وقّع عليها ممثلو (79) حزباً وحركة مسلحة وتبرّأت منها أحزاب الوثيقة التوافقية.. هل بيدها الحل؟

الخرطوم: آثار كامل    21 ابريل 2022م 
ليس بإمكان أحد التكهُّن بما ستنتهي إليه الرمال السياسية المتحركة باستمرار في البلاد، ولا إلى أين تتجه بها الرياح، فقد اتسعت رقعة انسداد الأفق السياسي بصورة غير مسبوقة، وتشعّبت الأزمة الى حالة من التمترس والدخول في نفق مظلم، فما زالت الأزمة السياسية أمام مأزق حقيقي في ظل اتساع رقعة الخلاف بين الشارع بما فيه من قوى سياسية مؤثرة والمؤسسة العسكرية بكل مكوناتها، وفي ظل البحث عن مخرج عبر الحوار والمبادرات، ظل الكل في حالة من الانتظار ربما تفضي الى جلوس الكل في حوار لتهيئة المناخ السياسي في ظل تمسك الشارع باللاءات الثلاثة، ودعوات البرهان ووعوده المفتوحة وتمسك القوى السياسية بموقفها والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، نظل أمام سيناريوهات مفتوحة التوقُّعات والنتائج.
ووسط كل تلك الرمال المتحركة، وقع أمس الأول رؤساء وممثلو (79) من الأحزاب والحركات المسلحة ومبادرات حل الأزمة على (الوثيقة السودانية التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية) خلال مؤتمر صحفي بمنبر سونا كمبادرة لحل الأزمة السياسية في السودان وتحقيق توافق وطني لإنجاح الفترة الانتقالية بالسودان، ونصت الوثيقة على إعادة الثقة بين كل الاطراف من خلال اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وانفاذ اتفاقية سلام جوبا، والتأكيد على سودانية الحوار بين الأطراف، بجانب توسعة دائرة المشاركة السياسية لكل مكونات الفترة الانتقالية ما عدا المؤتمر الوطني المحلول، بالإضافة الى تدابير لصياغة وثيقة دستورية توافقية جديدة لمطلوبات الفترة الانتقالية، كما أكّدت الوثيقة على مبدأ الشراكة بين المكونين العسكري والمدني وأطراف اتفاقية جوبا طوال الفترة الانتقالية وخفض عَدَد أعضاء مجلس السيادة، ونجد أنّ أبرز الأحزاب المُوقّعة حزب الأمة القومي والاتحادي الأصل ومجموعة التوافق الوطني وحركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي وتجمع قوى تحرير السودان وحركة العدل والمساواة.
ربكة وثقة
يرى مُراقبون بأنّ هذه الوثيقة ستعمل على إحداث ربكة في المشهد، خصوصاً بعد أن سارعت بعض الجهات بإصدار بيانات والتبرؤ منها، بينما يرى آخرون بأنه ربما تعمل الوثيقة التوافقية على مُعالجة بعض المسائل الأساسية في ظل المشهد المأزوم والمُعقد، وأضاف المراقبون بأنّه يجب الترحيب بأيِّ خطوة يُمكن أن تعزُّز الثقة بين الأطراف وتدخلهم في حوار جادٍ يقود إلى تحوُّل ديمقراطي وتوحد القوى السياسية.

تنصل الأحزاب وتمترس المقاومة
علقت لجان المقاومة على ما تم بأنه عبر عن اتفاقيات فوقية لا تؤثر عليهم، بجانب التزامهم بميثاق سلطة الشعب، وقال المتحدث الرسمي للجان المقاومة وتنسيقيات مدينة الخرطوم، أحمد عصمت، إنّ الاتفاقيات الفوقية التي تبرم بين المكونين العسكري والمدني لا تعني لجان المقاومة في شيء، وأكد ان لجان المقاومة ملتزمة بميثاق سلطة الشعب، ونفى عصمت في حديثه لـ”الجريدة” جلوسهم مع حزب الأمة القومي، ونوه عصمت إلى أن لجان المقاومة أجسامٌ شعبية ديمقراطية منتشرة في كافة أرجاء السودان ولديها مكاتب في الولايات ومُهمّتها تنسيقية فقط، وأضاف أن هذه العضوية الكبيرة يُمكن أن يجلس شخص مع إحدى اللجان ويقول “جلسنا مع لجان المقاومة فيما تنصّل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل عن توقيع “محمد المعتصم” باسمه على الوثيقة التوافقية، وأصدر بياناً نفى فيه توقيعه على الوثيقة التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية، وقال الحزب في البيان إنه لم يفوض أي عضو من أعضائه للتوقيع على الوثيقة، مؤكداً في الوقت ذاته دعمه لأي أعمال من شأنها الوصول إلى توافق سياسي.
فيما أصدر حزب الامة القومي، بياناً ممهوراً بتوقيع الواثق البرير الأمين العام والناطق الرسمي للحزب، أكد فيه بأن الوثيقة التوافقية لم تعرض على مؤسسات الحزب، وتوقيع برمة ناصر عليها لا يمثل موقف المؤسسات الحزب، وأوضح البيان أن حزب الأمة القومي انتهج مبدأ التواصل مع كافة القوى السياسية من منطلق حرصه على الخروج من الأزمة الوطنية، وأطلق عملية تشاور واسعة حول الوضع الراهن في البلاد، وتشكيل جبهة وطنية عريضة لإنهاء الانقلاب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي، وقال البيان إن موقف حزب الأمة القومي المعلن واضح ومبني على خريطة الطريق التي أعلنها في ديسمبر 2021م والمجازة من مؤسساته.

ونفى تجمُّع قوى تحرير السودان وحركة جيش تحرير السودان (المجلس الانتقالي)، التوقيع على الوثيقة التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية، وأضافت الحركتان في (بيان) عن دعمهما لكل المجهودات المبذولة في إطار طرح المبادرات الوطنية لإخراج البلاد من النفق المُظلم، ونؤكد بأننا لسنا طرفاً في عمليات التوقيع التي تم على هذه الوثيقة، وجددتا حرصهما التام عبر مبادرة الجبهة الثورية لإيجاد مخرج للأزمة السياسية السودانية، وأكدتا أن مبادرة الجبهة الثورية ستمضي إلى أن تحقق توافقا سياسيا وفقاً لبرامجها المطروحة، وصولاً إلى توافق سياسي بين جميع الأطراف لمصلحة السودان أولا، بينما وصف الحزب الجمهوري خلال بيان اطلعت (الصيحة) على نسخة منه بأن التسويات والمبادرات المطروحة بالساحة من القوى الخارجية والداخلية غير مؤهلة جميعها لمواجهة الأزمة التي تمر بها البلاد، ووصف البيان بأنّ الشراكة مع العسكر لن تفضي الى شيء سوى ان تجعل تلك المبادرات بمثابة اعداد للمسرح لإعادة إنتاج المزيد من الأزمات، ولفت بأن أي مبادرات ومشروعات لا تنبع من قوى الثورة الحية من لجان المقاومة وأجسام ثورية وقوى سياسية ومهنية ومدنية تتبنى التغيير الجذري ليست ذات جدوى، بل تسهم في دعم القوى الانقلابية، مؤكدين استمرارهم مع القوى الثورية الحية.

عدم ترتيب وتوافق
يرى المحلل السياسي محمد النور بأن المشهد الآن يعج بالكثير وغير مرتّب في ظل المبادرات والدعوات لحوار سوداني توافقي، ولكن نجد بأن الظروف تأتي مواتية بعكس ما نريد، وترجم النور ذلك في الوثيقة التوافقية التي تم التوقيع عليها والتي سارع البعض التنصُّل منها لتقديرات، وأضاف خلال حديثه لـ(الصيحة) ان التنصُّل عن التوقيع على الوثيقة يدل على عدم الترتيب والاتفاق داخل الأحزاب، بغض النظر عن الوثيقة التوافقية، وأضاف أن انسداد الأفق السياسي بهذه الطريقة سيقود لطريق الفوضى الشاملة، ولفت بأن عقارب الساعة لا يُمكن أن تعود للوراء، ولذلك على الجميع التوافق فيما بينهم أولاً، ثم التوافق على حل الأزمة السياسية بما يفضي لوضع متفق عليه لما تبقى من الفترة الانتقالية في مسارٍ معقولٍ يخرج البلاد من عنق الزجاجة بالحد الأدنى من التوافق.

كلمة الشارع
اتفق استاذ العلوم السياسية عبد العظيم كمال مع حديث محمد النور في ان التوافق يبدأ داخلياً بين الأحزاب وتوحيد الآراء، ونوه بأن رؤيته في توقيع وثيقة توافقية بعيداً عن الشارع لن تكلل بالنجاح لأنه صاحب الكلمة الآن بعيداً عن السياسيين، وأضاف في حديثه لـ(الصيحة) أن نجاح أي مُبادرة أو وساطة أو ثيقة يتوقف على الجلوس مع لجان المقاومة ودون ذلك لن يتم التوصل لنتائج إيجابية، وأضاف: في رأيي الأزمة سودانية والحل سوداني بتهيئة جو ومناخ حوار إذا لم تحل كل هذه الوساطات الأزمة القائمة, الشارع سيحسم الأمر.

معادلة صفرية
قال د. خالد قنديل محمد المحلل السياسي في حديثه لـ(الصيحة)، إنّ المشهد الحالي لا يقود الى حلٍّ قريبٍ، لجهة أنّ الشارع والقوى السياسية في حالة تمترس مما تم من إجراءات في (25) أكتوبر الماضي أدّت إلى الواقع الحالي المسدود، ونوه قنديل إلى أن الخيارات بتوقيع وثيقة توافقية الأحزاب نفسها غير مُتفقة بشأنها لن يوصل الى شيء، وأضاف بأن خيارات المكون العسكري محسومة، غير ان دعواته للحوار نجده ايضا يلوح بالانتخابات وهي خطوة تمثل الرصاصة الأخيرة في بندقية العساكر لحسم معركة الانتقال، ولكن الآن نحن في حالة خيارات صفرية، حيث لا حل في الأفق، وأشار قنديل إلى العديد من المبادرات التي حاول المكون العسكري التوصل عبرها الى حل، بالإضافة لتحركات رئيس حزب الأمة المكلف برمة ناصر للبحث عن مخرج للأزمة، ولكنها جميعاً على حد قوله اصطدمت بضغط الشارع وتنامي الاحتجاجات وتصاعد الحراك الثوري، ما أدّى إلى تعطيل جميع الحلول السياسيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى