الكويت.. بعد غياب هل تنجح كوسيط في السُّودان؟!

 

الخرطوم- الطيب محمد خير.   8مارس 2022م

فتح سفير دولة الكويت بسام محمد القنبدي داخل القصر الجمهوري في لقاء جمعه مع عضو مجلس السيادة الطاهر حجر، ملف الاستثمار الكويتي وكيفية عودة رأس المال الكويتي للاستثمار بالسودان، في وقت يشكل فيه الحصول على دعم استثماري وجلب المساعدات الدولية للسودان أمراً مستعصياً رغم أهميته في ظل الازمة الاقتصادية المربكة التي وضعته على سكة الإفلاس وأصبحت الدولة السودانية ترزح تحت وطأة العجز المالي والانكماش الاقتصادي، ما جعلها غير قادرة على الإيفاء بوعدها بترفيع الأجور الذي وعدت به، وهذا ما جعل الاقتصاديين يحذرون من أن إفلاس الدولة السودانية الذي بوادره تلوح في الأفق بسبب عمق هوة الخلافات السياسية التي أصبحت بلا سقف وفشل السياسات الاقتصادية، في مقابل عدم إيفاء الدول المشاركة في مؤتمري أصدقاء السودان الأول والثاني الذي انعقد بالعاصمة السعودية في أغسطس الماضي بتعهداتها التي تهدف لتوفير الدعم لمواجهة الأوضاع الاقتصادية في السودان التي تُشكِّل تحدياً رئيسياً لعملية الانتقال في البلاد وتحقيق الاستقرار من خلال الإصلاحات الاقتصادية.

التزامٌ بالاستثمار

ليس بجديد ظهور دولة الكويت على مسرح الاقتصاد في السودان، حيث أبدى الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، استعداده خلال مؤتمر أصدقاء السودان الذي استضافته العاصمة السعودية أغسطس الماضي، ابدى استعداده للتباحث مع الحكومة السودانية للاتفاق حول المشاريع التنموية ذات الأهمية في المرحلة المُقبلة وتأجيل أقساط السداد المستحقة والمتأخرة في إطار مُبادرة مع البنك الدولي ومجموعة العشرين لمواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق الاستقرار، وقبلها وقّعت الحكومة السودانية في 2019 مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، الذي يتّخذ من الكويت مقراً له، وقّعت اتفاقاً للحصول على قرض قيمته 200 مليون دولار لدعم المشروعات التنموية في السودان.

وبحسب مراقبين اقتصاديين على دراية، قالوا إنّ حجم الاستثمارات الكويتية في السودان بلغ في الفترات السابقة اكثر من خمسمائة مليون دولار في مصانع السكر ومصانع اخرى في القطاعين الزراعي والخدمي يملكها القطاع الخاص الكويتي، إلا أن الاستثمار الكويتي في السودان حسب رأيهم شهد تراجعا كبيرا بسبب موقف السودان وامتناعه عن تأييد قرار مؤتمر القمة العربي الذي ادان الغزو العراقي واحتلال الكويت عام 1990.

سؤالٌ مطروحٌ

لكن السؤال الأهم ما الذي يمكن ان تقدمه دولة الكويت للسودان الذي يعيش تحت وطأة أزمة سياسية أربكت السير العادي للدولة نتيجة الاعتصامات وقطع الطرق، فضلاً عن التجاذبات بين مكونات المرحلة الانتقالية الناجمة عن عدم الانسجام، ما جعل الدولة على حافة جرف هار من الإفلاس، بل الانهيار بعد تعثُّر الوصول إلى توافق سياسي يمكن من التفرغ للعمل لإنجاز حقيقي في النمو الاقتصادي.

ما الذي يمكن ان تقدمه الكويت وهل تنوي الدخول استناداً على مكانتها وعلاقتها بالأطراف السودانية المدنية والعسكرية كوسيط لإحداث هدنة سياسية بخطة إنقاذ لتجنب وقوع الطامة.

تطوُّر العلاقات

يقول الخبير الدبلوماسي د. عبد الرحمن أبو خريس لـ(الصيحة)، إن فترة حكم الرئيس السابق جعفر نميري تعد اكثر فترة شهدت تطوراً للعلاقات السودانية الكويتية، وتوسعت تبعاً لذلك الاستثمارات الكويتية في السودان وأبرزها مشروع سكر كنانة وبعض مشروعات الإنتاج الحيواني والمشروعات العقارية التي أبرزها العمارة الكويتية في الخرطوم، ليضيف: لكن هذه العلاقة شهدت تراجعاً كبيراً في فترة حكم الصادق المهدي إبان الديمقراطية الثالثة لوجود بعض الأحزاب السودانية التي لها توجهات لم ترق لحلفاء الكويت في الغرب، ما اثر في العلاقات السودانية الكويتية وانعكست على تقليل استثماراتها في السودان، ويزيد قائلاً: أيضاً تناقصت تلك الاستثمارات في فترة الإنقاذ بسبب رفض حكومة النظام البائد تأييد قرار إدانة غزو العراق للكويت، مبينا بانه كانت القشة التي قصمت ظهر هذه العلاقات وادت لتجفيف الاستثمارات الكويتية في السودان، وقال ان الكويت نتيجة لذلك باعت بعض أسمهما في سكر كنانة، ولم يعد للكويت اي علاقة سياسية مع السودان لفترة طويلة، وحتى بعد عودتها كان يشوبها نوعٌ من الفتور، بمعنى أن الاستثمارات الكويتية ظلّت في حالة ضعف وتراجع على مدى الـ(35) سنة الماضية (فترة الديمقراطية الثالثة والإنقاذ) مقارنة بالاستثمارات الإقليمية الأخرى، وعموماً هناك انطباع علاقة السودان مع الدول لها ارتباطٌ بنوع وتوجه النظام السياسي الحاكم وهذا يحتاج من الحكومة الحالية لجهد دبلوماسي متواصل لتعزيز الثقة لدى الكويت وجذب المستثمرين الذين فقدوا الثقة لعدم وجود ضمانات، بجانب انعدام الاستقرار السياسي بسبب الانقسامات الماثلة الآن.

شبه غائبة

وفيما يلي إمكانية ان تلعب الكويت دور الوسيط لحل الأزمة السودانية قال د. أبو خريس الآن الكويت تكاد تكون في الحياد كما قطر التي صنفتها الحكومة الانتقالية التي جاءت بعد الإطاحة بالبشير بعدم الحياد بحكم علاقتها مع الإسلاميين، ويضيف: أما الكويت فكانت طوال فترة الإنقاذ شبه غائبة وليس لها حضور الا من خلال المنظمات والمؤسسات الإقليمية والصناديق مثل جامعة الدول العربية ومنظمة العالم الإسلامي ومجلس التعاون.

دور الوسيط

وأكد د. أبو خريس انّ الكويت الآن بموقفها المحايد ونشاطها في الجانب الإنساني بتقديم الدعم الإغاثي يمكن ان تلعب دور الوسيط بحكم عدم اقامتها علاقة مع العهد الإنقاذي البائد وغير مصنفة بالميول لأي طرف، وبالتالي هي أكثر دولة عربية يمكن تعلب دور الوسيط في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين، ليقول: يمكنها بكل مؤهلاتها وخبراتها ان تحدث اختراقا بجانب ان لها قدرات مادية لأن رعاية التفاوض يحتاج لتمويل، واضاف د. أبو خريس والآن القيادة السياسية في الكويت تبحث للعب دور في المحيط الإقليمي العربي والمساهمة في حل القضايا العربية. مشيراً انّ الكويت اذا استطاعت لعب دور الوسيط في السودان فسيعطيها أفضلية متقدمة في الاستثمار، لأن الاقتصاد والسياسة حلقات مُترابطة ولا تنفصل عن بعضها ويجب أن تنتبه الكويت والدول العربية الأخرى أن أي فراغ في السودان سيملأه آخرون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى