منى  أبوزيد تكتب : في الديَالكْتيك الطَّبَقي..!

24مايو 2022م

“ذكر الناس أن الربح هو الفارق بين الدخل والتكلفة، فهذا يجعلك تبدو ذكياً”.. سكون آدمز..!

قالت صاحبتي وهي تحاورني “ما تخشِّي معانا صندوق”. أعربتُ عن قلقي من  طبيعة الضائقة المالية التي تمسك بتلابيبها، فقالت إنها وزوجها سينفقان “الصرفة الأولى” على رحلة استجمام بالخارج هرباً من ضغوط العمل. سألتها “ألا ترين في تسديد كل تلك الأقساط بعد العودة من رحلتك السياحية لوناً فاقعاً من ألوان الضغوط”؟. كان سؤالي اقتصادياً إمبريقياً بحتاً لكنها تجاهلته مكتفية بإطلاق صوت عصيّ على الكتابة..!

قبل أن يجف قبر حيرتي متَّعتني “نعيمة الحنَّانة” بالدهشة وهي تعرض علي جهاز موبايل فاقع لونه يسر الناظرين، أجج حديثها عن “أوبشناته” الخطيرة معاناتي الدائمة مع رهاب التكنولوجيا. كانت تحدثني عن “صرفة الصندوق” التي أنفقتها في تسديد ثمنه الباهظ وهي تشيح بكبرياء دوقة إنجليزية فلم أجد مناصاً، أعدتُ سؤالي الاقتصادي الإمبريقي البحت على مسامعها، فعاجلتني نعيمة بإصدار غمغمة ساخطة غير قابلة للنشر..!

 

هذا هو إذن الحال الذي آلت إليه “صرفة الصندوق النبيلة” التي كانت تلعب دوراً عظيماً في تفعيل الديالكتيك الطبقي في السودان “خدمة نزوات السلوك الاستهلاكي البحت في مجتمع يعجز سواده الأعظم عن تأمين ضرورات الحياة”، إنّها ولا شك أخلاقيات الانفتاح التي جعلت من احترام الآخر سِلْعَةً تُشترى بالمظهر. نحن نواجه اليوم أخطر تبعات إنقاذ رقابنا بالقوة وتحرير اقتصادنا بالضربة القاضية..!

 

العلاقة الطردية بين مُستوى الدخل ومقدار الديون مفارقة طريفة أنتجتها سياسات حكومة الإنقاذ التي فتحت الغطاء وحرّرت مارد الدَّين من قمقمه، ثم فكت الارتباط بينها وبين المواطن. ولأن الشعوب على دين حكامها، فقد أصبح عجز الميزانية هو أكبر مشكلات إنفاق الأسرة السودانية التي يتدبِّر أمرها مواطن أقرع ونزهي، فقير واستهلاكي، مثل حكومته تماماً..!

واقعنا الاقتصادي يقول إنّ القُروض قد باتت مطلباً أساسياً في عالم الأغنياء بالوراثة والأغنياء بالمناصب، وهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فالسلف عند هؤلاء ليس تلفاً، بل هو الوجه الآخر للثراء. ذات الواقع يقول إنّ العيش مع النقص والحاجة هو حال فقرائنا الذي رضيَ عنهم ورضوا عنه، أما متوسطو الدخل في بلادنا فهؤلاء هم أمَة الحكومة التي ولدت ربَّتها. هم أبناء الطبقة التي متى ما نهضت بمعناها السليم وُجدتْ الديمقراطية، لكنها اليوم طبقة مُتآكلة انحسر دورها في تبني القضايا وإدارة دَفّة الحراك السياسي إثر علَّة أصابت تركيبنا الطبقي، فأصبحنا إما فقير مطحون أو غني “مديون”..!

جمهورية محدودي الدخل هي التي تصنع التيارات السياسية وهي التي تقود دفة الإصلاح الاقتصادي، فتجنب مجتمعاتها شرور تقلبات الساسة وانقلابات العسكر ونوازع ثورات الجياع. الطبقة الوسطى – بحضورها الديناميكي الحق وليس الاستهلاكي الذي نشهد – هي ضالتنا التي لن تشيح بوجهها عن أي سؤال اقتصادي إمبريقي بحت..!

 

 

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى