الوضع الاقتصادي.. سيناريوهات الانتقال

 

الخرطوم: رشا التوم    3مار س 2022م

الوضع الاقتصادي الراهن وسيناريوهات الانتقال إلى النمو يدعو الى وقفة جادة من قبل الخبراء الاقتصاديين والباحثين في المجال التنقيب في جذور المشكل الاقتصادي لتوفير الحلول المناسبة للراهن الاقتصادي من خلال نظرة شاملة برؤية علمية وعملية استناداً على العصف الذهني والبحوث.

وفي هذا الإطار، نظمت الإدارة العامة للتخطيط والسياسات والمركز الأفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول أمس، حلقة للنقاش والتشاور بعنوان الوضع الاقتصادي الراهن وسيناريوهات الانتقال إلى النمو.

وأقر وكيل وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، بتأثير تمويل عجز الموازنة بالاستدانة من الجهاز المصرفي، على كل مؤشرات الاقتصاد السوداني، وقال إن زيادة الأجور بنسبة ٦٠٠% في عام ٢٠٢٠م، في ظل عدم وجود موارد كافية لتغطيتها، أدّت للجوء إلى الاستدانة من قِبل البنك المركزي، وتسبّب ذلك في ارتفاع مُعدّلات التضخُّم لثلاثة أرقام (ولا تزال هنالك مشكلة في كيفية تمويل العجز)، مبيناً أن سياسة الاستدانة من الجهاز المصرفي تكون إيجابية، حال تمّ صرفها في مشروعات إنتاجية، وتبرز سلبيتها عند استغلالها في الصرف الجاري.

وأفاد أن عجز الموازنة حالياً كبيرٌ، لأن تعويضات العاملين تمثل ٣٠% من حجم الإيرادات، ودعم المحروقات يأتي بنحو ٣٠%، كذلك دعم الولايات بحوالي ٣٠%، مِمّا يعني أنّ ٩٠% من حجم العجز يكون في ثلاثة محاور فقط.

ونوه الى ان المالية تتحمّل ٩٦% من تكلفة تشغيل الكهرباء، مما أثر على موازنة الدولة، في عدم الإيفاء بالصرف على قطاعات مهمة أخرى كالصحة والتعليم، وبرّر قطوعات الكهرباء في العام الماضي بسبب التقصير في دفع المبالغ المطلوبة لتخليص بواخر الفيرنس، نتج عنه عدم استقرار التيار الكهربائي بالبلاد، وزاد هذا الأمر دفع للبحث عن إيرادات للكهرباء، وزيادة تعرفة الكهرباء، ورغم ذلك لا تزال المالية تتحمّل ٦٩% لدعم الوقود، بما يعادل حوالي ٧٣٥ مليار جنيه في الموازنة للوقود، متوقعاً زيادتها بسبب أحداث أوكرانيا، خاصةً أن سعر برميل الوقود اليوم ١١٠ دولارات، لذلك نجد أن بند الدعم في الموازنة يواجه إشكالات.

واكد الوكيل، ان هنالك عوامل كثيرة تسببت في حدوث القفزة العالية للدولار في السوق الأسود، رغم أن توحيد سعره خلال فبراير ٢٠٢١م، إلا أن السوق الأسود لا يزال مستمراً.

وأمّن الوكيل، على أهمية إنشاء مفوضية قومية للتخطيط الاقتصادي، تكون المسؤول الأول، ومن أبرز مهامها التحكم في صرف اموال العون الخارجي، وان وزارة المالية ظلت تضع برامج جيدة، الا انها تصطدم في التنفيذ واقعياً، واشار الى وجود برنامج مع صندوق النقد الدولي يستمر لفترة ٣٩ شهراً، وبموجبه تم إعفاء جزء من الديون وحال إنجازه بصورة جيدة، يحصل السودان على إلغاء جزء كبير من الديون.

ومن ناحيته، أكد الأمين العام للمركز الأفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول دكتور محمود زين العابدين  في الجلسة الافتتاحية ان الحلقة هدفت الى وضع خارطة طريق للخروج من الازمة الراهنة ومناقشة التحديات وآفاق النجاح، وقال إن المركز نظم عددا من الحلقات المتتالية في إطار إيجاد الحلول المطلوبة لعدة قضايا والمساهمة في وضع رؤى تفيد في وضع خارطة طريق واضحة المسارات.

ومن جانبها، قالت المدير العام للسياسات والتخطيط الاقتصادي بوزارة المالية فاتن محمد فضل، ان حلقة النقاش قامت استناداً على الحوار والنقاش العلمي للخروج من الازمة الراهنة وتحديد اهم التحديات ورصد الاتجاهات السياسية الرشيدة لتحقيق التنمية المستدامة، واقرت باختلال التوازن العام في الميزان الخارجي وارتفاع حجم الاستيراد، مما يحدث عجزا في ميزان المدفوعات. ونوهت الى عدم توازن العرض للنقود وتشوهات سعر الصرف.

وفي السياق نفسه، أكد العضو المنتدب لشركة الموارد للاستشارات د. انس حسن حامد   أهمية الدراسات الاقتصادية والاستراتيجية لإحداث نمو اقتصادي مرتفع ومستدام للسودان، مشيراً لأهمية استصحاب الوضع الاقتصادي الراهن، وصولاً الى الوضع المنشود وكيفية الخروج الآمن، واعترف انس في ورقته بأنّ الوضع الراهن يتسم بضعف السياسات ونسبة بطالة عالية في وسط الشباب وانعدام سوق العمل بجانب تدهور العملة وعدم استقرارها، ولفت الى فشل السودان منذ السبعينات في تحقيق استقرار، ونادى بسياسات محكمة لتحقيق الاستقرار واصلاحات مالية ونقدية، وأردف ان معدلات التضخم العالية تعيق الادخار والاستثمار وتحول دون عجلة النمو، مما أدى إلى تحول النشاط الاقتصادي الى المضاربات وتسبب أيضاً معدلات التضخم العالية في توزيع عشوائي للثروة.

الوضع المنشود **

وقال انس ان تحقيق معدلات نمو عالية ومستمرة لفترة طويلة وفقاً لأدبيات

التنمية ان الدول التي نجحت في تقليل نسب الفقر وتجاوز الضعف الاقتصادي هي التي نجحت في وضع استراتيجية عادلة لتحقيق النمو الاقتصادى العالي والمستمر، وأضاف ما عاد لدينا وقت لإضاعته  ولا مجال لارتكاب أخطاء، فالسودان يحتاج لنمط تفكير جديد  وإن تحقيق معدلات نمو عالية تفوق ٧ % يتطلب استراتيجية شاملة  تتضمن السياسات التي تكفل استقرار الاقتصاد الكلي والجزئي ومستويات الاستثمار وسياسة التجارة الخارجية ونقل التكنولوجيا والنظام الإلكتروني والابتكار والتوزيع المُنصف للدخل لتحقيق النمو الشامل التنمية الحضرية.

دور الحكومة **

وأقرّ بأنّ الحكومة تعاني من عجز كبير ومُستمر في ميزانية الدولة وضعف الإيرادات سبب ضعف القدرة الضريبية للدولة، إذ تُشكِّل الضرائب حوالي ٦% من إجمالي الناتج المحلي، ووصف ضعف القدرة الضريبية بالقصور الكبير ولتلافي هذا القصور لا بد من نظام ضريبي فعّال وعادل وهي مهام اساسيه لأي حكومة راشدة، بجانب معالجة ضعف الإنفاق العام للدولة.

السياسة النقدية **

ودعا انس الى اهمية دراسة العوامل المختلفة التي أدت الى زيادة الاستهلاك القومي وعدم تناسق الإنفاق العام واختلال قطاعات النمو

بالإضافة إلى عدم التناسب في كمية النمو والعرض الحقيقي للسلع والخدمات، ولفت الى أن ضرورة الخروج والتعافي من هذه الاختلالات، وعزا غياب السياسة النقدية الى هيمنة السياسة المالية والتي حوّلت بنك السودان المركزي الى ممول، وطالب بمنع البنك المركزي من تمويل عجز الموازنة بطباعه النقود، ووصفه بممارسة سمة اقتصادية ضارة، وزاد قائلاً لعل سهولة تمويل عجز الموازنة بطباعة النقود هي التي أدت الى تقاعس الدولة عن تقوية قوتها الضريبية. واعتبرها سياسة غير أخلاقية.

 

الاقتصاد الجزئي **

وأشار الى ان كفاءة الأسواق والسعر المبنى وتخصيص الموارد والمنافسة والتغيير الهيكلي وكفاءة الأسواق بكل أنواعها مالية وسلع وخدمات مهمة للنمو الاقتصادي المستدام وعلى الحكومة بمستوياتها المختلفة ان تشدد الرقابة والتنظيم.

مستويات الاستثمار **

وشدد على أن الاستثمار العام والبنية التحتية المتطورة شرط لازم لتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة ومستدامة لتعزيز تنافسية الاقتصاد السوداني بالاستثمار الخاص والمحلي والأجنبي المباشر، وكشف عن تدني الادخار في السودان بسبب معدلات التضخم العالية والمستمرة، ولذلك تهرب المدخرات الخاصة الى خارج البلاد لدول مثل مصر، الإمارات وإثيوبيا.

النظام المالي المتطور **

وأضاف انس في ورقته أن رأس المال البشري يتضمّن التعليم والرعاية الصحية وسوق العمل والذي نواجه فيه إشكالية كبيرة، منادياً بضرورة إصلاح سوق العمل وجعله مرناً لتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستمرة.

سياسة التجارة الخارجية **

وفي هذا الجانب، اعتبر انس ان سياسة التجارة الخارجية احد اهم العناصر المهمة، وقال أكاد أجزم بأهميتها وحال أخطأنا فيها سوف نفشل في تحقيق النمو المطلوب، ورأي ان السودان حال وضع سياسة نمو يجب أن تبني على التصدير، مما يعني توجيه الموارد نحو القطاعات ذات الميزة النسبية في الإنتاج مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج والانتاجية ورفع الكفاءة في استغلال الموارد والمنافسة العالية لتحقيق جودة المنتج، ودمغ بأن الاستثمار في إحلال الواردات مكلف ويتم في اطار الحماية مثل الرسوم الجمركية المرتفعة وهذا لا يحقق كفاءة في الإنتاج تسهم في استدامة النمو.

سعر الصرف **

وأقر انس بمواجهة الاقتصاد مشكلة كبيرة في سعر الصرف، حيث يتم الهروب من الجنيه الى الدولار كمخزن للقيمة ووحدة حساب، ولفت الى أن سعر الدولار في السوق الموازي اصبح مؤشرا لحالة الاقتصاد.

نقل التكنولوجيا والنظام الوطني **

وقال إن أي دولة تريد الحفاظ على النمو المستدام لا بد لها من مراكز البحوث الزراعية والبيطرية والطاقة والمعلومات والاتصال وتطبيقها في مجالات الإنتاج والإدارة، فضلاً عن ان استدامة النمو تعتمد على نوعية النمو على المدى الطويل بالإضافة إلى التوزيع المنصف والتنمية الحضرية.

دور الحكومة **

وجزم بأن دور الحكومة محوري واساسي في تحقيق التنمية،  وقال إن حكومة السودان هي المسؤول الرئيس عن اخفاق التنمية في السودان،  منوهاً الى هيمنة القطاع العام على الاقتصاد وأضحت الحكومة مسؤولة عن توفير مشتقات النفط والقمح والسكر والكهرباء والماء وغيرها من السلع والخدمات، مبيناً أن الحكومة دورها تنظيمي فقط ويجب أن يتعاون الناس وليس التحكم في حياتهم جراء تحمُّلها مسؤوليات كبيرة مما يجبرها على التنازل، وأشار الى انه يمكن تحقيق خطوات كبيرة بوضع أسس وسياسات محكمة واستراتيجية للنمو الاقتصادي، ودعا الى انشاء مفوضية قومية للتخطيط الاقتصادي  تهدف الى حشد الموارد البشرية والمالية واستنهاضها لإحداث أقصى نمو وتجنب هدر الموارد وتحديد أولويات التنمية الاقتصادية  والاجتماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى