وزارة المالية.. هل من سياسات لإصلاح المسار؟

 

الخرطوم: رشا التوم     19 ابريل 2022م 

تواجه الحكومة الحالية، تحديات اقتصادية كبيرة تحتم عليها إعادة النظر في مجمل السياسات والقضايا لإحكام السيطرة، وتمثل وزارة المالية الحجر الرئيسي الذي تقوم عليه اعمدة البناء الاقتصادي وتغيير الدفة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود، والحد من تدهور العملة الوطنية وزيادة معدلات التضخم الذي وصل حد الجنوح وفي قراءة متأنية لمسار وسياسات وزارة المالية والتي يترأسها دكتور جبريل ابراهيم الذي تقلد منصبه في أبريل العام ٢٠٢١م  ضمن الحكومة المكلفة لقيادة البلاد في الفترة الانتقالية، والحاصل على درجة دكتوراه في الاقتصاد من جامعة يابانية والذي يجيد التحدث بعدة لغات، وخلال الفترة الماضية عصفت بالاقتصاد رياح عاتية رفعت من معدلات التضخُّم والأسعار التي أصبحت فوق طاقة الكثيرين من المُواطنين، وشهدت رفع الدعم كاملاً عن سلع الخبز والدقيق والكهرباء والغاز والعلاج!!!

ويرى المحلل الاقتصادي طارق عوض أنّ السياسة المالية التي طبّقت خلال فترة تولي جبريل لم تحكم قبضتها في الولاية على المال العام، وقال لـ”الصيحة”، إن تجنيب المال العام وتسهيل الاستيلاء عليه كان سمة من سمات النظام السابق في كل الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية، وفشلت كل الاجراءات والأنظمة التي وضعها النظام لمكافحة عمليات التجنيب والفساد، منوهاً الى الجدل الذي أُثير حول تسلم الأموال المستردة بواسطة لجنة إزالة التمكين التي جنّبت الكثير من الأموال، موضحاً أنه حدثت الكثير من الاشتباكات والنزاعات بين وزارتي المالية والصحة في الحكومة الانتقالية الأولى حول أموال مساعدات كورونا المادية والعينية التي قدمتها الدول الصديقة للسودان، مما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن وزارة المالية لا ولاية لها على المال العام، وان الأموال تتسرّب بنفس الطريقة التي كانت تتسرّب فيها في العهد السابق!!!

وأوضح أن تجنيب المال العام يتم عبر أخطبوط فساد يتكوّن من شبكات تضم عدة أطراف، ومكافحة هذا النوع من الفساد تتطلب تضافر عدة جهود رسمية تضم جهوداً محاسبية ومراجعة دقيقة للمال العام المُصدّق وسبل صرفه في الأوجه المُصدّقة والصحيحة وتتبع هذه الأموال بكل دقة منذ لحظة تصديقها من وزارة المالية حتى صرفها، مع الحرص التام على عدم ذهابها لجيوب الفاسدين وبالتالي تدمير الاقتصاد الوطني. وشدد على أن التطمينات التي عكف عليها الدكتور جبريل إبراهيم منذ توليه وزارة المالية بالاستقرار في سعر الصرف ومُحاربة الفساد وفتح الباب للمستثمرين بأن الاستثمار في السودان آمن وان هناك إجراءات مالية ومحاسبية وفق المعايير والقيم الدولية عالية الشفافية ذهبت أدراج الرياح، فالسودان حتى اليوم مازال عالقاً في  شرك الحظر المصرفي عالمياً، ويواجه مشكلة عدم المراسلين في الخارج، فضلاً عن توقف الدعم النقدي والمالي من الصناديق والبنوك العالمية وبرنامج ثمرات مثال شاهد على ذلك، ولفت الى توقف الاستثمارات والمستثمرين في الدخول إلى السودان، مؤكداً أن الاستثمار يتطلب بيئة وأرضية خاصّة لضمان وصول المُستثمرين ورؤوس أموالهم للبلاد. وأشار الى أن الاجراءات والضوابط التي اتخذها جبريل بمقياس اليوم لم تكن بالقدر الكافي لتحقيق العدالة والعيش الكريم وتلبية وتخفيف أعباء وهموم المعيشة عن كاهل المواطنين.

ومن ناحيته، أكد الأستاذ الجامعي دكتور محمد الناير أن السياسات المالية بصورة عامة خلال عامي ٢٠٢١ و٢٠٢٢م  لم تتوافق مع الواقع الاقتصادي السوداني، وضرب الناير مثالاً بتحرير أسعار البترول والسلع ومقارنتها بدول أخرى مثل السعودية والإمارات ولندن، حيث أن المقارنة بعيدة تماماً حينما تُقاس بالأجور في تلك الدول، نجد أنها لا تشكل نسبة ٥% وربما أقل، وجزم بأن تحرير أسعار البترول قرارٌ صعبٌ في ظل الظروف الراهنة نتيجة عدم الاستقرار السياسي واستقرار سعر الصرف، وأضاف أن المواطن السوداني يدفع الثمن مرتين في حالة حدوث ارتفاع في الأسعار العالمية للبترول، وفي حالة تدهُور أسعار العملة الوطنية، باعتبار ان القطاع الخاص يملك زمام هذه الأمور ويقوم باستيراد المحروقات، وأعرب عن أسفه بعدم تراجع أسعار المحروقات في السودان رغماً عن الانخفاض العالمي، وعلى المستوى الداخلي لم يُؤثِّر استعادة الجنيه السوداني لعافيته في المسألة كثيراً وهي قضية ليست عادلة أو شفافة في التعامل مع المواطن الذي انهك بهذه الأسعار بصورة كبيرة، ومن حقه الاستمتاع اذا كانت هناك مؤشرات او عوامل تؤدي إلى انخفاض اسعار السلع، وانتقد الناير عملية تحرير اسعار السلع ورفع الدعم في دولة تعاني مُعدّل بطالة بنسبة ٤٠% ومُعدّل فقر ٦٠% ومُعدّل تضخُّم ٢٦٠%، ودعا لأهمية اتساق السياسات المالية والنقدية، واقرّ بوجود تعارض كبير بينهما، مِمّا ينعكس على مُجمل الأوضاع الاقتصادية، وأكبر دليل على عدم وجود تنسيق سياسات بنك السودان المركزي المالية للعام ٢٠٢٢م والتي استهدفت مُعدّل تضخُّم ٢٠٢% وهو أمرٌ يُعد من رابع المُستحيلات في ظل القرارات التي صدرت مطلع العام وحتى يومنا هذا، بجانب زيادة أسعار الكهرباء والغاز والخبز والدواء ورسوم المُستشفيات بخلاف السلع التي يملك زمامها التاجر بصورة كبيرة، وشدد على وجود خلل كبير في السياسات المالية والنقدية وعدم التوافق لتحقيق الأهداف المُجازة في موازنة ٢٠٢٢م، فضلاً عن تضخم الموازنة والتي وضعت لها أرقام كبيرة من الصعب تحقيقها الوقت الراهن، وقال إن الاقتصاد السوداني واجه أسوة بالاقتصاد العالمي آثار جائحة كوفيد – ١٩ خلال العامين الماضيين ليخرج نحو أزمة أخرى الحرب الروسية – الأوكرانية، بالإضافة إلى أزمات داخلية، وناشد بإعادة النظر في السياسات بشقيها لتحقيق أهداف الموازنة ومعاش الناس ومعالجة قضايا الشرائح الضعيفة والفقيرة، وزاد قائلاً كل هذه القضايا لا تجد مكانها في السياسات المطروحة حالياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى