شهوة السلطة

*قبل سنوات قليلة، كان أحد الدعاة العرب في زيارة للسودان، وتسهيلاً لحركته في شوارع الخرطوم خصص له رجل شرطة مرور ليسير أمامه من أجل عدم إضاعة الوقت.

*وبعد انتهاء زيارته قال لأحد مرافقيه وهو يودعه في مطار الخرطوم “الأيام التى قضيتها في بلدكم أشعرتني بعظمة السلطة، وأنا أرى أمامي من يفتح لي الطريق”.

*أيام معدودة جعلت من شيخ يحفظ القرآن وسيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ودخل في نفسه شيء من عظمة السلطة، لا لشيء سوى أن هناك من يفتح له الطريق ويسهل حركة تنقله، ولم تكن في يده مقاليد الأمور وإصدار الأوامر فيها.. إنها السلطة.

*وشهوة السلطة معروفة منذ عهد صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والصراع حول الخلافة خاصة بعد وفاة الخليفة الأول سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه.

*وفي أواخر الخلافة الأموية كان الصراع محتدماً في الأندلس التي كانت إمارة لبني أمية، وحتى ينتهي الصراع فيها اختير يوسف الفهري ليكون أميراً في قرطبة عاصمة الخلافة في الأندلس، وكان الفهري هذا منقطعاً للعبادة بعيداً عن قرطبة، ورفض في بادئ الامر مخافة المسؤولية في الحكم، ولكن في النهاية نجح الصميدي بن حاتم في إقناعه، وقال له  “سنكون جميعاً معك”.

*كان الحاكم الفعلي للأندلس في تلك الفترة الصميدي والذي عرف بـ”ابجوشن” ولم يكن الفهري سوى تابع له، ولكن بعد مرور سنوات عديدة من الجلوس على كرسي الإمارة تغير حال الفهري وأصبح محباً للسلطة أكثر من الصميدي.

*وحينما جاء إلى الأندلس عبد الرحمن بن معاوية “صقر قريش” لإقامة دولة بني أمية في المغرب بعد زوالها في المشرق على يد العباسيين وقف الفهري ليقاتل من أجل الكرسي وليس حباً في الإسلام أو خوفاً من الله كما كان في بداية عهده.

*حلاوة السلطة جعلت الفهري يرمي بأبنائه وقومه في المهالك حتى قتل هو وابنه الأكبر، ليستمر عبد الرحمن الداخل في بناء دولة بني أمية في الأندلس والتي شهدت تطوراً كبيراً في عهده وصل إلى ذروته في فترة أبنائه من أمراء الأندلس.

*لم ينته عهد الدولة الأموية القوي في المغرب، إلا بعد أن حكموا عقوداً من الزمان في الأندلس، وكانوا حينها هم الأقوياء وتهابهم كل الممالك التي بجوارهم، ولم ينته عهدهم إلا بعد ظهور محمد أبو عامر “الملك المنصور” الذي أسس الدولة العامرية، وبعدها ظهر ملوك الطوائف، ثم المرابطون والموحدون لتنتهي الأندلس التي حكمها الأسلام لعقود طويلة.

*في كل هذه الفترات كانت السلطة وشهوتها هي الحاضرة والقريبة، والاإسلام بعيد عنهم، وهم الأقرب لظهور الرسالة منا نحن الآن في الالفية الجديدة.

*من يبعد عن السلطة وشهوتها هو القوي الأمين ولا يفعل هذا إلا من امتلأ قلبه بالإيمان ولم يدع مجالاً للشيطان في نفسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى