منى أبوزيد تكتب : الكابتن..!

2 يوليو2022م
“قيمة الإنسان شجرة وعي، والديمقراطية أهم عناصر تمثيلها الضوئي”.. الكاتبة..!
كانت الترتيبات تُجرى على قدمٍ وساق في أروقة ذلك النادي الذي يجمع شباب الحي في مدينة عطبرة لاستقبال أهم مسؤول حكومي في المنطقة، وذلك لتدشين حَدَثٍ ما، نسيته ونسيت – أيضاً – اسم وصفة حضرة ذلك المسؤول. لكن المُهم هو تفاصيل الحكاية التي تُؤسِّس للموضوع الذي سأحدِّثك بشأنه، ثم دلالة ذات الحكاية في خدمة ذات الموضوع. أليس كذلك..؟!
يوم الاحتفال – أو التدشين – ذاك كان الحدث “الماستر سين” لذكريات طفولتي في تلك الفترة، قبل العودة إلى السعودية في نهاية الإجازة. والسبب هو أنّني كنت أقود فرقة من صغيرات الحي لتأدية رقصة شهيرة – ضمن فقرة ترفيهية – أمام حضرة المسؤول إيّاه. ولأن أداء الرقصة كان يتطلّب وحدةً في الحركة والإيقاع فقد أرهقت “البروفات” أيدينا وأرجلنا الغضّة، لكن الحماسة التي تغذيها براءة الطفولة كانت سيِّدة الموقف..!
وهكذا حانت اللحظة الحاسمة وأتينا من بعيد – ثلاثة صفوف طويلة تتقدّمها قائدة الركب والمسؤولة عن ضبط إيقاعه – ننهب الأرض قبل أن نقف لأداء العرض في مُواجهة حضرة المسؤول ورهطه، الذين كانوا يجلسون كتماثيل الشمع، مُتّجهمين، ضجرين، وجوههم جامدة ونظراتهم خاوية. ثُم، لستُ أدري ماذا فعل الله بحماسة “الكابتن” الذي أرهقنا بكثرة توجيهاته في أثناء البروفات. لأنّه – ولأسباب لا يعلمها إلا الله وحده – قد وقف أمامنا متجهماً وأشار إلينا بصرامة وهو يطلب منا مغادرة المسرح قبل إنهاء الرقصة..!
والحقيقة أنّ الاحتمالات التي كان بالإمكان الاستناد عليها – لتبرير ذلك التحوُّل الدراماتيكي في موقف صديقنا “الكابتن” – عديدة، لعلّ أولها ضيق الوقت وازدحام البرنامج بفقرات أكثر جدية وأقل ضجيجاً، الأمر الذي آثر معه المنظمون إلغاء فقرة عرضنا ذاك. أو لعلّ أولاها تَمَعُّر وجه السيد المسؤول الذي ربما لم ترق له فقرة رقصنا تلك. لكن المُهم في الأمر أنّ ذلك الإيقاف مقروءاً مع الانقلاب الدراماتيكي في سلوك صديقنا “الكابتن” قد أربك عُقُولنا الصغيرة يومها، وزُجّ بنا من حيث لا نحتسب في دائرة اتّهام لا ندري عن أسبابه شيئاً..!
“البنات ديل الجابهم شنو، والقال ليهم خشوا هسه منو”؟. “أنا عارف”؟. هكذا تنكّر لنا “الكابتن” وباعنا بمُقابل قوامه الحفاظ على “برستيجه” بين قادة النادي وشباب الحي. ثم، في يوم أظنه كان التالي وبوازع من نقاء الطفولة – الذي يجعل ذاكرة الأطفال كذاكرة السمك في مواجهة الأحداث السيئة – نسينا كل شيء، واجتمعنا في ساحة اللعب وانهمكنا في تطوير أدائنا لذات الرقصة..!
وعندما اقترب منا صديقنا “الكابتن” مُتظارفاً ومصدراً ذات المُلاحظات بشأن ضبط الإيقاع، حدَّقتُ في وجهه بغضبٍ طفولي وأخبرته – في وضوح – بأننا لن نستمع مرة أخرى لتوجيهاته، وبأننا في الأساس لا نرقص لأجله، بل من أجل اللعب مع بعضنا، أي من أجل أنفسنا. ألجمَتْ الدهشة لسان “الكابتن”، وانصرف لا يلوي على شيءٍ، وهو يستعيذ بالله من شر تلك “القلاصة”..!
تلك الحادثة علّمتني أن لا أقبل بأن أكون جُزءاً من أي شيء لا أفهمه جيداً، ولا أدرك بوضوح تبعاته المُترتِّبة عليَّ وعلى كامل المشهد المُحيط من حولي. وعلّمتني أيضاً أن لا أسمح لأحدهم باستغلال وحدة الموضوع – أو الهدف – لاستخدام مجهودي، وضبط إيقاعي في الرقص على النحو الذي يخدم مصالحه، فإن تغيّرت المصالح تنكّر لي، وتخلّى عن دوره في ضبط الإيقاع..!
لأجل ذلك أقول إنّ هذا البلد بحاجة إلى ضابط إيقاع أكثر من حاجته إلى قادة السياسة وأباطرة الأحزاب. وحتى يمن الله عليه بذلك – أو أنه قد لا يمن لسبب يعلمه سبحانه – كن أنت زعيم نفسك وقائد مَطالبك، وضابط إيقاع طُمُوحك الدِّيمقراطي..!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى