في أول حوار له- وزير الخارجية المُكلَّف السفير علي الصادق لـ(الصيحة): علاقتنا مع واشنطن ليست على ما يرام ومحتفظون بشَعَرة معاوية

سيكون لواشنطن سفيراً بالخرطوم قريباً وننتظر موافقتها على سفيرنا لديها

مازالت واشنطن داعمة للانتقال في السودان وستستأنف الدعم في هذه الحالة

نهاية أغسطس سنكمل الفراغ في بعثاتنا بالخارج و(٩٠%) من متأخرات البعثات حسمت وما تبقى تجرى معالجته

هناك تنسيق وليس اختطاف بيننا والأطراف الأخرى في الحكومة ولم نحس بأن هنالك مشكلة

تحديات العمل الخارجي مرتبطة بالداخل وعلى القوى السياسية مراعاة مصلحة الوطن

نرغب في بعثة تدعم الانتقال لا أن تمارس الابتزاز والإملاء

بيئة العمل بالوزارة متردية وهذه المظاهر لا تليق بالوزارة

أقر وزير الخارجية المُكلَّف السفير علي الصادق، بأن علاقات واشنطن بالخرطوم ليست على ما يرام، لكنه أشار إلى أن شَعَرة معاوية، ما زالت موجودة، واعترف بأن الولايات المتحدة مثَّلت أكثر الدول الداعمة للانتقال فة السودان، وقال في أول حوار له مع (الصيحة): إن واشنطن علَّقت استئناف الدعم بالعودة للمسار الديموقراطي. وقال: إن الحكومة لا ترغب في بعثة أممية تمارس الابتزاز والإملاء  وأن تلتزم (يوميتامس) بالتفويض الممنوح لها، وقال: إن المصفوفة التي سلَّمتها الوزارة للأمين العام للأمم المتحدة تم اعتمادها وثيقة رسمية لمعالجة عمل البعثة، وكشف الوزير عن أن (٩٠%) من متأخرات البعثات تم حسمها وما تبقى تجري معالجته، ونفى وجود اختطاف لملفات الوزارة. تابع الحوار.

حوار: مريم أبَّشر  29 مايو 2022م

* السيد الوزير ظلت الأوضاع المالية بالبعثات الخارجية خلال السنوات الثلاث الماضية، سيئة للغاية، هل تجاوزت الوزارة هذه المعضلة أم مازالت البعثات تعاني من البؤس المالي؟

صحيح الأوضاع في بعثات السودان الخارجية فعلاً كانت سيئة للغاية خلال العامين أو الثلاثة أعوام الماضية،  سفاراتنا لم تتلق مرتبات لأكثر من (18) شهراً، وبالتأكيد عندما نتحدَّث عن   المرتبات نتحدَّث عن إيجارات المقار، لأن  السفارات ومقر سكن السفراء مؤجرة وبالتالي يفترض دفع الإيجارات بانتظام كانت لدينا فعلاً مشكلة في هذا الجانب نتيجة لظروف تمر بها البلاد ولا تزال قائمة، ولكن وبتوجيهات رئيس مجلس السيادة ونائبه وبتعاون وتنسيق مع وزير المالية وبتعاون ملموس وتفاهم من وكيل المالية الأستاذ عبد الله إبراهيم، ومحافظ بنك السودان أستطيع أن أقول إن حوالي  (٩٠%) من الحقوق المتأخرة للسفارات خلال الثلاثة أعوام الماضية، قد تمت تسويتها. وزارة المالية أوفت بكل ما عليها من تمويل لبنك السودان، بنك السودان لديه مشاكل في العملة الصعبة ورغم ذلك تمكَّن من تحويل الجزء الأكبر من الاستحقاقات للسفارات من الجنيه السوداني للدولار، ويمكن أن أقول إننا تجاوزنا هذه المشكلة وتبقى لنا استحقاق أربعة أو خمسة أشهر، هي قيد المعالجة في بنك السودان. لهم منا الشكر وهو عمل يصب في مصلحة السودان، لأن هذه السفارات حائط الدفاع عن البلاد في الخارج وهي في ذات الوقت آلية من آليات دعم الاقتصاد في مختلف الصور  والمجالات.

*وماذا عن دفع اشتراكات السودان في المنظمات الإقليمية والدولية، كثيراً ما تردِّد حرمان السودان من المشاركة في أنشطة تلك المؤسسات الدولية والإقليمية جراء عدم تسديد المستحقات؟

تسوية مشاكل البعثات المالية مرتبط –أيضاً- بالوضع المالي للاشتراكات في المنظمات، فقد تمت تسوية الجزء الأول من الاشتراكات في المنظمات الدولية والإقليمية وما تبقى قيد المعالجة.

*تذمُّر وإحباط أصاب كثيراً من الدبلوماسيين والعاملين بالوزارة جراء المماطلة الإدارية في ترقياتهم، لماذا هذا التباطوء الإداري؟

أمر مؤسف وغير معهود أن يتأخر أمر الترقيات، ولكن يعزى ذلك للتطوُّرات الكبيرة  التي حدثت في وزارة الخارجية الفترة الماضية، خاصة العامين الماضيين،  كثيراً ما تشكَّلت لجان للترقيات ويتم تسمية أعضائها، وكان ينبغي أن يعكفوا على دراسة ملفات المترقين وترفيعهم للدرجة الأعلى، ولكن كل مرة تتأخر. أنا أعد جميع الأخوة العاملين بالوزارة بأننا قريباً جداً سيتم تشكيل لجان الترقيات لترفيع الذين تضرَّروا .

* معظم البعثات الخارجية ظلت لأكثر  من عامين تُسيِّر أعمالها على مستوى قائم بالأعمال هل أثَّر ذلك على الأداء العام، ومتى يتم ملء الفراغات في رئاسة البعثات؟

صحيح هذا -أيضاً- مرتبط بما شهدته البلاد، تقريباً منذ ثورة ديسمبر ٢٠١٩م، لم تتم تسمية سفراء خلفاً لمن تم إعفاؤهم أو نقلهم لرئاسة الوزارة. نحن -الآن- بدأنا في تصحيح هذا الوضع، حتى -الآن- غادر (١٤) سفيراً،  في الأيام الماضية والأيام القليلة القادمة ستغادر دفعة أخرى. ويمكن بعدها خلال شهر أو شهر و نصف تغادر دفعة ثالثة وبذلك نكون غطينا جزءاً كبيراً جداً من الفراغ في السفارات، الكل يعلم أهمية وجود سفير في أيِّ سفارة، لأن القائم بالأعمال قد لا يتمكَّن من الوصول إلى مراكز صنع القرار في الدولة التي يمثلها وبالتالي يحرم  السودان أو القائم بالأعمال من كثير من فرص الاتصال والتفاهم مع الجهات الرسمية أو الشعبية وحتى على مستوى  رجال الأعمال والشركات. سوف نستمر في العملية في ملء الفراغات في السفارات حتى تستكمل قبل نهاية أغسطس القادم.

*هنالك من يرى أن كثيراً من الملفات الخارجية مختطفة من قبل أطراف أخرى  وتتحرَّك فيها بعيداً عن الخارجية، ما هو تعليقك؟

عمل الخارجية صراحة عمل متداخل مع كثير من الجهات على سبيل المثال لدينا في كل سفارة قسم قنصلي يهتم بمعالجة  شؤون الهجرة للسودانيين، أوضاعهم  ومعاملاتهم، هذا النشاط يتحرَّك فيه جهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج. في جنيف مثلاً مجلس حقوق الإنسان نحن أعضاء فيه، ملف حقوق الإنسان صحيح هو من صميم عمل وزارة العدل، ولكن مسألة حقوق الإنسان في المنابر الدولية لا علاقة لها بالعدل أو القضاء، هي قضايا سياسية بحتة، لذلك هنالك تداخل في هذا الجانب. كذلك مسائل الأمن     والدفاع والمعلوماتية نتشارك فيها مع جهات أخرى. يمكن أن أقول: ليس هنالك  اختطاف لملفات ونؤكد أن التنسيق يجري بيننا وتلك الجهات بصورة سلسة ولم نحس بأن هنالك مشكلة تُعطِّل العمل أو تضر بمصالح السودان، لأن كل تلك الجهات يجمعها مصلحة السودان والعمل من أجل رفعته ورفع الضرر عنه.

*في تقديرك ماهي أبرز التحديات التي تواجه العمل الخارجي الآن؟

معظم التحديات التي تواجه العمل الخارجي مرتبطة بالداخل. إذا أخذنا مثلاً تعليق عضوية السودان في الاتحاد  الأفريقي، هذا مرتبط بتجاوز الأحزاب والقوى السياسية والتنظيمية ذات العلاقة بالحراك السياسي والانخراط في حوار جاد يضع مصلحة الوطن فوق الكل، من أجل التوصل لحكومة متوافق عليها وبالتالي يتم رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، وقس على ذلك، كثير من الدول الغربية أوقفت مساعدتها بالذات التنموية و(ليس الإنسانية لأنها لم تتوقف) وربطت استئنافها بقيام حكومة مدنية واستكمال التحوُّل الديموقراطي وهي شروط بصورة أو أخرى، كل ذلك ينعكس علينا نحن في وزارة الخارجية. لذلك نحث كل الأطراف السودانية بلا استثناء أن تضع مصلحة السودان نصب أعينها وأن تساعد في الحوار بصورة جادة تؤدي للهدف المنشود وهو تكوين حكومة مدنية لاختيار رئيس وزراء مدني والتعهد باستكمال الفترة الانتقالية والتحوُّل الديموقراطي وصولاً لانتخابات وتسليم السلطة لحكومة حزب أو أحزاب مؤتلفة.

* الحكومة الحالية أبدت تحفظات على البعثة الأممية ورئيسها، بل هدَّدت بطردها   لماذا هذا التحفظ وهل فعلاً البعثة تجاوزت التفويض؟

نحن فعلاً لدينا ملاحظات في أداء البعثة الأممية لدعم السلام والانتقال الديموقراطي في السودان (اليونيتامس)، الآن تجرى في نيويورك محادثات مكثفة بين كل الأطراف وأعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين وأصدقاء السودان من أجل النظر في تجديد تفويض البعثة لمواصلة عملها، نحن مآخذنا على البعثة تضمنتها مصفوفة تحدثنا عنها كثيراً  أعدتها الوزارة بالتنسيق مع جهات أخرى في الدولة، وتم تسليم المصفوفة للأمين العام للأمم المتحدة تشير كلها لتحسين أداء البعثة، وقد اعتمدت الأمم المتحدة هذه المصفوفة وثيقة أساسية من وثائق الأمم المتحدة التي ستكون مرجعاً في وضع معالجات عمل البعثة. نحن نرغب في بعثة لمساعدة السودان في الانتقال السياسي والتحوُّل الديموقراطي. هذه البعثة جاءت بطلب من حكومة السودان وموجودة بموافقة الحكومة السودانية وتعمل بتنسيق مع الحكومة في كثير من جوانب عملها .

نحن نريدها أن تعمل وفق التفويض الممنوح لها، لا نرغب في بعثة تمارس الابتزاز والضغط والإملاء على السودان والتدخل في الشؤون الداخلية. صحيح جاءت بتفويض من مجلس الأمن يخوِّل لها مساعدة السودان في التحوُّل السياسي وتطوير الحكم المدني الديموقراطي       وحقوق الإنسان والسلام والمساعدة في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة في هذا الصدد وأهم من ذلك حشد الدعم والمساعدات الاقتصادية التنموية وتنسيق المساعدات الإنسانية، وصحيح عمل البعثة تعثَّر بتجميد الدول الغربية لجزء من مساعداتها للسودان, لكن هنالك الكثير يمكن للبعثة أن تفعله لكنها آثرت أن لا تحرِّك ساكناً  وركزت فقط على المسار السياسي، هذا المسار على أهميته يجب أن لا يلغي الجوانب الأخرى.

* شهدت الفترة الأخيرة تحرُّكات نشطة لتطوير ودفع العلاقات مع موسكو في مسعى أعتبره مراقبون عودة لنهج المحاور  من جديد كيف تقرأ الخطوة؟

علاقة السودان مع موسكو قديمة وراسخة وجيِّدة ولم يعترها ما يعكر صفوها، هنالك اتصالات تجرى على مستويات عليا بين البلدين ونتبادل كثير من المصالح التجارية والاقتصادية وغيرها، نحن راضون عن علاقاتنا مع موسكو .

*وكيف تقيِّم العلاقات مع الدول العربية  والأفريقية تحديداً في ظل تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي؟

علاقاتنا مع الدول العربية مستقرة، يمثِّل العرب محيط السودان الإقليمي بجانب المحيط الأفريقي، نحن فخورين بانتمائنا العربي الأفريقي ونحرص على إقامة علاقات جيِّدة مع المجموعتين، هنالك تبادلات اقتصادية وتجارية بين السودان  والمجموعتين. الفترة القادمة سنعمل على تعزيز علاقتنا مع القارة الأفريقية خاصة نحن نترأس الإيقاد، صحيح هي مجموعة تضم سبع دول، لكنها مهمة في هذا الجزء من القارة، وقطعاً السودان سيستعيد يوماً ما، مقعده في الاتحاد الأفريقي، نأمل أن يكون قريباً، وهي العقبة الوحيدة التي تقف في طريق تفاعل السودان مع القارة الأفريقية، هذا على مستوى الدبلوماسية متعدِّدة الأطراف.

أما على مستوى العلاقات الثنائية علاقاتنا على أحسن ما يكون جيِّدة ونسعى لتطويرها لما يخدم مصالحنا تلك الدول كل على حدة.

* الولايات المتحدة تعد الأكثر دعماً ومساندة لثورة ديسمبر والحكومة الانتقالية  لكن العلاقات باتت فاترة بعد إجراءات  الخامس والعشرين من أكتوبر، كيف تقرأ المشهد؟

صحيح علاقاتنا مع الولايات المتحدة ليست على ما يرام، لكن رغم ذلك لم تنقطع العلاقات هنالك زيارات متبادلة من الجانبين الأمريكي والسوداني وشَعَرة معاوية مازالت قائمة. صحيح أمريكا كانت أكثر الداعمين للتغيير والتحوُّل الديموقراطي وما تزال على موقفها ومستعدة للتعاون لدعم السودان حالما تشكَّلت حكومة مدنية واستكمل التحوُّل الديموقراطي، انتهاءً بالانتخابات. وهذا بصورة أساسية يعتمد على جهات أخرى ليس الحكومة وحدها وإنما يعتمد على أطراف مشاركة في الحوار الوطني الشامل، حالما يتم التوافق على ما هو مطلوب – الحكومة قطعاً داعمة له _  وهذا الحوار سيفضي لتشكيل الحكومة    وتزول بالتالي عقبة رئيسة في طريق تطوير علاقاتنا مع الولايات المتحدة.

واشنطن رشحت سفير لها للخرطوم هل لا يزال قيد الاعتماد الرسمي؟

نعم، الولايات المتحدة رشحت سفيراً مقيماً بالخرطوم قبل فترة، لكن ربما لانشغال الكونغرس بقضايا داخلية لم يتم إكمال ترشيح السفير عبر جلسة الاستماع  المعهودة التي يعتمد فيها الكونغرس السفراء المعتمدين بالخارج  مؤخراً وتحديداً الأسبوع الماضي، تم عقد هذه الجلسة للسفير ومن المقرَّر وصوله في أيِّ وقت، نحن كذلك رشحنا سفيراً  وفي انتظار موافقة الإدارة الأمريكية على هذا الترشيح حتى يباشر عمله ويعمل على تطوير العلاقات بين البلدين.

* كثير من منسوبي الوزارة يجأرون بالشكوى من الأوضاع المتردية بالوزارة كيف تُقيِّم بيئة العمل بالخارجية؟

نعم، الأوضاع صحيح متردية الوزارة تتكوَّن من ثلاثة أبراج فيها حوالي خمسة مصاعد، كثيرة الأعطال وقِطَع غيارها عالية التكلفة، هذه المصاعد كثيرة العُطل والتوقف ما يجعل العاملون يصلون لمكاتبهم عبر السلالم. هذا الوضع عملنا على معالجته، لكنها معالجات مؤقتة، كذلك هنالك مشكلة تتعلق بالتكييف في اثنين من أبراج الوزارة كثيرا الأعطال، عدم توفر التمويل يحول دون تمكُّن الوزارة من معالجة هذه المشاكل، وكذلك الصيانة العامة، هذه الوزارة لم تتم صيانتها منذ عدة سنوات، ولذلك نرى أن كثيراً من الأبواب والحيطان مهترئة لا يليق منظرها بوزارة الخارجية، ولكن رغم التعثُّر المالي للوزارة لن نقف مكتوفي الأيدي وسنعمل بما لدينا من إمكانات وجهود ذاتية إصلاح ما يمكن إصلاحه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى