(الصيحة) تُبحِر وتستَقصِي حول مشروع (قلب العالم) الهلامي (1)

مشروع ضخم بلغت كلفته (11) مليار دولار

الجزيرة كانت مُستأجَرة بعقد رسمي وتم نزعُها بواسطة نافذين لصالِح سمسار أجنبي

خبير سياحي: الحصيني لم يضع يده على (مقرسم) وشُبهة السمسرة كانت واضحة

    تحقيق: محيي الدين شجر 

هل سمعتم بمشروع يسمى بـ(قلب العالم) في السودان، قال منفذوه إن كلفته تصل لنحو 11 مليار دولار، وإن المشروع سينفذ في جزيرة مقرسم التي تبعد 80 كيلومتراً عن مدينة بورت سودان. 

ما قصة هذا المشروع الهلامي  الذي وضع الرئيس السابق عمر البشير، حجر أساسه في  ديسمبر 2011م، لكنه لم يُنفَّذ !! ؟؟ وهل فعلاً أراد أصحاب المشروع أن يفتحوا من خلاله أبوابًا للسمسرة أم كانوا جادين في تنفيذه؟؟ 

ولماذا اعترض رجل أعمال سوداني على قيامه، وهل هو مظلوم ظلمًا بيناً أم كان مُدّعياً؟  وما هو قرار المحكمة وقتها؟ وهل صحيح أن جزيرة مقرسم مُنحّت لأحد المهتمين بالحياة البرية لحماية أسراب من الطيور المهاجرة التي تمر بالجزيرة فى أوقات محددة في كل عام، ثم سحبت  تصديقها لتمنحه للمستثمر الخليجي السمسار، ولماذا اختيرت جزيرة مقرسم تحديداً لقيام المشروع ما هي مميزاتها؟ 

بداية القصة  

احتفلت الوسائط الإعلامية العربية بقيام مشروع ضخم في السودان  للدرجة التي جعلت الرئيس السابق عمر حسن أحمد البشير في يوم الأربعاء الموافق 21/ 12/2011 أن يسارع بوضع حجر أساسه تحت مسمى مدينة (قلب العالم)، وشهد مراسم التوقيع وقتها كلّ من والي البحر الأحمر محمد طاهر إيلا ووزير المالية علي محمود،  ووزير الاستثمار مصطفى عثمان إسماعيل، والمستثمر السعودي أحمد عبد الله الحصيني، والتقطوا صورة تذكارية أمام المجسم التصميمي المدهش للمشروع، حيث تحدّث الحصيني وقتها، وقال إن المشروع الضخم سينفذ بجزيرة (مقرسم) بولاية البحر الأحمر، وسيتم بتكلفة 11 مليار دولار تنفذ على مراحل، والمرحلة الأولى منه تكتمل خلال 5 سنوات على مساحة 323 مليون متر مربع وتضم المدنية أبراجاً ومدنًا سياحية، وإعلامية وتجارية ورياضية، بجانب مطار ومدينة صناعية وميناء بري وأكبر نافورة في العالم .
وتحدث بملء فيه قائلاً: (المشروع  سيحتضن في المستقبل عند اكتماله أكثر من 150 ألف مقيم، وحوالي 120 ألفاً من رجال الأعمال ويتضمن أكثر من 10 مدن سياحية وتجارية تم تصميمها لتكون في الوقت ذاته سكنية وتجارية واقتصادية سياحية وترفيهية.
وأضاف أن المشروع يضم بين أرجائه أحدث ميناء في الشرق الأوسط، إضافة إلى أكبر مناطق المارينا المحيطة به والتي تتسع لأكثر من 2400 قارب بجانب الأرصفة التي تستوعب أكثر من 700 يخت كبير. وصمم برج الحصيني الذي سيكون، بعد اكتماله أعلى برج في العالم على شكل سنبلة ذرة عملاقة ترتفع إلى عنان السماء تمثل سلة الخير للسودان بوصفه محط أنظار العالم لتأمين الغذاء لملايين البشر..

قنبلة أطلقها المستتثمر السعودي الحصيني للدرجة التي جعلت الرئيس السابق يهرع إلى وضع حجر الأساس له وسط أحلام وآمال لم يكن لها أساس من الواقع.. 

وكان لابد لـ”الصيحة” أن تصل وتستقصي عن حقيقة هذا المشروع،  أبحرت إلى جزيرة مقرسم، ووصلت إلى منطقة قلب العالم .. وخرجت بتفاصيل مثيرة  حول (المشروع) الذي شغل العالم عبر الورق فقط .

الطريق لمقرسم:  

كانت بداية مشوارنا للتقصي واستجلاء الحقائق الوصول  إلى جزيرة مقرسم في عرض البحر يمر عبر منطقة (محمد قول)  التي تبعد عن بورتسودان بنحو 150 كيلو مترًا، وتبعد جزيرة مقرسم عن منطقة عروس السياحية بنحو 75 كيلو متراً  شمال بورتسودان ورفيقي في الرحلة الإعلامي والصحفي عثمان هاشم يرسم لي خريطة المنطقة ويطلعني على تفاصيلها قائلاً: 

جزيرة مقرسم تُوجَد على البحر الأحمر على بُعد 80 كيلومتراً شمال ميناء بورتسودان، وتبلغ مساحتها نحو 30 كيلومتراً مربعاً..

السراب 

استغرقت رحلتنا عبر قارب تبرع به صديقنا علي ونيب (خبير سياحي)  من محمد قول إلى جزيرة مقرسم أكثر من ساعة، وعند وصولنا إلى الجزيرة لم نر أي بدايات لأي عمل، وحينما رأى علي ونيب الدهشة بادية على وجهي، قال لي: المستثمر السعودي الحصيني لم يبدأ أي عمل بجزيرة مقرسم كما ترى (ولم يضع يده عليها أصلاً). 

علاقة شيلا بالحصيني  

ويضيف محدثي عن مشروع قلب العالم الذي لم ير النور: أذكر قبل عدة سنوات، ونحن مجموعة من أهل المنطقة، سافرنا إلى الخرطوم، والتقينا بفتحي شيلا القطب الاتحادي الذي انضم للمؤتمر الوطني قبل وفاته، التقينا به بمنزله بالعمارات شارع (33)، وكان الموضوع الاجتماع مع السعودي الحصيني، وفيما يبدو كانت هنالك علاقة تربط شيلا بالحصيني، وشرح لنا فتحي شيلا مشروع قلب العالم، وكيف أنه سيعمل على تطوير منطقة محمد قول التي تجاوره، وكنا وقتها نُطالب بضمانات وبخدمات تطال المناطق القريبة من جزيرة مقرسم.

مضيفاً: أصلاً هذه الجزيرة (مقرسم) عبارة عن جبل بالبحر الأحمر، تتميز بمياه صافية لم تلوثها نفايات المدن، وتعد من أفضل المناطق للغطس ولصيد السمك، حيث تتوافر فيها اجود أنواع الأسماك، كأسماك الزينة والناجل وأبو جبة..

سمسار 

   وأضاف زميلنا في الرحلة عثمان هاشم أدروب ـ وهو إعلامي بهيئة الموانئ البحرية ومهتم بالسياحة الساحلية ـ  أن الحصيني لم يفعل شيئاً لأنه فيما يبدو كان سمسارًا أراد التكسّب من المشروع بالترويج له عالمياً وجذب شركات ضخمة للمشروع ويستفيد من ورائها، وقال إن جزيرة مقرسم كانت مستأجرة لشخص من الولاية يدعي دياب إبراهيم دياب، وتم إلغاء عقده المبرم دون إرادته ومُنحت الجزيرة للحصيني ومشروعه الوهمي عبر مسؤولين بالخرطوم في وزارة الاستثمار الذين قاموا باقتلاع دياب إبراهيم دياب بقوة السلطة ليمنحوها للحصيني والذي لم يفعل أي شيء من مشروعه الذي حدثنا عنه..

أين المتابعة 

وتساءل محدثي: كيف يقوم الرئيس البشير بوضع حجر أساس لمشروع ولا يتابع إجراءات تنفيذه، وأضاف: قالوا لنا إن المشروع بتكلفة 11 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم يجعل منه مشروعاً مهماً للسودان، ولكن فيما يبدو كان الهدف من كل تلك (الهيلمانة) حول المشروع خداع البسطاء بأن السودان يمضي في طريق التقدّم..

من داخل الجزيرة:

“مقرسم” عبارة عن جبل يمتد دخل الجزيرة بطول 37 كيلو مترًا يغطي كل الجزيرة، و لم ألحظ أي مظاهر تدل على أن هنالك أعمالاً قد تمّت من قِبل شركة الحصيني لتنفيذ المشروع وكان كل ما لاحظته، عدد من الصيادين من المناطق القريبة من الجزيرة، يرمون شباكهم في انتظار أن تخرج محملة بالأسماك، كانوا يتراصون في انتظار ما تصطاده شباكهم..

وما لفت انتباهى أن مياه البحر الأحمر التي تحيط بالجزيرة كانت مياهاً صافية نقية تغُري بأن تكون مُلاذاً للسياح.

الأجواء بجزيرة مقرسم أجواء رائعة والطقس يميل إلى البرودة رغم عن أننا زرناها في الصيف الماضي أواخر شهر سبتمبر، وتوجد بالجزيرة حياة برية كاملة ففيها أنواع من الغزلان والطيور الموسمية والتي تضفي عليها بعدًا آخر من الجمال..

والحديث الذي أشارت اليه شركة الحصيني ببدء الأعمال الابتدائية بالجزيرة لا أساس له من الصحة، حيث لا تزال الجزيرة بكراً من كل أعمال إنشائية، وهذا يؤكد أن الشركة اهتمت بالبُعد الإعلامي أكثر من اهتمامها بتنفيذ المشروع..

العمولات السبب 

وأبدى  الجيلوجي عمار سيد أحمد شليعة، تعجُّبه من عدم الاستفادة من جزيرة مقرسم حتى الآن، وقال في حديثه لـ (الصيحة) عن مشروع قلب العالم إنه كان يتمنى أن ينجح المشروع، لأن كل مقومات نجاحه كانت متوفرة، مشيراً إلى أن فشله يعود إلى أن بعض المسؤولين السودانيين في النظام السابق كان همهم الحصول على عمولات بالتسهيلات التي يقدمونها للمستثمرين الأجانب، مستغربًا من ظهور اسم مصطفى عثمان إسماعيل في كل المشروعات الضخمة والتي لم تحقق النجاح..

وأضاف أن طبيعة جزيرة مقرسم تغري كل المستثمرين بإنشاء مشروعات ضخمة عليها بما تتمتع به من خصائص بيئية وجيلوجية مُدهشة.

أضغاث أحلام:

في الاحتفال بوضع حجر الأساس قال مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية، إن المشروع سيضع السودان في مصاف الدول المتقدمة، وسيحقق النهضة التنموية والاقتصادية الكبرى، فضلاً عن أنه سيربط السودان بالدول العربية والأفريقية وجذب الاستثمارات السياحية.

اعتراض 

(الصيحة) استمعت إلى رجل الأعمال دياب إبراهيم دياب، الذي كان قد مُنح الجزيرة للمحافظة على الحياة البرية في الجزيرة، ودخل بعد ذلك في محاكم كثيرة مع الحكومة السودانية، حيث قال لي إن منح جزيرة مقرسم للمستثمر السعودي كان قراراً باطلاً، لأنه استأجر الجزيرة لمدة عشرة أعوام قبله من وزارة الاستثمار ووزارة السياحة بالبحر الأحمر  لتنفيذ مشروعه لحماية الحياة البرية في المنطقة، مشيراً إلى أن منحها بعد ذلك للحصيني يُشكل مخالفة كبيرة دفعته للتقدّم بشكاوى ضدها..

في الجزء الثاني من التحقيق اقرأ 

طعن في قرار منح مقرسم للحصيني 

إفادات ومستندات  مهمة من دياب إبراهيم دياب وقضيته الشهيرة ضد الحكومة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى