معاناة ذو الفقار أنموذجاً.. الجنيه السوداني في غرفة الانعاش

 

خبراء : لن تعود العافية للجنيه مالم تهتم الدولة بالإنتاج

مواطنون: الحكومة فشلت في ضبط السوق الموازي

محلِّل ضريبي : العملية الإنتاجية الجيِّدة تتطلَّب دولة راشدة

تحقيق : انتصار فضل الله. 23 مايو 2022م

حالة تصاعد غير مسبوقة للدولار أمام الجنيه السوداني، ظلت مستمرة بشكل متسارع وغريب، سجل خلالها ارتفاعاً جنونياً في سوق العملة منذ العام 2018م حتى تخطى حاجز 500 جنيه .

وصف متحدِّثون لـ” الصيحة ” مايحدث في سوق الدولار بالمزعج، وقالوا: إن انخفاض الجنيه مقابل الدولار غيَّر في نمط حياة السودانيين .

1

مع شروق شمس صباح كل يوم، يترقب ذو الفقار – 65 عاماً، يمتلك ” دكان” بأم درمان – حركة الدولار الأمريكي في التداول اليومي لسوق العملة .

تجده كثير الاستفهامات كلما حضر إليه الجيران من الزبائن، فلا يريد أن تغيب عليه صغيرة أو كبيرة بشأن ما استقرت إليه العملة خلال اليوم، ثم يلتفت نحو “كرتونة “أسفل “رف ” عبوات ” الشاي” فيحمل دفتره المعني ” بديون” الزبائن، ليضع الزيادات أو يثبِّت السعر المعروف على البضاعة وفقاً للدولار.

يظل على هذه الحالة كل يوم، تارة يحجم عن شراء بضاعة ويقوم بإغلاق دكانه ومرة يبيع بوضع فرق السعر.

2

لكن ذوالفقار، لم يصمد طويلاً، فالصعود المستمر للدولار مقابل إحجام المواطنين عن شراء كثير من السلع مثل “لبن البودرة، المعلبات “ساردين، تونة، فاصوليا وأنناس”، وغيرها من المعلبات، تسبب له في خسائر فادحة، كما تلفت بعض السلع، فأوصد أبواب دكانه قرابة شهر وسافر إلى بلدته في ولاية الجزيرة بغرض الزراعة.

قال ذو الفقار لـ” الصيحة “: الوضع في السودان طارد جداً وغير محتمل، بسبب تحكم الدولار في معاش الناس وحياتهم ومساهمته في انفلات السوق، وقال إنه سبب في زيادة طمع وجشع التجار ورغم الزيادات التي تطرأ على السوق فإن المكاسب لا تساوي 1%، لذلك اتجه للزراعة .

تابع: ” يضع 90% من التجار زيادات غير مبرَّرة على بضاعة مخزَّنة ومكدَّسة في المحال التجارية، قائلاً: الدولار بريئ منها، مناشداً بضرورة ضبط السوق وتخفيف معاناة المواطنين .

ذو الفقار، ليس الوحيد الذي يقلق بسبب كابوس الدولار، فقد تسلَّل كما ” الشيطان” وسرق النوم من أعين معظم السودانيين فأصبح الهم الأول والأخير توفير الغذاء بعد أن ارتفعت أسعاره بصورة لا يقوى أحد على شرائه .

3

ابتدرت المواطنة فاطمة جبريل، حديثها مع (الصيحة) متسائلة متى ينتهي مسلسل الدولار؟

قائلة: أصبحت حياة المواطن مرهونة بانخفاض وصعود العملة، وأردفت: أصبحنا سجناء ومقيَّدين بجنازير العملة الأجنبية وضعف قوة الجنيه السوداني “عديم الفائدة” حسب حديثها.

وأردفت: “طالما أن الدولار فارض سيطرته على دولة بأكملها الأفضل أن نعتمده عملة محلية ويتم إلغاء التعامل بالجنيه” الذي ينتظر التشييع إلى مثواه الأخير.

4

ضم الطلاب ” أيمن الزبير، رجاء أنور وحامد فضل ” كلية الآداب جامعة الخرطوم أصواتهم إلى صوت فاطمة، مناشدين باعتماد الدولار عملة وطنية، نظراً أنه مهدِّد أساسي للوضع الاقتصادي، واتهم أحدهم تجار العمل بأنهم سبب ” البلاوي “.

فيما برأ تجار عملة التقتهم الصحيفة، أنفسهم من أزمة الجنيه، وأشاروا إلى أن السياسات النقدية والمالية أفقدت الجنيه قيمته بالكامل، ولم يحدث أن تعافى من الداء الذي أصابه .

وأفاد الرشيد أبوبكر، تاجر عملة، بإمكان السلطات التحكُّم في العملة لكنها لا تريد، لأن معاش الناس لا يعني لهم الكثير، ما جعلهم كتجار عملة في وجه العاصفة تتم محاربتهم بشكل دائم.

5

ونادى أبوبكر، كل المعنيين والمختصين بالجلوس ومناقشة القضية لمعرفة مكان الخلل وما وراء العلة، والعمل على استعادة هيبة الجنيه.

أقر تاجر أجهزة إلكترونية ببرج “البركة” وسط الخرطوم، نصر الدين سليمان، بأن الزيادة تبدو غير طبيعية، وقال: ساهم فيها المواطنون الذين قاموا بشراء الدولار عندما كان منخفضاً واكتنازه في المنازل.

وأشار إلى افتقار البلاد إلى موارد دولارية أساسية، وإلى تدهور كل القطاعات الحيوية من سياحة وزراعة وصادرات وغيرها، بالإضافة إلى توقف المشاريع والمنح والقروض التي توقفت جراء إجراءات 25 أكتوبر.

6

في فلذكة تاريخية سريعة يقول اقتصاديون ومصرفيون: بدأ أول انخفاض للعملة السودانية أمام الدولار سنة” 1978م ” بعد أن تدخَّل البنك الدولي في العملية الاقتصادية في السودان.

وطالب حكومة نميري آنذاك بأن يتم تخفيض العملة الوطنية، حيث كان الدولار يعادل 35 قرشاً، سودانياً، وقتها والجنيه السوداني كان يساوي قرابة الثلاثة دولارات.

وأضافوا: منذ تلك الفترة بدأ الجنيه السوداني في التدحرج أمام الدولار إلى يومنا هذا.

ورهنوا، عودة العافية للجنيه بنهوض قطاع الإنتاج وتشجيعه من جانب الحكومة وإيقاف التهريب ومحاربة الفساد الإداري وهيكلة المصارف ومحاربة تسليع الدولار.

7

قال الخبير الاقتصادي أبوزيد كرار:

العامل الأساسي في ارتفاع الدولار هو الطلب المتزايد عليه، وفشل الحكومة في ضبط السوق الموازي، بالإضافة لظاهرة تهريب العملة وتراجع التدفقات من النقد الأجنبي جراء الأزمة السودانية الراهنة.

وأشار إلى الدور السالب لإيقاف المقاصة الدولية وإيقاف القروض والمنح وضعف السياسات الخاطئة التي تركها نظام الإنقاذ البائد وانعدام الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية حتى وصلت مرحلة الـ”زيرو” في تفاقم الوضع المعيشي.

وأشار كرار، إلى وجود مافيا متحكِّمة في سوق العملات، قال: يجب الانتباه إليها ومحاربتها بكافة الوسائل، لافتاً

إلى دور الوجود الأجنبي في ضيق المعيشة من خلال مشاركتهم الشعب كل شيء “الغذاء، الماء، السكن والصحة .

واستغرب أن يكون السودان الدولة الوحيدة التي يتمتع فيها الأجنبي بحقوق المواطنة .

8

وقال كرار: حان الوقت لتغيير السياسات من خلال الاستفادة من دخول الوجود الأجنبي بالبلاد وفرض إجراءات ضريبية وغيرها من الرسوم التي تساهم في تحصيل نسبة محدَّدة من دخولهم لتغذية خزينة الدولة، كما يحدث في كثير من بلدان العالم، مشدِّداً على تقنين الوجود الأجنبي .

فيما تحدَّث المصرفي حسن إبراهيم، إذا أردنا البحث عن أسباب تدهور العملة الوطنية أمام العملات الصعبة نجد أن هناك اختلال كبير في ميزان المدفوعات الخارجية.

وأوضح أن هذا الميزان هو الحصيلة ما بين الصادرات والواردات قائلاً: بالتالي من أوجب الواجبات الآن أن تقوم الحكومة بإعادة التوازن للاختلال الذي يشهده ميزان المدفوعات الخارجية ما بين الصادرات والواردات من خلال تعظيم الصادرات والتقليل من الواردات بقدر المستطاع.

ودعا إلى دعم الطاقة لتقليل تكلفة الإنتاج وتشجيع العاملين بالخارج لتحويل مدخراتهم وإيجاد حوافز تشجع التحويلات وتقليل جلب العملات الأجنبية في السودان مع رفع قدرات الكوادر المحلية.

9

ويقول المحلِّل الضريبي محمد سعد لـ”الصيحة “: لرفع قدرة الجنيه السوداني لابد من إجراءات أولها تحسين قطاع الإنتاج والاهتمام به، وتقليل تكلفته مع مراعاة الجودة والتعبئة للتنافس في السوق الإقليمية والدولية لتنافس الأسواق العالمية في السعر.

مؤكداً على عامل الجودة لتحقيق عائد صادر جيِّد، و على رفع الرسوم الجمركية من السلع الكمالية المستوردة.

وأضاف: بلا شك أن العملية الإنتاجية الجيِّدة تتطلب دولة راشدة تمتلك خطط وبرامج واضحة لعملية الإنتاج بشقيها الصناعي والزراعي والتعديني.

وربط هذا بامتلاك بنية تحتية للإنتاج الذي شهد تدمير في الآونة الأخيرة.

10

فيما أشار المحلِّل الاقتصادي عمر ياسين، إلى عامل أسهم في تراجع الجنيه وقفز بالدولار هو معدن “الذهب “.

قائلاً: يواجه الذهب مشكلة تهريب كبيرة، لافتاً لعدم ظهور نتائج عائدات صادر الذهب في الموازنة بالشكل المعلن عنه.

ويرى أن السبب الأساسي وراء ظاهرة التهريب، الفساد الذي يشهده القطاع، بالإضافة إلى إعطاء النظام البائد قيمة متدنية أقل من سعر البورصة العالمية بكثير في السعر للمنتجين.

وتابع: هذا أدى لإحجام المنتجين عن التصدير عبر القنوات الرسمية وعبر الصادر ودفعهم لعدم توريد حصائل الصادر إلى بنك السودان المركزي لوجود فرق كبير جداً في القيمة السعرية ما بين البورصة العالمية وما يدفعه لهم المركزي لذلك قاموا بتهريب الذهب وبيعه بالسعر العالمي للاستفادة من فرق السعر كأصحاب حق.

**

يتضح مما ذكره كل المتحدثين، عوامل كثيرة أدت لارتفاع مفاجئ للدولار في فترة سابقة من 98 إلى مبلغ تراوح بين (118 ـ 120) جنيهاً، ثم توالى الارتفاع إلى أن تعدى السعر 570 جنيهاً

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى