مني أبوزيد تكتب: آخِـر أثَـر..!

هنالك فرق

مني ابوزيد

آخِـر أثَـر..!

“أنسنة” الأفعال هي ترمومتر وعي المرأة والرجل على حد سواء، وهي مقياس نجاح أو فشل مسيرة كل منهما على مدارج الفكر المُستنير، وهذا شأنٌ لا ينحصر فقط في السلوك، بل يعبر إلى الأفكار والمنهجية التي تحكم أطروحات وقضايا النوع”.. الكاتبة..!

قد تبدو لك من المُفارقات أن تملك السيدة المثقفة والسياسية المحنكة وعضو مجلس الشورى ونائب المجالس البلدية، مُطلق الصلاحية في إدارة الأفكار وقيادة الحوار والمشاركة في صنع القرار، بينما لا تملك أبداً أن تقود دفة سيارة. منع المرأة من قيادة السيارة في السعودية رغم تقلدها لمختلف المناصب أعلاه كان بلا شك محور حديث المطالبات والمطالبين بهذا الحق قبل أن يصدر قرارٌ يسمح لها بقيادة السيارة. لكنها في الحقيقة ليست كذلك – ليست مفارقة ولا هم يحزنون – بل وجهٌ آخر من وجوه سطوة العرف كمصدر أساسي من مصادر التشريع في كل المجتمعات، عربية كانت أم أعجمية..! 

“إنه آخر أثر من آثار عبودية المرأة”، هكذا وصف اللورد ديننج – الفقيه القانوني – مبدأ وحدة موطن الزوجين الذي كان يفرض على الزوجة الإنجليزية الانتماء لموطن زوجها، فإذا تغيّر موطنه تغيّر موطنها تبعاً لذلك، قبل أن يتم إلغاؤه بصدور قانون جديد في مطلع السبعينيات. وهذا  دليل دامغ ومعاصر على أن المساواة الحقوقية بين الرجل والمرأة في أوروبا ليست حالاً تاريخية بل روح قانونية مستحدثة، جاءت كنتيجة راجحة لثورة فكرية عمرها أقصر من عمر سيدة عمرها دون الخمسين..!

وهذا يدلل أيضاً على أن العُرف الذي يجثم على صدر القوانين المنظمة لحقوق المرأة في البلاد العربية – باعتباره مصدراً من مصادر تشريع الأحكام التي تمنع المرأة من تولي القضاء في مصر أو قيادة السيارة في السعودية سابقاً – قد كان ولا يزال أصلاً من أصول التشريع في أوروبا نفسها..! 

 

فالقواعد القانونية التي أرساها القضاء الأوروبي في القرن التاسع عشر والتي كانت تساندها الأعراف، اندثرت بمرور الزمن حينما تعارض سريانها مع استحكام نزعة المساواة شبه المطلقة بين الرجل والمرأة في القرن العشرين. إذن، فالقوانين في كل بلاد العالمين لا تتحدى الأعراف، بل تستند عليها، وأحياناً تحذو حذوها. يكفي أن معظم القوانين المصرية كانت تنتصر لحقوق المرأة، لكنها لا تمكنها من منصة القضاء، بينما قد تحكم القاضية السودانية على بنت جنسها وفقاً لنصوص تدعمها أعراف مجتمع ذكوري..!

 

نحن معشر النساء – أنفسنا – السبب في بقاء تلك القوانين التي تكبل إرادتنا، ربما لأننا ظننا – وما نزال نظن – بأن طريق الحلول يبدأ بالمساواة الفكرية والندية المهنية مع الرجل، لكننا أغفلنا تماماً – وما نزال نفعل – سحر التمكين بالتراضي ودور التعايش السلمي بين مطالبنا وإرادة مجتمعاتنا التي تمتلك مفاتيح العرف، والتي تشارك بالتالي في صياغة القوانين التي تهزمنا..!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى