وزير الخارجية الأسبق إبراهيم طه أيوب لـ(الصيحة): النظام البائد فرض منهجاً مريضاً ولجنة التمكين انجرفت عن مسارها

 

أجرت الحوار: مريم أبَّشر          7 يونيو 2022م 

السفير والوزير إبراهيم طه أيوب، يمثِّل أبرز السفراء والوزراء المخضرمين الذين مرَّوا على وزارة الخارجية، تدرَّج في عمل السلك الدبلوماسي حتى وصل درجة السفير، مثَّل السودان في عدة دول آخرها كينيا، حيث أصدر أول بيان رحَّب فيه بإسقاط نظام نميري، من مقر عمله بنيروبي، اختاره الفريق سوار الذهب، رئيس مجلس السيادة الانتقالي منتصف عقد الثمانينات وزيراً للخارجية في عهد حكومته الانتقالية، بعد قيام الانتخابات وتشكيل الحكومة فضَّل السفير إبراهيم طه أيوب، العودة إلى عمله سفيراً وإفساح المجال لغيره، اختاره الصادق المهدي، في الحكومة الديمقراطية سفيراً للسودان بروما، وبقي في مهمته رئيساً لبعثة السودان إلى أن جاء انقلاب حكومة الإنقاذ فكان أول سفير تتم إقالته بجانب السفير فاروق عبد الرحمن. استقر أيوب في روما وعمل هنالك، وظل طوال حراك ثورة ديسمبر المجيدة يقود ويتصدَّر الحراك الدبلوماسي من مقر إقامته بروما وبالخرطوم التي وصل إليها بعد سقوط نظام الإنقاذ .

(الصيحة) التقته في حوار شفَّاف وضع فيه إجابات واضحة حول الراهن السياسي في السودان ومآلاته بعد ثورة ديسمبر المجيدة، التي وصفها بأنها الأحدث في العالم بعد الثورة الفرنسية. تحدَّث الوزير إبراهيم طه أيوب، بصراحة عن الواقع الدبلوماسي والاقتصادي وعودة السودان مجدَّداً للعزلة الدولية بعد أن فتحت ثورة ديسمبر المجيدة، أبوابه للعالم، وأيضاً تناول حراك الآلية الثلاثية وعدم قدرة الاتحاد الأفريقي على التوصل لوفاق سياسي بين الفرقاء في السودان، وانتقد عمل لجنة إزالة التمكين وغيرها من الملفات الساخنة التي تعج بها الساحة السياسية في السودان.

فماذا قال السفير/ إبراهيم طه أيوب، في حواره التالي.

= يمر السودان -حالياً- بمرحلة مُعقَّدة، كيف تنظر للأوضاع بعد الثورة ومالآتها بعد الـ٢٥ من أكتوبر؟

يمكن القول وبالصوت العالي: إن ثورة ديسمبر تعتبر رائدة ثورات العالم في العصر الحديث، حيث خرجت جماهير الشعب السوداني قاطبة تندِّد بحكم عسكري بغيض جثم على صدورها ثلاثة عقود كاملة، عاث خلالها فساداً وإفساداً مخرِّباً مقوِّمات المدنية ومحطِّماً كل ما هو راقٍ وجميل في البلاد، حطَّم الخدمة المدنية والتعليم ومقوِّمات الصحة والبنى التحتية للاقتصاد والقوات المسلحة، وسعى وجاهد في القضاء على القيم النبيلة التي تربَّت عليها الأجيال المختلفة، فارضاً منهجاً فكرياً مريضاً لا يؤمِن بالدولة الوطنية واعتبار المِلة بالمفهوم الديني قاعدة للانتماء الإنساني على مفهوم الدولة.

سعى منذ البداية إلى تثبيت أن الدين وليس الحدود الجغرافية هو الفيصل في الوفاء للوطن، وعليه سعى جاهداً إلى بتر جزء عزيز من الوطن الواحد بإدعاء أن الجزء الذي ليس بديني هو في الأساس حجر عثرة في إقامة دولتهم، وكان أن مزَّقوا الوطن وأحيوا الانتماء القبلي.

= فكانت ثورة ديسمبر تفاعل معها العالم إذن؟

نعم، وسط هذه الأجواء المحبطة ثارت الجماهير على الطغمة الحاكمة واستطاعت أن تدك حصون الفساد والجبروت وخلق ثورة لم تعرف العصور الماضية مثيلاً لها منذ الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩م.

كان طبيعياً أن يتفاعل العالم بهذه الثورة الجبارة وفتحت لبلادنا الأبواب مشرعة للاندماج مع المجتمع الدولي.

= أبرز الإنجازات التي تحققت في تقديرك؟

وسط هذا الاحتفاء العالمي بالثورة السودانية تحققت إنجازات كثيرة في فترة وجيزة، وكانت الآمال عريضة في الوصول بالثورة إلى غاياتها، إلا أن الحركة الانقلابية أدخلت البلاد مرة أخرى إلى غياهب العزلة الدولية، وذلك للمرة الثانية في العقود الأخيرة، وبدأ قادتها يردِّدون نفس شعارات النظام السابق ويتحدون العالم الخارجي الذي رفضه بدوره مثلما رفضته الجماهير.

= وهل عاد السودان بالفعل للعزلة؟

يمكني القول دون تردد أن ما جرى في الخامس والعشرين من أكتوبر، كان عاملاً حاسماً في أن يعود السودان القهقري إلى عهد نبذته الجماهير منذ انتفاضتها في ديسمبر ٢٠١٨م، لم ترض الدول كافة بما جرى، إلا قليلاً منها من مصلحتها بقاء السودان ضعيفاً ممزَّقاً غير قادر على الوقوف على رجليه، لذلك من البديهي أن يؤثر ذلك سلباً على علاقات السودان بالدول والمنظمات الدولية والإقليمية، وهذا شأن مفهوم في العلاقات الدولية. حاول النظام البائد حل مشاكله مع العالم الخارجي بالنزوع إلى العنتريات ورفع الشعارات الخرقاء الجوفاء، ونرى خلفاء ذلك النظام يتبعون نفس النهج واللجوء إلى الغوغائية ويؤدي ذلك بالطبع إلى المزيد من العزلة.

= رغم الحديث عن العزلة إلا أننا نلاحظ زيارات يومية من مسؤولين ودبلوماسيين غربيين؟

المعلوم أن هؤلاء المبعوثين يزورون الخرطوم لا من أجل تقديم الدعم، ولكن للتحذير من التماهي في السير وراء سراب كاذب، وأنهم يوجهون التحذيرات بضرورة إلغاء كل القرارات الصادرة والالتزام بمباديء الثورة.

= كيف تقرأ سير العمل الدبلوماسي، وبرأيك من يخطط ويقود الدبلوماسية السودانية في الوقت الراهن؟

الإجابة هنا واضحة، حيث أن وزارة الخارجية بعيدة كل البعد عن تنفيذ السياسة الخارجية ناهيك عن تخطيطها، تقوم جهات عدة بالتخطيط والتنفيذ، وكما هو الحال في تنفيذ السياسات الداخلية والفشل الواضح فيه نجد نفس التخبط في العمل الخارجي، ثم كيف لنا أن نأمن السياسة الخارجية لبلادنا في يد أناس فشلوا في حفظ الأمن وصيانة أرواح الناس وممتلكاتهم في الداخل؟

= برأيك، هل ما زالت وزارة الخارجية تمثِّل بوابة السودان الخارجية، أم أن ملفاتها مازالت موزَّعة على أجهزة حكومية أخرى؟

أرى أن العمل الخارجي -الآن- موزَّع بين عدة جهات، كل فئة تحاول الفوز بأكبر قدر من المصالح الخاصة بها، ولكن المفهوم أن الفريق إبراهيم جابر، هو من له اليد الطولى في التخطيط للعمل الخارجي، ولهذا تراه دائم التحرُّك خاصة في دول القارة الأفريقية.

= إذن برأيك ليس هنالك استراتيجية ثابتة للعمل الخارجي؟

بالطبع، كل ما ذكر أعلاه يوضِّح أن ليس للسودان -حالياً- استراتيجية ثابتة في علاقاته الخارجية، وذلك أمر طبيعي، حيث أن الجهات التي تهيمن على العمل الخارجي وهي عديدة مصالحها متضاربة.

= العلاقات العربية الأفريقية مع السودان كيف تراها؟

أما فيما يتعلق بعلاقات السودان الأفريقية أو العربية فأمرها عجب، ليس هناك خط واضح فى هذا الشأن، رأينا كيف تقاذفت الدبلوماسية الأهواء المتصاعدة فيما يتعلق بملف سد النهضة، وكيف أن البعض أراد أن تكون مواقفنا متطابقة لمواقف مصر دون النظر في مصالح السودان الإيجابية لقيام هذا السد، وكيف أن ذلك ضرب علاقاتنا الأزلية مع أثيوبيا بمقتل. الآن نهرع إلى بعض الدول الأفريقية الأعضاء بمجلس الأمن الدولي مسرعين نحوها علها تقف مع مواقفنا فيما يتعلَّق بالنزاهة مع اللجنة الأممية.

= هل فقد السودان فرصته الأخيرة في إعفاء ديونه الفورية الخارجية؟

لا، لن يفقد الفرصة، لأن ذلك مرتبط بالدولة ذاتها وليس هنالك من أحد يحاول عقاب البلاد، ولكن المشكلة أنه لابد من العودة إلى مسار التحوُّل الديموقراطي وإقامة الحكومة المدنية وإجراء الانتخابات المؤدية إلى قيام برلمان يقرِّر مصير الحكم وطبيعته.

= كيف تقرأ الانتقادات التي توجه للبعثة الأممية ورئيسها وأنها تجاوزت التفويض الممنوح لها والتهديد بالطرد؟

الحديث عن (يونيتامس) وفولكر بتيرز، حديث متشعِّب، كان النظام العسكري يرفض منذ البداية دعوة اللجنة الأممية للسودان لأداء المهام الأربع، وقد سعى بكل همة لعرقلتها، وعندما فشلت مساعيه رضوا بقدومه، ولكن مضمرين لها الشرور وواضعين العقبات العديدة أمامها على أمل أن تفشل من تلقاء نفسها، ولكن عندما علموا أن ذلك غير ممكن وأن ليس فى مقدورهم إجلائها وقفوا يهدِّدون بطرد السيد بيرتز، وعندما فشلوا سعوا ونجحوا فى إضعافها بتوزيعها إلى لجنة ثلاثية بضم مندوب عن الاتحاد الأفريقي وآخر من اللجنة الحكومية للتنمية. الدكتور محمد الحسن ولد لباد، صديق شخصي ولي معه علاقة طيبة، ولكني أرى الاتحاد الأفريقي غير مؤهل للقيام بأي دور وفاقي في السودان، وذلك بحكم ارتباط مفوضه العام السيد موسى فكي محمد، بالإسلام السياسي العالمي، ولأنه مواطن من دولة تشاد ولديه مصلحة، بالتالي أن تسير الأمور هنا بالصورة التي قد تساعده في تحقيق طموحه في حكم بلاده، خاصة وأنه ينتمي لقبيلة الزغاوة، كما أنه يؤمن بحكم العسكريين نسبة لارتباطاته الوثيقة بحكم الدكتاتور التشادي السابق الجنرال إدريس دبي، نقطة أخرى مهمة في نظره وهي أن كل الأنظمة التي حكمت تشاد انطلقت من غرب السودان لاحتلال أنجمينا والسيطرة على مقاليد الحكم فيها.

= كيف تنظر للعمل في وزارة الخارجية بعد أن أعادت المحكمة من فصلتهم لجنة التمكين وجمَّدت ترقيات من انتقدوا الإجراءات؟

الأوضاع داخل أروقة وزارة الخارجية حَدِّث ولا عجب، أن تجد وزارة سيادية مهمتها التعامل مع العالم الخارجي بلا رئيس أمر غريب وغير مستساغ. وكما الأمور في الوزارات والمؤسسات الأخرى ستجدين أن الموقف في وزارة الخارجية أسوأ، لأن أي تقاعس فيها يعني الشلل في التعامل مع العالم الخارجي.

أعاد النظام العسكري كل الدبلوماسيين الذين أبعدتهم لجنة إزالة التمكين إلى مواقعهم السابقة بمن فيهم صغار النفوس والمنتمين إلى الأجهزة الأمنية التي أتت بهم لهذه المؤسسة الحساسة، في المقابل تم فصل عدد من الدبلوماسيين وجمَّدت ترشيحات البعض ممن عارضوا الانقلاب الفطير، بالتالي تعيش وزارة الخارجية -حالياً- فترة تيه نتمنى ألا تطول ويعود لها رونقها وألقها وتعود لها حيويتها ويعطى بالتالي السيف لفارسه والقوس لبارئها.

= تقييمك لأبرز الإنجازات التي تحققت إبان حكومة الفترة الانتقالية وأيضاً الإخفاقات في عملها؟

يطول الحديث عن إنجازات الفترة القصيرة للحكومة المدنية، ولكن ورغم قصر الفترة ومؤامرات المكوِّن العسكري في ألا تنجح الثورة وألا يبلغ المد الشعبي مداه، حفلت الفترة الانتقالية بالكثير من الإنجازات وتقف على رأسها فك العزلة عن البلاد التي أقعدتها عن التنمية والتعاون مع الدول الأخرى. لا أعتقد أن نتائج هذه العزلة في حاجة إلى التبيان والتحليل، فقد أصبح السودان دولة مقبولة للعالم بعد أن كان دولة مارقة وابقة تستثمر جهدها في إشاعة الإرهاب عالمياً وتصفية الخصوم في بيوت الأشباح داخلياً، آلت الفترة الانتقالية المدنية على نفسها العودة بالبلاد إلى مجتمع الدول المشاركة والداعية إلى الحرية والسلام والعدالة، حاملاً نفس الشعار الثلاثي للثورة الشعبية، رحَّبت الدول جميعها بالسودان الجديد أيما ترحيب واعترفت دول المنطقة بالدور الذي يمكن للسودان أن يلعبه في إقرار السلم والأمن في المنطقة عكس السودان القديم الذي عرفوه متآمراً ينشر الإرهاب والفساد فيها، وتقف زيارات المسؤولين في العالم للسودان شاهداً على قبولهم للسودان في ثوبه الجديد، ثم المؤتمرات العديدة التي عقدت من أجل انتشال اقتصاده من الهوة السحيقة التي وصلت إليها ومن ثم الاتفاق على شطب الديون المتراكمة عليه وقرار صندوق النقد الدولي تطبيق مبدأ “الهيبك” الخاص بإعفاء الدول الفقيرة المثقلة بالديون منها، وإبداء البنك الدولي تخصيص مبالغ مقدَّرة كهبات لإعانة الاقتصاد على الوقوف على رجليه، ولا ننسى أكبر إنجازات هذه الفترة والمتمثلة في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مقابل كل تلك الإنجازات لا بد لنا من الاعتراف بإخفاقات تلك الحكومة والتي تتمثَّل في رضوخ رئيس مجلس الوزراء السابق لإملاءات المكوِّن العسكري وسعيه الحثيث على شل عمل حكومته، ومن أميز تلك الإخفاقات -أيضاً- تسليم ملفات تخص الحكومة المدنية للعسكريين مثل ملف السلام وكانت النتيجة سلام جوبا، جانب آخر يمثل إخفاقاً كبيراً للفترة الانتقالية انحراف لجنة إزالة التمكين من مسارها واتجاهها نحو التجاوزات الصغيرة التي ارتكبت من قبل الإنقاذ مثل: البحث عن القطع السكنية لعلي كرتي أو ما حازت عليه السيدة زوجة مدير عام الشرطة أو فصل بعض الموظفين، وذلك دون النظر في قضايا الفساد الإخواني الكبير مثل: سلب مشروع الجزيرة من كوادره الفنية العالية وتصفية وزارة الأشغال وهيئة النقل الميكانيكي وبيع حديقة النزهة (حديقة الحيوان) وتصفية سكك حديد السودان والنقل النهري، وأين اختفى اليخت الرئاسي ومن قام بتصفية اتحاد تعاونيات حلفا الجديدة وبينها مطاحن الغلال والمحالج ومصانع الزيوت وغيرها؟ وعن من قتل الشباب في بورتسودان وكجبار وغيرها.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى