مصالح الجيش السوداني عندما يكون الحُكمُ مَدنياً

ترجمة – إبراهيم مختار
نشر الباحث الأمريكي جوزيف سيجل مقالة في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية في العاصمة الأمريكية واشنطن بعنوان (مصلحة الجيش السوداني في الحكم المدني)، معددًا 6 أسباب توضح المصالح التي يكتسبها الجيش السوداني كمؤسسة مهنية حامية للدستور وحدود البلاد وموفرة الأمن للمواطنين عندما يكون هناك حكم مدني ذو مصداقية.
ويشير سيجل في مقالته إلى أن الحكومات العسكرية حكمت السودان منذ الاستقلال عام 1956، عدا 10 سنين حكم مدني، وأدت الاحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق في عام 2019 إلى إنهاء مفاجئ للحكم القمعي للرئيس السابق عمر البشير الذي استمر ثلاثين عامًا، واضعاً البلاد في مسار جديد، الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها في أغسطس 2019 لا تشكل اختلافاً كبيراً عن سابقاتها، ويقود الجيش مجلس السيادة بينما يقود رئيس الوزراء المدني الحكومة المدنية، مع تفويض للانتقال إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية بالكامل بحلول (يناير) 2024، وبعدها يجب أن يقود رئيس مدني مجلس السيادة في فبراير 2022.
ويضيف سيجل: “وتظل الأسئلة مطروحة حول التزام القادة العسكريين بالعملية الانتقالية. وتعود الجيش على لعب دور مهيمن في الحكومة والاقتصاد. وتسيطر الأجهزة الأمنية على أكثر من 250 شركة في مختلف القطاعات، وتشمل تعدين الذهب والثروة الحيوانية والأسلحة والاتصالات والبنوك والبناء، في مصر ومالي وميانمار وتايلاند، أظهر الجيش نوايا هيمنة وسيطرة، ولكن هناك ستة أسباب تجعل الانتقال إلى الحكم المدني الكامل في مصلحة الجيش السوداني.
ومعددًا سيجل هذه الأسباب بــ”أولاً: كانت الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بنظام البشير ذات حجم كبير وممتدة لفترات طويلة غير منقطعة. وكانت الحشود الجماهيرية تعد بمئات الآلاف ينتمون لقطاعات عريضة من المجتمع السوداني من مختلف المدن والبلدات من ديسمبر 2018 إلى أغسطس 2019، مطالبين بتغيير جذري في النظام السياسي، وإذا كان حاول الجيش الوقوف في مكانه، ستزداد الجماهير والمظاهرات، الأمر الذي يضع الجيش في موقف لا يطاق مثل موقف نظام البشير، كما أن محاولة الجيش للاحتفاظ بالسلطة ستتغاضى عن الأسباب الأصلية للاحتجاجات، وأدت سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية والتحديات الهيكلية إلى ارتفاع الأسعار وندرة الوظائف، وتدهور الاقتصاد بصورة فظيعة منذ عام 2015، مع توقع تضخم الدين القومي ستة أضعاف إلى 1.2 تريليون دولار بحلول عام 2025، مع معدل تضخم بلغ 167٪ في ديسمبر 2020، ويواجه السودان توترات اجتماعية واقتصادية، في ظل هذا الوضع يعتبر التشبث بالسلطة من قبل العسكريين سيفجر قنبلة اقتصادية موقوتة.
ثانيًا، ربما يعتقد بعض قادة الجيش أن إزالة الولايات المتحدة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أواخر عام 2020 قد يسهل دعماً دولياً متجاوزاً حلفاء الجيش في الدول الخليجية. لكن الإقراض والاستثمار بالمستوى الذي يحتاجه السودان لن يتم تقديمه إلا إذا كانت هناك حكومة مدنية ذات مصداقية. ويُظهر المسار الاقتصادي الكئيب للحكومات العسكرية في أماكن أخرى أنه كلما أسرع الجيش السوداني بنقل السلطة بالكامل إلى القادة المدنيين، أدى ذلك لإسراع هؤلاء القادة في استعادة المصداقية في المؤسسات الاقتصادية للبلاد والتفاوض الدولي بشأن الدعم، وفي مقابل ذلك، فإن الجيوش التي تدير العملية بشكل استباقي تكون أكثر قدرة في الحفاظ على مؤسساتها بعد ذلك والتي تنتقل في ظل أزمات تكون أقل استقلالية.
ثالثًا، إن انتقالاً مدنياً سلساً يُعزز الأمن في السودان، وأكثر التهديدات الأمنية طويلة الأمد وكان لها دور في زعزعة الاستقرار هي الحركات المسلحة، ولكن تحت قيادة رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك، تفاوض السودان على اتفاقية سلام مع معظم هذه الحركات والقليل منها في طريق السلام، هذا سيسمح للجيش بالتركيز على حماية حدود السودان الممتدة، والسيطرة على الاتجار غير المشروع، ومنع عودة الجماعات المتطرفة مجددًا.
رابعاً، إن خروج الجيش من السياسة وتعقيداتها في السودان سيمكن الجيش من إعادة مهنيته، وسينتج عن ذلك اندماج الجماعات المسلحة في الجيش مستويات عالية من المهارات وهياكل القيادة، ويمكن انتقال المهنيين العسكريين من استعادة السيطرة على القوات المسلحة وإعادة تكريسها لحماية الدولة ومواطنيها، من خلال هيكل قيادة موحد ومعايير موحدة للتدريب والانضباط والتجنيد والترقية على أساس الجدارة.
خامسًا، إن النمو الاقتصادي يزيد من تدفق الإيرادات من الدولة للجيش، وينعكس ذلك في شكل رواتب منتظمة لضباط الجيش مساواة مع المهنيين المهرة الآخرين وكذلك حزمة معاشات جذابة، تمكن كبار الضباط من التنحي في نهاية حياتهم المهنية والانتقال بثقة إلى القطاع الخاص، ويجب مساعدة الموظفين المفصولين من الخدمة أثناء إعادة الهيكلة بالتدريب والمساعدة لإعادة الاندماج في المجتمع.
سادساً، إن الحافز الأخير للانتقال إلى الحكم المدني، هو أن الحكومات العسكرية تنزع للهشاشة، ومكنت تحالفات البشير مع الإسلاميين وازدهار عائدات النفط من التشبث بالسلطة، ولكن الأنظمة العسكرية عادة ما تشهد فترات حكم أقصر من أشكال الحكم الأخرى، وأن احتمالية حدوث انقلاب ليست بعيدة، مما يجعل الحكم المدني الديمقراطي شكلاً من أشكال التأمين على الحياة للقادة العسكريين.
وختم سيجل مقالته قائلاً: “إن التنازل عن السلطة أمر جد صعب، ولكن قد فعلها الجيش الأرجنتيني والبنيني والبرازيلي وجيش تشيلي وغانا وإندونيسيا ونيجيريا وبيرو، ومن خلال الإدارة الاستباقية للانتقال إلى الحكم المدني، تتاح للقادة العسكريين في السودان فرصة للظهور بمظهر مهني قوي ومحترم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى