احمد موسى قريعي يكتب : الإسلام السياسي .. يوميات البارود والدم (35)

11ديسمبر2021م 

الصومال بين الصوفية والإسلام السياسي (1)

يعتبر الصومال بلد العجائب والغرائب والمتناقضات والمصالح، فهو يجمع بين توجهات دينية وفكرية وسياسية وقبلية متعددة ومختلفة ومتباينة ومتقاطعة أحيانا.

ما يهمنا هنا المتناقضات الدينية، فقد عرف الصومال طوائف وتيارات دينية متعددة منها المعتدل والمتطرف والسلفي والجهادي والتكفيري، ومنها من يرفع شعارات وأدبيات الإسلام السياسي.

إن شئنا الدقة نجد أن الصومال طوال تاريخه الإسلامي الحديث يدور بين قطبين أساسيين هما “الصوفية” و”الإسلام السياسي”، غرق  بسببهما الصومال في الصراعات والحروب والمجاعات، وذلك بسبب عدم إدارة هذا التنوع.

فقد استطاعت الطرق الصوفية باعتدالها وسماحتها وبساطتها وأخلاقها وبعدها عن التعصب أن تخترق معظم القبائل الصومالية وتتغلغل في وجدان الصوماليين بشكل عفوي، ساعدها في ذلك اهتمامها بالجانب الروحي وترسيخ المفاهيم الإسلامية، وبعدها عن السياسة وممارسات السياسيين.

لكن هل بالفعل علاقة الصوفية الصومالية بالسياسة كانت ضعيفة لهذا الحد؟ لا نستطيع القطع هنا بالنفي أو الايجاب، لأن التجربة الصوفية في الصومال قد مرت بمجموعة من المراحل اقتربت فيها الصوفية من السياسة وابتعدت عنها.لكني أميل إلى الإجابة التي تقول إن التجربة الصوفية في الصومال كانت بعيدة إلى حد ما عن معترك السياسة، وبالتالي لم يكن لها أي دور فعال أو تأثير خاصة في الفترة من سنة (1960م) إلى سنة (1990م)، ماعدا بعض المحاولات العسكرية التي كانت تخطب ود الصوفية من خلال تعيين بعض رموزها في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.

في الحقيقة ظل دور الصوفية منذ “السبعينيات” منحصرا في المظاهر الاحتفالية التقليدية المتمثلة في الذكر والموالد، وبعض الممارسات الخطابية والاجتماعية، والطقوس المرتبطة بالتضرع بالأضرحة وكرامات الأولياء والصالحين، لكنها لم تخطو أي خطوات فعالة نحو الممارسة السياسية.

أسباب تراجع الدور الصوفي سياسيا في الصومال

استطاع الفكر السلفي الصومالي أن يضع غريمه الصوفي ويحصره في خانة الدفاع عن نفسه بسبب “الشركيات”، و”الخرافات”، و”الخزعبلات” التي كان يسلكها أتباعه، فتراجع بذلك الدور الصوفي لصالح الإسلام السياسي والأفكار الجهادية، كما أن مظاهر التدين الصوفية الغارقة في الإيمان بالخوارق والكرامات قد أصابت الصوفية في مقتل.

هنالك صورة نمطية استقرت في أذهان الصوماليين وانتشرت في الثقافة الصومالية قد ساهمت بقدر كبير في هذا التراجع، هذه الصورة هي اتهام التصوف بأنه عمل التعساء والكسالى، وأن الصوفي هو ذلك الرجل الكسول، قليل العلم المتسول في الطرقات والموالد.

وقد ساعد أيضا تنامي وتصاعد قوة التيار السلفي الجهادي المسلح في تراجع الصوفية سياسيا لأنه استطاع بحجة منطقه وقوة سلاحه أن يعمل على اضعاف الصوفية، وذلك بالتركيز على مواطن الخلل والضعف فيها خاصة تلك المتعلقة بالطواف حول القبور وتقديم النذور والغرابين لها.

هكذا أصبح التيار الصوفي سيء السمعة، وقليل الحظ والبخت، فقد تمت معارضته ومحاكمته من طبقة المثقفين والمستنيرين وتيارات السلفية الجهادية المختلفة وبسبب ذلك فقد التعاطف والسند الشعبي فقبع في كهوف عزلته يتلقى الاغاثة والمساعدات والمعونات خاصة ابان الحرب الأهلية والسياسية في الصومال.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى