حياد السُّودان في حرب روسيا.. للضرورة أحكام

 

تقرير: مريم أبشر       4مارس2022م 

امتنع السودان امس, عن التصويت لصالح مشروع القرار الذي طرح في الاجتماع الطارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بإدانة الغزو الروسي على أوكرانيا. ونقلت المعلومات أنّ موقف السودان جاء متسقاً مع معظم الدول العربية التي لم تؤيد القرار وان المشروع أيدته فقط من المجموعة العربية مصر والسعودية والإمارات من جملة (141) دولة مؤيدة. وامتنع عن التصويت ايضاً من الدول الافريقية الى جانب السودان كل من الجزائر و اثيوبيا و جنوب السودان من جملة 35 دولة ممتنعة، فيما  رفضت مشروع القرار جملة وتفصيلاً خمس دول.

وكشف مصدر رفيع بوزارة الخارجية لـ(الصيحة)، الأسباب التي دفعت السودان للامتناع عن التصويت لصالح مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بإدانة غزو روسيا لأوكرانيا, وقال إنّ الامتناع جاء مُنسجماً مع امتناع السودان عن التصويت في مجلس حقوق الإنسان أمس الأول حول نفس موضوع ملف الحرب الروسية الأوكرانية, فضلاً عن أن الامتناع يتماشى مع موقف السودان الذي أعلنه مجلس السيادة بضرورة وقف التصعيد من  قبل الجانبين واللجوء إلى الحوار وتفضيل الطرق الدبلوماسية على الحرب.

 

حيثيات القرار

بطلب غربي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، عقدت الجمعية العامة للامم المتحدة، جلسة طارئة على مستوى مندوبيها العامين في دورتها الخاصة، بعد استخدام روسيا لحق النقض في مشروع قرار يُدين غزوها لأوكرانيا. وقد جاء عقد الدورة الخاصة استناداً على القرار رقم (٣٧٧) الصادر في ٣ نوفمبر عام ١٩٥٠ إبان الحرب الكورية والذي يبيح عقد مثل هذه الدورات الخاصة تحت مسمى (الوحدة من اجل السلام). وحُظي مشروع القرار بتأييد ١٤١ دولة مع مُعارضة (٥) دول هي روسيا وبيلاروسيا وكوريا الديمقراطية وسوريا واريتريا, وامتناع (٣٥) دولة عن التصويت أهمها الصين والهند وباكستان وايران وكوبا وفيتنام ونيكاراغوا وبوليفيا, ولم تشارك فنزويلا.

حيث صوّتت الدول العربية مع المشروع بما فيها الإمارات التي كان وفدها قد امتنع عن التصويت في مجلس الأمن، ما عدا العراق الذي امتنع عن التصويت وامتنعت الجزائر أيضاً ولم تشارك المغرب في التصويت.

وكانت  اريتريا هي البلد الأفريقي الوحيد الذي صوت ضد مشروع القرار، بينما انقسمت الدول الأفريقية بين مؤيد وممتنع وغير مشارك.. فقد امتنعت عن التصويت دول السودان، وزيمبابوي وتنزانيا و(يوغندا) وجنوب افريقيا  و(جنوب السودان) وناميبيا و(السنغال)، وموزمبيق و(مالي) ومدغشقر و(أفريقيا الوسطى) والكونغو وغينيا الاستوائية وانغولا وبوروندي, ولم تشارك في التصويت توغو  وغينيا والكاميرون وسواتيني و(اثيوبيا) وبوركينا فاسو وغينيا بيساو.

واعتبر محللون أن نتيجة التصويت مُتوقّعة في ظل التحرُّك المُكثّف لدرجة التهديدات أحياناً الذي قامت به الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في العواصم الأفريقية, وذكروا انّ التصويت جاء انعكاساً لواقع التشابكات والشواغل السياسية على الأرض وتقاطعات المصالح, واعتبر محللون ان قرارات الجمعية العامة تفتقر دوماً لعنصر الإلزامية, على ان استعار الحرب ومواقف الاطراف وسعي الدول الغربية للذهاب لأخر مدىً في مقاطعة روسيا سيحمل الدول الغربية للاستفادة القصوى من الاثر المعنوي والسياسي للقرار والضغط على روسيا استناداً على ما سيعتبرونه ارادة دولية جسدها القرار.

قبولٌ كبيرٌ

مشروع القرار طبقاً لنتائج التصويت النهائية, يرى محللون دبلوماسيون انه وجد قبولا كبيرا, حيث صوّت بالإيجاب لصالحه (١٤١) دولة  وهي نسبة كبيرة وان تفوقت عليها مشروعات القرار الخاص برفض وشجب الحصار والمقاطعة الأمريكية ضد كوبا وهو مشروع يقترب كل عام من حصد العلامة الكاملة في الجمعية العامة لولا تصويت الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الجُزر ضده.

تحكيم عقل

خبير دبلوماسي في شأن الأمم المتحدة قال لـ(الصيحة) معقباً على امتناع السودان عن التصويت، اننا لم نخسر شيئاً بذلك ولن نربح كثيراً اذا اتخذنا موقفاً مغايراً. ويرى ان الغرب يسعى لإضعاف روسيا  بأي ثمن حتى ولو كان ذلك تقديم الشعب الأوكراني أو أي شعب آخر قرباناً من أجل ذلك. ويرى ابتداءً أن السودان ليست لديه قوة إقليمية ولا يملك دفع ثمن موقف الوقوف مع أحد الأطراف، لأننا في وضع معقد يحتم علينا البُعد عن المواقف التي تضر بنا في الظرف الحالي، بهذه الفرضية العقلانية ابتدر خبير دبلوماسي في الشأن الاممي والقانوني, تحليله للموقف المحايد للسودان إزاء قرار عدم تأييده إدانة روسيا أمس الأول بالجمعية العامة للأمم المتحدة, واعتبر في حديثه لـ(الصيحة) انّ الموقف المبدئي والطبيعي هو الوقوف ضد الغزو الروسي, باعتبارها خطوة تتعارض مع القانون الدولي وانتهاكا لسيادة دولة مستقلة ذات سيادة, إلا أنه ذكر أن السودان في ظل موقفه المُعقّد يتعذّر عليه اتخاذه في ظرف السودان الراهن المتسم بالهشاشة والحرص على عدم الانجرار في مواقف تضر بمصالحه. الأمر الذي يتوجّب عليه البُعد عن الاستقطاب بغض النظر عن طبيعة القضية, وأضاف قائلاً: في الدبلوماسية المتعددة يعتبر الامتناع عن التصويت موقفاً عقلانياً وهو اتخاذ موقف الحياد بحيث لا يغضب أحد الطرفين. وقال إنّ السودان سبق وان اتخذ مواقف مماثلة في قضايا شبيهة تتسم بالتعقيد، على سبيل المثال الوقوف من شبه جزيرة القرم وبحر الصين الجنوبي, ويرى أن الوقوف في المنتصف يمنح السودان أفضلية عدم إرضاء طرف على حساب آخر مع حرص الطرفين على جر السودان لتغيير موقفه المُحايد, وبالتالي يمنح السودان فرصة التقاط الأنفاس والتفكير ومراجعة الموقف إن اقتضت الضرورة والمصلحة.

وسائل مشروعة

السفير والدكتور علي يوسف، اشار الى ان فشل مجلس الأمن في إصدار قرار إدانة بسبب استخدام الفيتو الروسي، دفعه لاستصدار قرار بأغلبية تسعة اصوات لتحويل الملف للجمعية العامة للامم المتحدة، واستطاعت الولايات المتحدة بموجب القرار 377 مُستنداً على واقعة مشابهة في العام 1950 إبان الحرب الكورية. وقال إن القرار الصادر عن الجمعية العامه بإدانة الحرب والمطالبة بوقفها مرّ بأغلبية (141) هي نسبة كبيرة وتنوعت بقية الدول ما بين الرفض والامتناع فيما وضع السودان نفسه في خانة القائمة الأخيرة.

الأثر التنفيذي:

السفير يوسف اشار الى أن القرار يشكل ضغطاً سياسياً ودبلوماسياً على روسيا ولكنه ليس لديه اي اثر تنفيذي, ولن يعطى حق تدخل قوات كما حدث في كوريا, وعدّه معركة دبلوماسية وسياسية رأت واشنطن من خلالها ممارسة الضغوط على روسيا. ويصنف الدكتور يوسف موقف السودان الحيادي بالوسطي (مسك العصا من النصف) فهو غير مؤيد الغزو  ولا معارض بشدة له, ويرى ان الموقف يتسق مع مواقف الدول التي اتخذت جانب الحياد الإيجابي, فضلاً عن أن السودان طالب الأطراف بأن توقف الحرب وتسلك طريق التفاوض لحل مشاكلها بالطرق الدبلوماسية. كما أنه موقف يتّسم مع العلاقات بين الخرطوم وموسكو التي كان يزورها نائب السيادي, ووقّع عدداً من الاتفاقيات الثنائية، سيّما أن موسكو ظلت ترفض باستمرار الضغوط الدولية ضد السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى