منى أبوزيد تكتب : في عدالة التوزيع..!

17مارس2022م 

“إياك والخلط بين الحركة والفعل”.. آرنست همنجواي..!

وصل العلم بنا إلى القمر، أهدانا البنسلين وأشعة إكس وقاذفات الصواريخ وأنابيب النابالم وأطفال الأنابيب. أسطرتْ نظرياته برامج التكنولوجيا واخترقتْ مُعادلاته البُعد الرابع، وأجلست تجاربه الطبية فَناءَنا البشري على مقاعد الاستنساخ. ولكن على الرغم من كل ذلك بقي الإنسان في جوهره ومخبره هو القيمة التي لا تُضاهى والمورد العذب الجليل الذي لا يُقدّر بثمن، وظل الفكر الإنساني وسيبقى مشغولاً بإدراك الذات وتطوير السلوك وتهذيب الطموح، وبالتالي زيادة الإنتاج..!

أعظم نظريات تنمية وإدارة الموارد البشرية أنتجتها قوة الفكر وحدة الملاحظة. كان فريدريك تايلور – أبو علم الإدارة – يعمل في مصنع للحديد عندما لاحظ انخفاض الإنتاجية وضياع الكثير من الجهد والوقت دون تحقق فائدة إنتاجية موازية، فعكف على تجارب ميدانية واسعة بهدف زيادة الكفاءة الإنتاجية، وكانت النتيجة كتابه الشهير “مبادئ الإدارة العلمية”، ثم جاء مَن ينتقد مُساواته المطلقة بين البشر والآلات واقتصار مبدأ التحفيز – عنده – على المقابل المادي فقط..!

بعد تايلور ركّزت “حركة العلاقات الإنسانية” على تأثير العلاقات الإنسانية – في بيئة العمل – على معدلات كفاءة الإنتاجية، بينما أولى “هرم أوسلو” الشهير اهتمامه إلى إشباع حاجات الفرد للحفاظ على مستوى حافز الأداء..!

ثم توالى ظهور النظريات الواحدة تلو الأخرى في فنون إدارة البشر “نظرية الإنصاف لآدمز.. الأهداف لويليام ولوك.. التوقعات لفروم أول ..إلخ..”، وكلما تطوّرت المُجتمعات وأمعنت في تحضرها ازدادت الحاجة إلى تنمية الإنسان كقيمة وإدارته كمورد مادي هائل وثروة قومية لا تضاهى..!

لأجل ذلك كله يبقى الحديث عن ضرورة تطبيق مبدأ اختيار التوظيف بمعيار القوة والأمانة وإعمال مبدأ الشفافية والعدالة دون مُحاباة باسم حزب سياسي أو جهة قبلية، “ويبقى الكلام عن مراعاة عدالة التوزيع وأهمية تطبيقها بشفافية” في السودان رومانسياً بعض الشيء، خصوصاً إذا كان مصدره السياسيون بحكوماتهم المتعاقبة التي باركت – ولا تزال تبارك حتى بعد ثورة ديسمبر- مظاهر أبلسة الآخر وتعميق نعرات الصفوية الحزبية والأفضلية القبلية، وأوهام النقاء العرقي، بدعم رسمي لهذا النهج، في صور شتى، ليس آخرها بيانات التضامن والتأييد بأسماء زعماء ومشايخ وسلاطين القبائل من جهة، وتصريحات بعض السادة المسؤولين الذين كانوا يمثلون الثورة ومع ذلك شكّلت بعض تصريحاتهم نماذج عنصرية تستحق الدراسة من جهةٍ أخرى..!

والآن صح لي إذا أخطأت، كيف لدولة – تقتات مشاريعها السياسية وتتغذى أجهزتها التنفيذية على مثل هذه المفاهيم – أن تنجح في تطوير أجهزتها الحكومية وخدماتها المدنية بعيداً عن لعنات الأفضلية الحزبية وأوهام الأفضلية القبلية؟. كيف وأول وأولى مبادئ تطوير الخدمة المدنية هي تنمية العُنصر البشري وأنسنة الحضور المهني بعيداً عن الجهوية والمحسوبية؟. لن يتزحزح هذا البلد – قيد أنملة – نحو ما ننشده من تطور إلا إذا أدركنا – حكومةً وشعباً – أن قيمة الإنسان هي “شجرة وعي” وأن الديمقراطية – الاجتماعية قبل السياسية – هي أهم عناصر تمثيلها الضوئي. فهل يا ترى من مُذَّكِر..!

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى