الدكتور عبد الله الطيب علي الياس يكتب :أهمية موارد السودان في الاستراتيجيات الدولية

28فبراير2022م 

 

جربت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع السودان، كل وسائل اخضاع الشعوب لتنهب ثرواته، فلم تجد أسلوباً انجع من الحظر الاقتصادي وعلى رأسه الحصار المالي، لذلك فرضت عقوباتها وألزمت بها دول العالم من خلال التهديد بتوجيه ذات الحصار الاقتصادي على الدول التي تكسر الحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض على السودان.

فلم يجد السودان طريقاً يسلكه للإفلات من هذا الحظر المُر غير استخدام شركات جهات عامة وشركات أفراد لتسيير دولاب الدولة وهذا ما سهل مهمة مهربي موارد السودان إلى دول الجوار، مما جعل اقتصاديات دول الجوار السوداني تعتمد على الاقتصاد السوداني وفقاً لموقع (أمريكان غلوبال) عالي المصداقية في نهاية شهر يناير (٢٠٢٢) بالنسب التالية:

إريتريا (٩٠%)، جنوب السودان (٧٥%)، إثيوبيا (٧٠%)، تشاد (٦٥%)، مصر (٤٠%) وافريقيا الوسطى (٣٠%)، وقد عزز هذا التقرير التصريح الذي أدلى به (ماركوس اجيوس) رئيس مجلس إدارة بنك باركليز لشبكة (CNN)، في مطلع شهر فبراير ٢٠٢٢م، والذي أكد فيه: إنه يتوقع نتيجة لتوقف إمدادات المواد الخام القادمة من السودان، أن تحدث أزمة في اللحوم والمنسوجات والزيوت في شمال أفريقيا، وترتفع نسب التضخُّم بأكثر من (٤٠%) في كل من مصر ليبيا وتونس ومالي.

يذكر أن صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية أوردت مقالاً ذكرت فيه ان الصمغ العربي الذي يهربه تجار سودانيون يدر على فرنسا ما لا يقل عن (٢٠) مليار دولار سنوياً، وذكرت تقارير أخرى صادرة من البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ان عائدات مصر من تصدير المنتجات السودانية لا يقل عن (١٢) مليار دولار سنوياً، وعائدات الإمارات من تصدير الذهب السوداني المهرب إليها لا يقل عن (١٥) مليار دولار سنوياً، وعائدات روسيا منه لا تقل عن (٩) مليارات دولار سنوياً لتبلغ قيمة الموارد السودانية المهربة لهذه الدول الأربع فقط (٥٦) مليار دولار سنوياً، في حين انخفض الناتج المحلي الإجمالي للسودان من (١٢٣) مليار دولار في عام (٢٠١٧) إلى (٢٦) مليار دولار في عام (٢٠٢٠)، بنسبة انخفاض بلغت (٧٩%).

صدرت التقارير الدولية في (٢٠٢٢) عن العام (٢٠٢١) وهي تحدث عن الأثر البالغ الذي أحدثته العقوبات الاقتصادية الأمريكية في السودان، حيث ذكرت ان ديون السودان الخارجية بلغت بنهاية العام (٢٠٢١)، (٦٠) مليار دولار، من أصل دَين لا يزيد عن (٩) مليارات دولار، اي ان دَين السودان الخارجي تضاعف من خلال الفوائد الربوية بنسبة (٥٦٧%)، وفقدت العملة السودانية ما بين عامي (٢٠١٩ / ٢٠٢١) نسبة (٨٧%) من قيمتها، اي ان القوة الشرائية للعملة السودانية التي تركتها حكومة الإنقاذ التي اسقطناها لم يتبقَ منها سوى (١٣%) فقط، وقفز سعر الدولار الواحد من (٦٠) جنيها في عام (٢٠١٨) إلى اكثر من (٥٠٠) جنيه في عام (٢٠٢١) بنسبة زيادة بلغت (٧٣٤%)، كما قفز التضخم من (٤٥%) في مايو (٢٠١٩)، إلى (٣٨٨%) في أغسطس (٢٠٢١) بنسبة ارتفاع بلغت (٣٤٣%)، وعانى (٣٣%) من الشعب السوداني الجوع والعطش، ونزل حوالي (٧٥%) منهم تحت خط الفقر، ووصلت نسبة البطالة وسط الشباب المنتج إلى (٣٤%)، ووسط خريجي الجامعات إلى (٢٥%) وقصدهم من استهدف هذه الشرائح هو دفعهم للهجرة إلى البلدان الأوروبية ليكونوا منهم الجيش الذي ينهبون به ثروات واحتياطيات دول العالم.

الكثير من أبناء شعبنا يعتقدون ان العالم تحكمه الملائكة، وان العلاقة بين السودان ودول العالم لها علاقة بمن حكم السودان وهم لا يعلمون أن علاقة دول العالم بالسودان لها علاقة وطيدة بمدى تحقق مصالح تلك البلدان في بلادنا الغنية بالموارد، ولا علاقة لها أبداً بأهداف الدولة السودانية وشعبها.

بالرغم من كل هذه الشواهد لم يزل بعض بني وطني يظنون أن الحصار الاقتصادي الأمريكي الذي صيرته أمريكا عالمياً كان موجهاً ضد حكومة الإنقاذ بسبب توجهاتها الإسلامية، لذلك لا يُريدون أن يعترفوا أن الحرب التي واجهها دكتور حمدوك العلماني وحاضنته السياسية اليسارية كانت أشد ضراوةً من تلك التي واجهتها حكومات السودان المتعاقبة خلال سنوات الحصار الممتدة بطول سنوات استقلال السودان.

ولا أحسب أن منصفاً يُمكن أن يصادم هذه الحقائق الدامغة ويدعم من يظنون أنهم من أجل بناء دولة علمانية مُستعدون لتفكيك هذه البلد طوبة … طوبة، ثم يعيدوا بناءه من جديد على أسسهم العلمانية الهرمة المتهالكة.

هذه احلام على أحسن الفروض لا يعي اصحابها طبيعة الصراع الدولي البائن لكل من له قلبٌ يفقه به، أو أعين يبصر بها، أو آذان يسمع بها، ليجد من خلال هذه الوسائط فيما حوله من دول العالم عبرة وعظة، فاعتبروا يا بني وطني من قبل أن تدمِّروا بلادكم بأيديكم وأيدي أعداء أمتكم، والسلام.

خبير الحوكمة وإدارة المخاطر والرقابة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى