أسعار الخبز .. السودان في وجه العاصفة

 

الخرطوم: الطيب محمد خير     1مارس2022م 

توقع تجمع اتحاد أصحاب المخابز، زيادة في أسعار الخبز نتيجة اعتماد الشركات المستوردة للقمح على شراء الدولار بالسعر الجاري من السوق الموازي الذي يشهد انفلاتا واضحا.

من جهته، قال رئيس اتحاد المخابز بولاية الخرطوم حسب صحيفة “اليوم التالي”، إن اصحاب المخابز يواجهون صعوبات في تغطية المنصرفات جراء الزيادة التي طالت مدخلات صناعة الخبز، مطالبا بتعديل اسعار الخبز بصورة عاجلة لضمان انسياب عمل المخابز بالولاية، في مقابل ذلك برزت مخاوف حكومية من فجوة في القمح الذي سجلت اسعاره ارتفاعاً غير مسبوق بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يعتمد السودان مع عدد من دول منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير على القمح الروسي، ومتوقع ان تدفع الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من عقوبات اقتصادية تم فرضها من قبل امريكا وحلفائها الاوروبيين على روسيا، متوقع ان تدفع دول الشرق الاوسط بما فيها السودان لشراء القمح الاسترالي الذي تشير التوقعات بارتفاع اسعاره بأكثر من (50%) خلال الأشهر القادمة ما لم تتوقف الحرب.

خلل كبير

يرى استاذ الاقتصاد بجامع افريقيا العالمية د. يوسف خميس أبو رفاس ان الخلل الكبير يكمن في التحول الذي تم في الثقافة الغذائية للشعب السوداني بتحوله من اعتماده على الذرة الى استهلاك القمح واعتماده غذاءً رئيسيا ، وتغيير الثقافة الغذائية للشعب فخ وقعت فيه كل الدول ليس السودان وحده. وبالتالي اي ازمة عالمية تحدث في القمح سيكون اثرها على السودان بصورة كبيرة ولن يستطيع ان يتحمّلها بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور الذي يعيشه ، والسودان وضعه سيكون صعباً في الازمة التي بدأت تلوح في الأفق، فالسودان ليست لديه الموارد المالية الكافية التي تمكنه من التحول من منطقة الى اخرى لشراء القمح، مع الوضع في الاعتبار ان العرض سيقل وستزيد المنافسة والطلب في السوق العالمي للقمح وتبعاً لها الأسعار، لذلك ان وضع السودان سيكون صعباً.

تغطية العجز

ويقول د. أبو رفاس ان خطة الخروج من هذه المعضلة تكون على مراحل على المدى القريب، ان تسعى الحكومة لإيجاد كميات معقولة من القمح لتغطية الفجوة او العجز المتوقع حدوثه مشكلة  لا تواجه السودان وحده وانما ستواجه العالم ككل، لكن السودان في هذه الازمة المتوقعة في القمح سيواجه ظرفا صعبا للغاية لانه يعيش ظرفا اقتصاديا يكاد يكون على حافة الهاوية على العكس من دول اخرى قد تكون لها موارد واحتياطات اقتصادية ، لكن السودان بوضعه الماثل ستواجه مشكلة قطعاً، اما الحل البعيد المدى ان تعمل الحكومة على تشجيع زيادة رقعة الارض المزروعة بالذرة بداية من الموسم الزراعي الصيفي لهذا العام وكذا الصيفي لإنتاج القمح ليكون مخزونا استراتيجيا ، وعلى الحكومة ان تتبع ذلك بوضع خطة استراتيجية مستعينة بخبراء لتغيير الثقافة الغذائية للشعب السوداني من الاعتماد على القمح الذي غالبيته مستورد من السوق العالمي الى استهلاك الذرة المنتج محلياً كما كان عليه الحال ، وان لم يتم تغيير الثقافة الغذائية لاستهلاك الذرة كبدائل المحلية سيكون السودان عرضة للتأثر بأي مشكلات او حروب تنشب كما هو حاصل في الحرب الروسية الأوكرانية ، والسودان ينتج الذرة بكميات كبيرة  لكن المشكلة لا يتم استهلاكه محلياً.

رزق اليوم

واشار د. أبو رفاس الى ان عملية الاعتماد على القمح المستورد بطريقة أشبه برزق اليوم باليوم دون وجود مخزون استراتيجي يؤمن الاستهلاك المحلي، هذا يضع الأمن الغذائي السودان في المحك ولن ينجو من اي عاصفة اقتصادية تضرب العالم. ولفت د. أبو رفاس الى ان الزيادة التي يطالب بها اصحاب المخابز جاءت نتيجة لزيادة اسعار القمح في السوق العالمي، قال من الخطأ ان ترفع الحكومة يدها كلياً عن دعم الخبز في الوقت الحالي الذي كان تأثيره سلبيا بدرجة عالية على الوضعية المعيشية للمواطن، فضلا عن ان الدولة ساوت بين الاسر المقتدرة والفقيرة ، وكان الافضل ان تستمر الدولة في طرح نوعين من الخبز مدعوم يوزع عبر بطاقات تموينية لضمان وصوله للاسر الفقيرة، وآخر غير مدعوم للمقتدرين.

الجرعة القياسية   

وقال الخبير والمحلل الاقتصادي د. محمد الناير “للصيحة” قبل كل شئ لا بد من الاشارة الى ان كل السياسات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة منذ بداية الفترة الانتقالية لا تعادل هذه الجرعة القاسية التي اقدمت عليها بتحرير كل السلع الاستراتيجية ومحاولة معادلة اسعارها بما هو في الخليج واوروبا. واضاف لـ(الصيحة) الدولة بهذا نفذت سياسات لا يمكن ان تتناسب مع الوضع الاقتصادي السوداني مهما بذل من جهود لمقاربتها معه بكل الاحوال، لأن الحكومة الآن تضع الاسعار وفقاً للسعر العالمي في ظل عدم ثبات لسعر الصرف في السودان على العكس من الدول الاخرى التي سعر الصرف فيها مستقر، وبالتالي ليست لديها مشكلة تواجهها من اي زيادة تطرأ في السعر العالمي مثلا للبترول ، اما في حالة السودان اصبح هناك سعران لبرميل البترول عالمياً وداخلياً يتأثر بسعر الصرف للدولار وبذا يكون المواطن سدد سعر السلعة على دفعتين عالمياً ومحلياً وبالتالي من الخطأ تطبيق هذا النموذج من السياسات على شعب السواد الأعظم منه تحت خط الفقر والمقتدر منه اقرب لأصحاب الدخل المحدود في الدول التي تمت بها المقارنة.

قفزات عالية

وفي ما يلي المطالبة التي دفع بها اصحاب المخابز لزيادة اسعار الخبز، قال د. الناير الدولة رفعت يدها عن كل الدعم واصبحت لا تقدم له اي شئ ولم تتركه في حاله يواجه مصيره بإمكانياته، بل تطارده بسياسات وقرارات اما تؤثر عليه مباشرة او تؤثر على القطاعات التي تنتج السلع والخدمات وينكس تأثيرها ايضا على المواطن. واشار د. الناير الى انه تمت زيادة في اسعار الوقود   والدقيق، فقرارات الزيادة هذه ان جمدت او استمرت ستخلق ربكة لدى المواطن في توزيع لا اقول دخله الذي اقل من دولار في اليوم وانما في  كسبه اليومي الشحيح، في ذات الوقت هذه الزيادات بالتأكيد لها أثرها على المنافذ التي تقدم الخدمة مثل المخابز التي ستتأثر حتماً بارتفاع سعر الوقود عالمياً وايضاً ازمة القمح العالية التي بدأت تطل بالتزامن مع الحرب الروسية الاوكرانية، كل هذا يجعل الحكومة السودانية في موقف معقد لا تحسد عليه كما لوكانت في الظروف العادية السابقة، مضيفاً الآن مطالبة المخابز بزيادة السعر هذه وضعت امام معادلة صعبة التوازن فان هي وافقتها على الزيادة فإن اعداد الجياع وليس الفقر في ظل زيادة محدود في الأجور.

ازمة القمح

وطالب الناير، الدولة بأن تضع خطة استراتيجية لمواجهة ازمة القمح العالمية المتوقعة ولا سيما الآن موسم حصاد القمح قد بدأ او على وشك وبالتالي بالضرورة ان تضع خطة تشجيعية لضمان عدم تسريب الإنتاج للاسواق او التهريب حتى يكون هناك لديها مخزون ولو شحيح لتواجه به بداية الازمة القادمة بقوة في القمح، فإن لم تضع الدولة استراتيجية بأسعار تحفيزية ستدخل في نفق مظلم غير مضمون الخروج منه لأنها لا تستطيع ان تتحمّل عن المواطن التكاليف والاعباء الكبير لازمة القمح المتوقعة، فضلاً عن الزيادة الكبير في الضرائب والجمارك والطاقة التي لا يستطيع القطاع المنتج تحملها في ظل الكساد الذي يضرب الاسواق، اذن المشهد معقد.

إدارة الأزمة

وقطع الناير بأن الحل يبدأ بأن تنشئ الدولة بإشراف ومتابعة اعلى مستويات غرفة طوارئ من خبراء ومختصين لإدارة الأزمة ومتابعتها كل ساعة وليس باليوم، والمؤسف ان الدولة الآن منشغلة ولا تشعر بخطورة ما هو قادم من اخطر انواع الازمات التي تهدد العالم، وحذرت الدول ان لم تسارع في وضع استراتيجية لادارة الازمة لحصر المخزون من القمح والمتوفر من الدقيق، اتوقع حدوث هجمة على الدقيق في هذين اليومين وتجفيفه من الأسواق وحتى المزارع، ان لم تقدم الدعم الكافي للمزارعين لضمان وصول الانتاج للمخزون الاستراتيجي. واستبعد الناير ان يجد السودان دعماً في ظل الوضع المعقد الآن، واضاف حتى ان توفرت جهات ستكون هناك مشكلة في سلاسل الإمداد خاصة في مناطق زراعة القمح، وختم مطمئناً قائلاً السودان لن يجوع لوجود بدائل، لكن قد يعجز المواطن عن شراء السلع الضرورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى