتابة ولم يغيِّر رؤيته لمهمة الكاتب ودوره ولم يتخل عن زوجته حتى فارقت الحياة، بل ظل متمسكاً بالحب بمفهومه الواسع كحقيقة لا تقوم الحياة المبدعة إلى بها. عصام محمود هذا أنا لا أعرفه ولم التقه ولن التقيه لأنه “شخصية” من صنع خيال كاتبنا الكبير المسرحي والشاعر هاشم صديق، كتبها وأبدعها في مسلسله الإذاعي الاستثنائي “الحراز والمطر” الذي أخرجه الدكتور صلاح الدين الفاضل، وبثته الإذاعة القومية في العام 1979م. عصام محمود الشخصية المحورية في المسلسل والتي جسَّدها كعادته وباقتدار كبير الفنان مكي سنادة شخصية مركَّبة ومتداخلة الأبعاد فهو الكاتب والذي بحكم مهنته يستلهم حكاياته وشخوصه من الواقع يجد نفسه أمام حكاية تنسجها الشائعات عنه لا تقل في حبكتها عما يمكن أن يكتبه هو قاص، أبطالها زوجته وفقاً للصورة التي رسمتها الشائعات وبعض أصدقائه القدامى، وسلمى وحكايتها مع مصطفى وأحمد وحكايته مع نجوى ثم حكاية الأب الحاضر الغائب، شخصية بهذه العلاقات والأبعاد حوَّلها سنادة إلى شخصية من لحم ودم في مباراة لتفجير الصوت وقدرات التمثيل ومع ممثلين من طراز خاص. فوزية يوسف في دور صفية وتحية زورق في دور سلمى وعثمان جمال الدين في دور مصطفى، لنرى صورة الكاتب الذي تنتهك خصوصيته والمعاناة والألم الذي يعتصره وفي نفس الوقت رهانه على قيمة ما يكتب عبر صوت وأداء سنادة، كما قلت في مقالتي السابقة: إن الفنان مكي سنادة جسَّد شخوصاً درامية متنوِّعة في البناء وفي ما تحمل من رسائل، وأشرت إلى أنها من الكثرة بمكان تجعل سؤال التمثيل عنده سؤالاً ملحاً، فشخصية عصام محمود من الشخصيات الدرامية التي تحتاج إلى قدرات استثنائية في التحكم في تحوُّلاتها من حالة إلى أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى