علمانية (قحت).. هل تحوّلت من مطالب إلى واقع؟

 

الجزولي: (قحت) شرذمة حوّلت المرحلة الانتقالية لمرحلة انتقامية

وجدي صالح: ليست هناك (علمانية) ومن يقولون بذلك (يشوّهون) الثورة

صلاح الدومة: ملامح الدولة العلمانية بدأت تظهر ولكنها تجد مقاومة

الخرطوم: هويدا حمزة

في بداية الثورة والاعتصام، انتشر فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي للناشط السياسي البوشي، وهو يتساءل ثائراً :(ليه الأخ يقهر أخته؟ ليه يقول ليها تلبسي ده أو ما تلبسي ده؟ ليه يقول ليها رجعتي البيت متأخرة..) أو ما يفيد هذا المعنى، وقتها عدّ البعض ذلك الفيديو (تبشيراً) بما هو قادم عبر الدولة المدنية المرتقبة من أفكار وأهداف يتوق إليها الشباب، ويتخوف منها الكبار باعتبارها بداية لقيام الدولة العلمانية، التي ستمس موروثات وقيما ظلّت تميز السودانيين عن كثير من غيرهم من الشعوب، ذلك الفيديو وغيره من التصريحات والتسريبات جعلت بعضاً ممن رحّب بالتغيير وناصر الثورة يتراجع خطوات إلى الخلف معلناً نكوصه عن التضامن مع “قحت”، لأن الدين والمبادئ والقيم (خط أحمر) لكل الشعب السوداني المحافظ وليست حصراً على الإسلاميين أوغيرهم.

نماذج علمانية

نهاية الأسبوع الماضي أحدث تعيين الرشيد سعيد كوكيل لوزارة الثقافة والإعلام ردود أفعال عنيفة لدى المستنيرين من الشارع السوداني، وحفظت له الوسائط بعض أقوال الرجل أيام الثورة الأولى والتي صنف بموجبها كعدو من أعداء الإسلام كما وصفه رئيس حزب دولة القانون والتنمية دكتور محمد علي الجزولي، وهو أمر يشير إلى أن مشروع الدولة العلمانية تحول من مجرد مطالب إلى واقع رضي الناس أم أبوا.

ويحفظ المتلقي للرشيد قوله: (إن الشريعة الإسلامية بالية تخطتها التجربة الإنسانية)، و(يجب أن تعطى المرأة حريتها كاملة والمساواة التامة مع الرجل)، ويفسر بأن (الدستور ينص على ألا ترث المرأة أقل من أخيها ولا تقل شهادتها عن شهادة أخيها) كما يجب (أن تمتلك المرأة العصمة فيصبح من حقها طلاق زوجها) وأيضاً (إذا بلغت المرأة 18 سنة تكون ولية أمرها، وتسكن مع الرجل الذي تريد بالصيغة التي يرتضيانها ولو كانت صداقة لا زواجاً).

وبعد أقوال الرشيد خرج إلى السطح القيادي بقوى الحرية والتغيير مولانا إسماعيل التاج في فيديو متداول يطالب فيه بمساواة المرأة بالرجل في الشهادة، فكانت هذه المطالبة ترسيخاً للعامة بأن “قحت” كادت أن تجعل العلمانية تمشي على قدمين في السوادن بعدما ثارت على القرآن وليس الإنقاذ.

قيد التخلق

في حديثه لـ(الصيحة)، يرى دكتور محمد علي الجزولي أن العلمانية في السودان مشروع تحت التخلق، قبل أن يضيف بقوله: (هم الآن اختطفوا الثورة وأرادوا تحويل الدولة إلى علمانية، معظم القوانين السارية في البلاد مستنبطة من الشريعة الإسلامية وليس للحكومة الانتقالية الحق في تعديلها، منوهاً إلى أنهم قد ناقشوا هذا الأمر مع المجلس العسكري قبل أن يقوم بجريمة تسليم السلطة لـ”قحت”، مضيفاً إلى اتفاقهم مع (العسكري) على عدم إجراء أي تعديلات تشريعية ليست ذات صلة بإعداد المسرح للانتخابات خلال الفترة الانتقالية، بمعنى أن يضعوا قانوناً للانتخابات، قانوناً للحريات السياسية، قانوناً لحرية الصحافة وهكذا، أما القوانين المتعلقة بالمواريث أو الدين فهذه لا صلة لها بالعمل الانتخابي، فالعلمانيون الآن يقومون بأمر لم تشهده أي مرحلة اتقالية في العالم، لا يمكن لأي سلطة أن تقوم بأي إجراءات جذرية في الدولة وهي غير منتخبة من الشعب).

خداع “قحت”

إذاً ما الفرق بين المدنية والعلمانية؟ يفسر الجزولي بأن شباب الثورة عموماً عندما كانوا ينادون بإقامة دولة مدنية لم يقصدوا المعنى الفلسفي لكلمة مدنية أي دولة لا دينية أو غير إسلامية وإنما كانوا يقصدون تسليم السلطة لقوى مدنية أي غير عسكرية، وهذا الأمر لم يحدث حتى الآن، الآن الشق العسكري بوزارتي الداخلية والدفاع وهي تعتبر شوكة الدولة ليست تحت سلطة رئيس الوزراء فأين هي المدنية؟ قحت خدعت الناس مرتين، الأولى عندما قالت إنها لن تؤدلج المرحلة الانتقالية وإنما ستسعى لتهيئة المرحلة لانتخابات حرة ونزيهة، وقامت بأدلجتها منذ أول إجراءات، وكذلك خدعت الناس عندما قالت إنها أقامت سلطة مدنية، وهي لم تفعل، فالمدنية في مفهوم الشباب أن يتولى السلطة مدنيون والمدنية في مفهوم “قحت” أن يتولى السلطة علمانيون يبعدون الدين عن التشريعات والقوانين، مشيراً إلى أن العلمانية تعني اللادين في شؤون الحياة، ولا تعني اللادين في المسجد فيمكن للنساء أن يذهبن للمسجد أو الكنيسة لكن لا يتدخل الدين في الاقتصاد بدليل أنهم يسعون لإزالة النظام المصرفي الإسلامي بالبنوك وإبداله بنظام ربوي، وكذلك يريدون تعديل القوانين المتعلقة بالأسرة والمتعلقة بالمواريث وغير ذلك، فإذا قرأت البرنامج الإسعافي للمرحلة الانتقالية فيه كثير من الأمور لا علاقة له بمرحلة الانتقال.

منوهاً إلى أن المرحلة الانتقالية لديها 4 برامج فقط، تحقيق السلام الشامل، توفير احتياجات الناس ومعالجة الأزمات الاقتصادية، سن القوانين ذات الصلة بعملية الانتخابات، وإجراء الانتخابات، وغير ذلك فليس لـ”قحت” أن تحذف أو تضيف شولة على القوانين السارية سوى المتعلقة بالانتخابات وهذه أيضاً لا تضعها لوحدها وإنما بشراكة مع القوى السياسية الأخرى التي ستشارك في الانتخابات.

مرحلة انتقامية

الجزولي حمّل الجيش والقوات النظامية الأخرى التي لجأ إليها الشعب يوم 6 أبريل المسئولية كاملة في تسليم السلطة لفصيل أيدلوجي الآن يقوم باستفزاز الشارع السوداني، وهدم النسيج الاجتماعي وتهديد هوية الشعب، وضرب السلم الاجتماعي.

وقال إن هذا الموضوع لا ينبئ بمرحلة انتقالية مستقرة، ومن ثم دعاهم للقيام بدورهم في الانحياز المحايد لكل قوى الشعب وإقامة مرحلة انتقالية غير مصطبغة بأي صبغة أيدلوجية أو سياسية ريثما تقوم انتخابات حرة ونزيهة، وأردف: (هي مسئولة عن تسليم السلطة لشرذمة غير منتخبة حولت المرحلة الإنتقالية لمرحلة انتقامية، انتقامية من القوانين الإسلامية في التشريعات ومن الإسلاميين في المؤسسات، ومن قيم المجتمع، إذ يعبرون عن قيم الممول لهم وعن الحليف الغربي والإقليمي الذي يعمل على تهديد هوية السودان وتمزيقه.

محاولات تشويه

في سياق مغايير، نفى القيادي بقوى الحرية والتغيير وجدي صالح في حديثه لـ(الصيحة)، وجود أي اتجاه لأدلجة الدولة قبل أن يتساءل: هل تعني كل التشريعات التي تمت مراجعتها الأدلجة؟ هل يجب أن نتعامل بكل قوانين النظام السابق؟ مضيفاً بقوله: (نحن لم نضع دستوراً بعد، والدستور الذي سيوضع سيتم التشاور حوله والتوافق عليه)، وزاد بقوله: (ليست هناك علمانية ومن يقولون بذلك يحاولون تشويه الثورة ولكنها صامدة).

مقاومة حاضرة

أما الأكاديمي والمحلل السياسي دكتور صلاح الدومة، فقد أقر بأن هنالك ملامح انتهاء فترة الدولة الدينية التي كانت معلنة وظهور فترة الدولة العلمانية، ولكن هناك أيضاً مقاومات ناجحة لتلك الاتجاهات، واستدل بحديث حمدوك عن إلغاء عقوبة الإعدام فوجد مقاومة شرسة حتى من قوى إعلان الحرية والتغيير لدرجة أنه تراجع عن هذا القرار.

ويضيف الدومة: (قرأت عن تعيين برفيسور القراي كمدير للمناهج وما دار حوله من لغط ولكن دعوه يفعل ما يشاء ولن يفعل ما يريده بل سيحدث ما سنوافق عليه، إذن المقاومة موجودة وهي ليست حصراً على الإسلاميين بل الشعب السوداني بأسره).

أما بخصوص أحاديث الرشيد سعيد، فقال إن الرجل صديقه ولكنه لا يوافق على حديثه وسيتحدث معه بهذا الشأن.

ويختم الدومة حديثه” يُترك العلمانيون ليقولوا قولهم ويقول أصحاب التوجهات الإسلامية قولهم وكل ذلك بالحسنى وحتماً ستراجعون إلى جادة الصواب .

مشروع سياسي

وفي السياق، يرى رئيس حزب دولة القانون والتنمية دكتور الجزولي ضرورة إلزام “قحت” بحصر جهودها على جهود المرحلة الانتقالية المتعارف عليها عالمياً وليس مشروعها الإسعافي الذي قامت بكتابته، فهذا مشروع سياسي يخصهم كأحزاب، وتساءل: (إذا كانوا في الفترة الانتقالية يفعلون أي شيء فماذا تركوا للحكومة المنتخبة القادمة؟ أما إذا أتت بهم الانتخابات فليفعلوا ما بدا لهم).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى